من موروثنا الشعبي/ اشوط تملي

 

 

                                                                            

 

                                                                             بدران امرايا 

 

               كان لشعبنا الكلدوآشوري السرياني منذ قدم التاريخ عادات وممارسات وطقوس محبذة ذات مدلول فلسفي عميق من حيث المنطق بسيطة المعالم والممارسة وكثيرة العدد وفي مناسبات كثيرة حيث تركت  لمسة واثر جميل في ذاكرة أبناء شعبنا وخاصة من عاشر أيامها تلك وان كل وقفة عدت بحد ذاتها مسحة جميلة في تكوين مخزونه التراثي القومي والوطني الثر .و شباط اسم سرياني بمعنى السبات وهو الشهر  الأخير من فصل الشتاء القارص والسبات الشتوي وما له من اثر بالغ في مجرى وسير أحداث الحياة اليومية للناس قديما وخاصة في القرى  وما يمتاز به من الركون والسكينة وقلة النشاط خارجا من نطاق سقف المنزل ، والخوف لنفاذ ( القوت ) المواد الغذائية  للناس والحيوانات ، لهذا كان الناس تهاب هذا الفصل وامتداد طول بقاء حليته البيضاء الناصعة على وجه الأرض ، وتأثير ذلك في تأخير بزوغ وإطلالة أزاهير الربيع، الفرشة  البهية الزاهية الخضراء للأرض.

ففي نهاية شباط ومطلع آذار يقومون شبان وشابات القرى بالتوجه إلى أطراف القرية لجمع ما أمكن من عيدان والخشاب شجرة ( الدبرانا – د ابرانا  ) وهو اسم سرياني بمعنى  ذو التراب لتجمع التراب عليه , وهي شجرة شوكيه جبلية دائمة الخضرة كانت تستخدم في القرى كشجرة الميلاد وكان يشبه الشخص الغير المحبذ اجتماعيا بهذه الشجرة الشوكية  ويقال له بالسريانية ( مشبي لقيسا لدبرانا ) وكانت أخشاب هذه الشجرة تجمع في إحدى بيادر القرية القريبة ومساء الليلة الأخيرة من شهر شباط كانت جموع من أهالي القرية تتجمع عند كومة الأخشاب فيقوم احد الشبان بإشعال النار فيها والسنة النار تمتد لمسافات في الأعالي والناس فرحين يغنون ويزمرون من فرحة انتهاء كابوس الشتاء وتوديعه بهذه الممارسة البسيطة المسماة ( اشوط تملي )أي بمعنى انتهى الشباط ويتأملون إن( كومرتا دشخنا مبلا رش ارعا ) اي جمرة الحر باتت على الأرض انطلاقا من تلك الليلة المفرحة  وكان هاجس الخوف عندهم يتبدد من قسوة الشتاء ونفاذ غذاء حياتهم اليومية وكانوا دائما يرددون مقولتهم السريانية (بد بلطي يالن من ايدن من كبنا وقرتا  ) أي سوف نفقد أطفالنا  من الجوع والبرد , وبالعكس يقولون إزاء الصيف ( قيطا بابا دفقيري ومسكيني ) أي أن الصيف بمثابة الأب للفقراء والمساكين حيث فيه تكثر بيادر الخير والبركة  والجو الطيب حيث يستطيع الشخص أن ينام تحت أية شجرة  ،ولم يبقى كثيرا لينطلق قطيع حيواناتهم  إلى حيث المروج والسهول والوهاد الربيعية المزهرة بلوحات لونية جميلة أخاذة تمتد لطول النظر ،فكان هذا الطقس البسيط يمارس سنويا في أجواء قرانا الجبلية ، واحتل هذا شباط حيزا من أمثالنا الشعبية  فقد قيل (اشوط شيطا وآذر ليطا ) ( اشوط يومي كويي ) أي أيام الشباط مستجدية أي قليلة  العدد .