في ذكرى استشهاد زعيم الامة البطل مار بنيامين شمعون   

 

 

 

                                                              

                                                                                                    يوآرش هيدو  *

 

           في الثالث من اذار من كل عام تحل ذكرى من اشد الذكريات ايلاما في تاريخ الشعب الاشوري المعاصر، ذكرى استشهاد البطل القومي، زعيم الامة الذي لايضاهى، البطريرك العظيم مار بنيامين شمعون سليل الاسر الشمعونية العريقة. ففي مثل هذا اليوم من عام 1918 زرىء الاشوريون باغتيار بطريركهم المحبوب وقائدهم المحنك والحكيم والشجاع.

 

 

              

              في تاريخ الامم احداث لاتنسى على مر الاجيال والدهور، وتاريخ الاشوريين الدامي مليء بمثل هذه الاحداث ومقتل مار بنيامين شمعون من ابرز تلك الاحداث التي لايمكن ان ينساها الشعب الاشوري ما دام في قلبه عرق ينبض، وستظل ذكرى جريمة اغتيال البطريرك القديس مار بنيامين حية في ضمائر الاشوريين بمختلف مذاهبهم وكنائسهم مثيرة فيهم الحزن والاسى والغضب في آن معا على مر الايام.

انني اذكر وانا صبي صغير كيف اخضلت عينا والدي بالدموع ذات يوم وهو يتحدث عن مقتل مار بنيامين شمعون وكيف حدقت بوجهه مندهشا وسألته ببراءة الاطفال: ابي لماذا قتل "سمكو" مار شمعون؟

ولم اتوقف عن السؤال حتى كفكف والدي دموعه وواصل الحديث عن الجريمة المروعة التي ارتكبها ذلك السفاح الملعون بحق انسان قديس جاء بناء على دعوته للتفاوض في امور تهم الاشوريين والاكراد في مجريات الحرب الكونية الاولى باعتبار "سمكو" زعيما لواحدة من اكبر العشائر الكردية، اعني عشيرة الشكاك وحتى اليوم وانا في الخامسة والستين، مازالت ماثلة في ذهني صورة والدي وعيناه مغرورقتان بالدموع وقد حلت هذه الذكرى، ذكرى الكارثة العظمى، ذكرى المجزرة الرهيبة التي ارتكبها ذلك الاثيم الذي يسميه شعبنا الطيب بـ "سمكو الملعون"، المجزرة التي اغتيل فيها اكثر من خمسين رجلا من اشجع الاشوريين وعلى راسهم مار بنيامين شمعون فضلا عن عشرات الجرحى، في واحدة من اشنع عمليات الغدر والخيانة عبر تاريخ الانسانية المكتوب على الاطلاق.

لقد ارتكب "سمكو" الذي صار رمزا وتجسيدا للغدر والخيانة عند الاشوريين، جريمته المهولة هذه في وقت كان فيه شعب مار شمعون يواجه ظروفا بالغة الصعوبة والتعقيد، في مرحلة من اشد مراحل تاريخه المعاصر حراجة، مرحلة كان فيها بامس حاجة الى قائد من طراز مار بنيامين شمعون ليقود السفينة كربان ماهر الى شاطيء السلام وميناء الخلاص.

لقد ادرك مدبرو هذه المؤامرة ان مار بنيامين شمعون كان من نمط القادة التاريخيين فقرروا التخلص منه باغتياله.

وكان "سمكو الملعون" الاداة القذرة لتنفيذ هذه المؤامرة. ان الجبناء والاشرار لا يفهمون لغة الحوار فيلجؤون الى احط واخس الاساليب واكثرها دموية ووحشية ولا اخلاقية.

كان بطريرك كنيسة المشرق وقائد الشعب الاشوري مار بنيامين شمعون في الثانية والثلاثين من عمره عندما اغتيل. ورغم عمره الفتي بالمقارنة مع الزعماء الاشوريين الاخرين، كان يفوقهم جميعا في الحكمة والحنكة. ومع انه كان يعي تماما سداد رأيه وسلامة تقديره للأمور وصواب اجتهاده، لم يكن يتوانى عن طلب النصح او المشورة.

يقول القس يوئيل وردا، الكاتب والمؤرخ في كتابه الرائع الموسوم "ضوء اسيا الخافق او الامة والكنيسة الاشوريتان"، في فصل قصير عن الكاتب تحت عنوان: سيرة مختصرة لمار بنيامين شمعون، يقول: "كان مار بنيامين شمعون احد اعظم البطاركة الذين شغلوا الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق. كان يمتلك شخصية مدهشة تبعث على الحب والمهابة في ان معا. ان جاذبيته العظيمة فرضت التبجيل والولاء له من جميع ابناء شعبه رغم انتماءاتهم الطائفية المختلفة، ويضيف القس وردا: "لقد عدت شخصيته مركز استقطاب يلم شعث جميع الاشوريين في جبهة واحدة متحدة سواء في مجريات الحرب او في اوقات السلم.

وفي مكان اخر في الفصل نفسه يقول الكاتب:

"كان البطريرك العظيم منزها من الغرور تماما، ونموذجا حيا للايثار، وبسلوكه كان يعلم الخدمة والتضحية، كان اهتمامه بسعادة ونهوض شعبه اكثر، بما لايقاس، من اهتمامه بمظاهر الحفاوة والتكريم التي اسبغت عليه".

ومهما يكن من امر فان مار بنيامين شمعون وبشهادة كل من عرفه عن كثب كان يمتلك شخصية قيادية متميزة جعلته قائدا للامة غير منازع، ويمكننا القول جازمين ان ذلك القائد العظيم لو اخطأته رصاصة القاتل المأجور لاحتفل الاشوريون مع حلفائهم بالانتصار المؤزر في الحرب الكونية الاولى ولكان مستقبلهم مغايرا تماما عما ال اليه اثر اغتياله، لقد كان اغتيال مار بنيامين شمعون صدمة هائلة للاشوريين وفاجعة مروعة وخسارة فادحة لم ولن تعوض ابدا... ابدا...

يتجسد ذلك على نحو جلي في المحنة العظمى التي عصفت بكيان مار شمعون والعذاب الهائل الذي كابده عندما استخدم الاتراك شقيقه "هرمز" الشاب الذي كان يتقلى العلم في استنبول، في اقذر عملية تهديد. فقد ارسل "حيدر بيك" والي الموصل انذاك، رسالة الى مار شمعون جاء فيها:

"اخوك في قبضتي، فأن لم تستسلم فسيموت".

وكان جواب مار شمعون:

" لقد عهد الي بامر شعبي وهو كثير العدد، فكيف اخون الامانة في سبيل انقاذ شخص واحد، وان كان الشخص اخي.

 

*

كاتب اشوري بدأ الكتابة مطلع السبعينيات في الصحف والمجلات العراقية وبشكل خاص في المجلات السريانيه.شغل خبير في مجمع اللغه السريانيه ثم خبيرا في هيئة اللغة السريانية ضمن المجمع العلمي العراقي وعضوا في الجمعية الثقافيه للناطقين بالسريانية. عضوا في اتحاد الادباء والكتاب السريان وعضوا في الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين.. صدرله كتاب : ورود المروج وكتاب (زهريري)، ونشر له مؤخرا كتاب تعليمي باسم( براعم اللغه الاشوريه) بالتعاون مع الاستاذه جوان يوسف.