تفسير ظاهرة النفور الديني لدى الشباب

 

 

                                                                                          

                                                                                                  سمير اسطيفو شبلا 

 

     

          في آب من سنة 1997 كان لنا لقاء ومحاضرة بالاشتراك مع المرحوم د.يوسف حبي حول ظاهرة النفور الديني لدى الشباب والمراهقين من الجنسين، مستندين إلى / أصول علم الاجتماع الديني – الأب حزبون لويس /جامعة اللاتران فرع القدس – 1996 من منشورات كلية بابل للفلسفة واللاهوت، وتجاوز عدد الحاضرين الـ 150 شاب وشابة من مختلف المشارب والثقافات والأفكار لذا كانت المداخلات تكمن قوتها بتنوعها الثقافي وجرأة طرحها مكتسبة من الحرية الممنوحة من الراعي الصالح باتجاه احترام الرأي مهما اختلفَ، فكانت ردة الفعل مؤثرة في نفوسنا جميعاً، ومن جانب آخر كنا قد خرجنا من صدمة الالتفاف على مقررات المؤتمر الكلداني الأول المنعقد للفترة من 16 – 20 تشرين الأول 1995 التي كانت هذه المحاضرة نتيجة منطقية لتعريف الشباب والشابات عن أسباب نفورهم من الكنيسة والدين، والأسباب الواقعية والموضوعية لهذا النفور، وكان احد الأسباب الذي تم طرحه من قبل (س) من الحاضرين وتأييده من قبل معظم الحاضرين هو عدم ثقتهم بالقرارات الجماعية وسيطرة القرار الفردي / السلطوي كما حدث بعد المؤتمر المذكور

 الموضوع

       بعد هذه المقدمة التعريفية والضرورية للمتابع الكريم لا بد ان نشير إلى فكرة من كتاب "عزلة الجموع" – رسمان ديفيد التي تفيدنا في موضوعنا هذا وهي – أي الفكرة - "ان نسبة كبيرة من الشباب والشابات بشكل عام قد عاشوا في بيئة ريفية وتتحكم في شخصيتهم التقليد المتوارث الذي يقبل ما عليه من عادات وتقاليد! ونادرا ما يكون هناك رفض علني (محتمل يرفض او ترفض من الداخل) لكن تسير او تخضع للمستوى الأعلى – ان كان الأب او الكاهن او العادات" فعندما نغور داخل هذه الفكرة نجد ان ثقافتنا محصورة او مسجونة داخل قيمة عليا من قيمنا هو الدين والمقدس الذي يؤدي إلى ثبات تقاليدنا وعاداتنا كوننا من عقيدة واحدة ومراسيم دينية واحدة، إذن جميعنا قد عايشنا الانتماء إلى جماعة، فهل يا ترى نبقى جيل بعد جيل على حالنا؟

 يكون الجواب بالنفي كون النسبة الكبيرة تحررت طبيعياً من الانتماء الفردي للجماعة إلى الانتماء إلى عدة مؤسسات وأصبح الفرد يحمل هوية خاصة به حسب انتماءاته /الكنيسة – النادي الاجتماعي – المؤسسة الوظيفية – الحزب السياسي – منظمات مجتمع مدني! وهكذا أصبحت العقلانية هي مركز التطبيق العملي للعقل بدل وصايا المؤسسة الدينية، كان لدينا خضوع للأعلى كفرد وجماعة فأصبح لدينا انتماء وهوية (تعدد القِيَم – تعدد الأفكار والعادات والثقافات والطوائف والمذاهب والأديان) وبدخول العلم والتطور تحولنا بإرادتنا وفرض علينا التحول من الفر دانية إلى الجماعية

 لابد باختصار معنى الفردانية والجماعية مع الدكتور الكحلاني حسن – الفردانية في الفكر الفلسفي المعاصر – مكتبة مدبولي 2004 لكي نتابع الموضوع بشكل يزرع فينا الأمل لمعرفة النفور الديني لدى شبابنا وشاباتنا وبالنتيجة نضع أصبعنا على النزيف لمن يرغب في إيقافه

الفرادنية تقول بالذاتية – الجماعية بالموضوعية

المتناهي – اللامتناهي

التعدد والتنوع – الوحدة

الحرية والمصادفة – العبودية والضرورة

النسبية في القيم – الثبات والمطلق في القيم والأخلاق

المخاطرة والتمرد – المحافظة على ما هو سائد

القطيعة والطفرات والوثبة – الاستمرار والتدرج

اللامساوة والتميز – المساواة والتماثل

دور الفرد في المجتمع – دور الجماهير والحتمية التاريخية

المنهج الجدلي الكيفي – المنهج الجدلي الكمي

أخلاق القوة – أخلاق الضعف

نكتفي بهذا القدر من المقارنة بين الفردانية والجماعية لنتعرف على مقولات كل منهما، وكل قول يحتاج إلى دراسة منفردة لنتعرف على المفهومين اللذين لهما علاقة بموضوعنا المطروح، وسنفعل ذلك في المستقبل! لذا لابد ان نعرج إلى الشخصانية كفلسفة جديدة لها تميزها عن الفلسفتين والتي نحن اليوم بحاجة إلى فلسفة ثورية جديدة تجسد القوة – قوة وضع معايير الخير والشر والحق والباطل والقيم والأخلاق والمبادئ مقابل الخيانة والخسة واستغلال الثقافة، وهكذا جاءت الثورات في أوطاننا لتؤسس قيماً جديدة تلبي حاجات المرحلة وما يتطلب تغيير المجتمع، ولكن قلعه من جذوره كما حدث لنا في العراق فهذا يدق لنا ناقوس خطر الضعف السياسي والاجتماعي والاعتماد على العامل الخارجي/الموضوعي فقط يؤدي إلى التصارع السلبي بين الإرادات ومن ثم الجمود والتوقف عن الإبداع، لأننا اليوم نفتقر إلى العامل الداخلي /الذاتي لذا فقدنا إحدى خصائص التطور والتقدم وكأننا نسير في صحراء احدنا أعرج والآخر أعمى

 

أسباب النفور الديني لدى الشباب

أولا/ عدم قيام (الكاهن – الراعي) بدوره الديني بشكل كامل لأنه يلجأ إلى القيام بواجبات مدنية يمكن ان يقوم بها الآخرون – لذا كان النفور والابتعاد عن الكنيسة

 ثانياً/ هناك بون شاسع بين ثقافة الماضي (طقوس – رموز كنسية – شعائر خاصة) وبين ثقافة اليوم – الثقافة المعاصرة – في نفس الوقت يتمسك القديم بموروثاته بشدة ويعتبرها خط احمر عليه يكون هناك شبه عدم اتفاق يصل إلى التصادم بين الثقافتين وكان النفور الديني

 ثالثاً/ نقص في رجال الدين مما يؤدي إلى نقص الأهلية في قيادة الشباب وخاصة ان فئة الشباب والشابات والمراهقين لهم روح التمرد والرفض وقول لاء ثم لاء ثم نعم – وليس مثل القديم قول نعم ثم نعم ثم نعم، ومن هذا ينتج تصارع بين حب السلطة وبين مواكبة العصر والاعتراف بالحرية الشخصية للفرد! فكيف ان كانت هذه الحرية منفلتة؟ انه النفور الديني

 رابعاً/ صرامة القوانين الكنسية المطبقة جبراً او فرضاً التي تؤدي إلى إخفاء دوافع سلوك الفرد والعائلة، لان معظم الرعاة يتصرفون كما هم يفكرون ويرغبون به دون اهتمامهم بالدافع الذي من اجله حضر الشاب وعائلته القداس، المهم عند الكاهن ان يأتوا وخلاص، لأنه لا يفكر بالبيئة الجديدة الذي هو فيها! ان أمريكا وثقافتها وعاداتها وتقاليدها تختلف عن تلكيف/ القوش  باختلافهما عن بغداد والبصرة والعراق كله، اختلاف الثقافات والحضارات وجوب ان يؤخذ بنظر الاعتبار وهذا ما نفقده لدى رعاتنا- سبب آخر للنفور الديني

 خامساً/ الشاب والمراهق (ة) لا يقبل كل ما يلقن له مثل ما كنا وآبائنا وأجدادنا!! اليوم يريد ان يفهم ويسأل بعدها يقبل بمعرفة لأنه يريد ان يكون كائناً اجتماعياً كونه يرغب وبقوة ان يعيش في عالم الكبار عندها يفكر بتربيته الدينية الناقصة من الأسباب الواردة أعلاه، فيضعه المجتمع أمام تأثيرات مغايرة عما تعلمه سابقاً وخاصة اختلاف فترة الانتقال من المراهقة الى مرحلة الرجولة من مجتمع إلى آخر، ألا يختلف مجتمع قرانا في سهل نينوى مثلاً عن مجتمع بغداد والبصرة؟ بالتأكيد الجواب نعم، إذن كيف ان كان مجتمعاً مغايراً تماماً كالمجتمعات الأوربية وأمريكا والغرب عامة؟ دور العائلة والكنيسة وجوب ان يسيرا مع المعاصرة والحداثة والعلم والتطور – وما دامت الكنيسة تطبق نفس الشعائر الدينية كما لو كانت في قرانا في شمال العراق – وكان النفور الديني

 سادساً/ المسلك الجنسي لدى الشاب والشابة يختلف باختلاف المجتمع، الكنيسة مطلوبة لتغير من قواعدها الأخلاقية في المسلك الجنسي، لان الشاب او الشابة لا يمكنهما تأجيل إشباع رغبتهما الجنسية ولو جزئياً، أليس من المفروض جدا ان تخصص الكنيسة جزءاً من وقتها لتلقي محاضرات خاصة للجنسين بخصوص الجنس (عدا تقصير المدرسة في تخصيص مادة الجنس للمدارس المتوسطة وصاعداً) وكيفية ممارسته وتكوين الجنين والعادة السرية وكيفية ممارستها العملية والعلمية ليتمكن الشاب والشابة من مقاومة إغراءات المجتمع المعاصر وخاصة ما يحتوي الانترنيت من مغريات جنسية متنوعة، هنا تظهر الكنيسة بمظهر وكأنها تحارب العلم والتطور- وبما ان كل ممنوع مرغوب فيكون هناك نفور ديني

سابعاً/ النفور الديني يأتي أيضا من كبت الحريات من قبل العائلة والعشيرة والسلطة الكنسية مما يحدث حاجة وفي أحيان كثيرة انفجار للتحرر والبحث عن الذات المستقلة، وهنا يحدث صراع بين الشاب وعائلته وبالتالي فقدان الجانب الروحي ومن ثم النفور، لان مرحلة المراهقة والشباب يفقد فيها الشاب مركزه في المجتمع! لا هو طفل ولا هو رجل، انه لا يقبل ان يعامله الآخرون كأنه طفل ولا باعتباره رجل، لذا لابد خلق مركز له، وهذا يكون بانتمائه إلى جماعة دينية او سياسية او فريق لعب ،،، الخ عندها يكون له مركز وهوية وبالتالي ينتقل من الفرد (طفرات ووثبات وقطيعة ) إلى الجماعة (استمرار وهدوء) وبالتالي إلى الشخصانية والعيش بالنزعة العقلانية ومن ثم الثبات والاستقرار النفسي