المنطق يحرم على الفاشل التكلم بإسم الآخرين ولا يمنحه حق إسداء الموعظة

 

 

 

 

                                                                           \

                                                                           شوكت توسا

               ما أكثر الوقت الذي إستهلكناه شاغلين أقلامنا في أمور ودعوات  أقرب للمواعظيه  منها الى الثقافيه والسياسية , فعلنا ذلك مضطرين ظنا منا بأن الضال بحاجة الى مساعدة كي يعدل ويهتدي , لدرجة غدا تكرار البت في هذا الأمر ضربا من صنوف العبثيه  والركاكه , على اية حال يبدو ان قدرنا  هو هكذا لا مفر لنا منه, لكننا سنحكيها من الآن فصاعدا كما هي دون اي رتوش او مجاملات . خلال السنوات التي تلت سقوط النظام الصدامي, طفت على الساحه القوميه الكلدواشوريه أصواتا وجدت لها مجالا  لتقديم نفسها  تحت عناوين العمل القومي  ليتبين لاحقا بانها غير جديره فيما تحكيه  بعد ان كشفت حال تورطها بسيل لعابها على الكعكة  , فراحت تستغل فسحة هامش الحريه الجديد  في البحث عن فرصة طرح نفسها لاعبا, أما يلعب او يخرب الملعب , فينا من هذه النماذج الموجوده من يعرف نفسه جيدا مثلما عرفهم ابناء شعبنا بتقلبات مواقفهم  وتغيير زوايا ودرجات ميلهم  التي أوصلتهم  الى حالة الشعور بالتهميش لشخوصهم وتلك حقيقه لا تقبل الشك.

 التصور السائد هو أن الكاتب الذي  يُخضع  قلمه  لتأثير غفلة الحسد والضغينه ( الأنا) ويمنحها سلطة التحكم في زمام ما يكتبه , يمكن لهذه الحاله لو إعتبرناها طارئه أن تأخذ قسطا من الوقت ثم تزول مع إدراك صاحبها لحقيقة الحاله التي تحتم عليه الإصغاء الى دعوات الأكثريه  له بضرورة  قراءة التاريخ جيدا ومعرفة مستلزمات العمل السياسي القومي التي تتطلب بذل الجهد والايمان باهمية توحيد الجهود.

أنا لا أدعي بان الأكثريه هي المالكه المطلقه للحقيقه  , مثلما لا أقصد عدم أحقية  الأقليه  في إنتقاد الأكثريه  , إنمامحور كلامنا هو أسلوب ومستوى الخطاب الذي لازم هذه الأقليه  منذ ظهورها , أخص بالذكرمن هذه الأقليه , الإخوة(النهضويين) الذين إنضووا مؤخرا تحت  اتحاد مسمى الكتاب الكلدان الألكتروني ثم ألحق به نقابة المهندسين والمحامين والنقاد  الكلدان , كل هذه التسميات والنقابات ومؤتمرات النهضه  والعشى ما زال خباز, متى الكعكه إذن  ؟

 تصوروا من شدة  صخبهم وتطبيلهم  خسروا  حتى تأييدنا للصحيح  القليل في إنتقاداتهم , من الناحية السياسيه عرفناهم  بتقلبات مواقفهم  حيثما اقتضت الضرورة, اما شهرتهم فهي في  تكرار شكواهم ضد أهلهم و في كليشات إتهامهم بتهميش الكلدان  التي لم تغب عن  ديباجات نقدهم , ذلك النقد لم يتعدى تخوم أهاليهم المستهدفين تنظيميا وبشريا, في حين يعرفون جيدا أن الذي تم تهميشه هو الصوت التقسيمي النشاز والاسلوب الذي لم يرتقي الى المستوى الذي يؤهل صاحبه لقدر من المراعاة له.

 والأهم من كل ذلك  تمسكهم بتسويق المفرده  العاكسه لتصوراتهم الحقيقية المناقضه  للصورة الإنسانية التي يجب ان يتحلى بها المثقف او السياسي  ,إذن  كيف سيؤخذ بكلام المتقلب وكيف ستوكل  اليه المسؤوليات, واليوم يأتينا احدهم بعريضة تعيينه وزيرا  يا لها من بدعه , لذلك  من المؤسف ان نقول لهم  بأن  علامات الاستفهام والتعجب  ستظل مرافقه لاي كلام يقال عنهم  او يصدر منهم  وسيبقى التهميش حتما نصيب كل من تمادى في استجدائه على حساب كرامة وسمعة أهله .

العاقل المؤمن بقضيته لن يغار ولن يتزعزع  إيمانه قيد شعره أزاء صخب ورشة  يئمها  ويديرها العقل الفوضوي الطفيلي  وما أدراك ما تنتجه عقليته ,  نعم مثل هذه الورشات مكتوب على مرتاديها  التهميش  وشعبنا هو الذي  سيختم بالشمع الاحمر على أقفال مداخلها , ويبقى إنساننا الواعي سيد كلمته في إختيار الكفوء لتمثيله  بكل حريه , إن العاقل المحب لشعبه كونه الأقرب الى انسانيته منهم,  يتأسف  ويحزن حين يكون  القائمين على هكذا ورشة من أهله وابناء جلدته  ويزداد تأسفه عندما يقتصر إنتاج  هذه الورشه  على صناعة عجينة خليطه من التهم  والتنكيل بأهله وجعلهم فرقا وفصائل مشرذمه  .

 لقد تميزت  ألفيتنا الجديده  بزخم المتغيرات السياسية والعسكريه التي طرأت في عموم مناطقنا الشرق أوسطيه ومن ضمنها العراق , فرضت هذه المتغيرات على وسطنا الكلدواشوري السرياني  تنشيط عقلياتنا مع ظهور نمط جديد من الثقافة التي أفرزت  أصنافا متطوره  من القراء الحاذقين لكل ما يُكتب ويُنشر, بحيث من الإجحاف ان يُنظر الى القارئ  بتلك السذاجه التي يمكن أن تخطفه مجاملة شخص الكاتب  او بريق عنوانه  الى قبول الطرح الأهوج بعلاته  وعلى حساب مصلحة شعبه.

 ماذا يعني تجاهل الكاتب لواجب احترام عقلية قارئنا الذي يدرك جيدا بأن للكتابة أصولها وعالمها وطقوسها التي تميز كاتب عن آخر بعد ان أصبح من المستحيل  تمرير الخدع  بالتباكي و بتقمص العناوين الكبيرة و الصاق التوصيفات العالمية  بالهيئات والإتحادات, ان الذي يحضى  بإهتمام القارئ العصري هو بحثه عن القيمة الانسانيه  لكل جديد  يطرحه الكاتب , والكاتب الذي يتغافل عن هذه الحقيقه فهو يخادع نفسه من جهه  ويسهل على القارئ  كشف حقيقة نواياه  من جهة أخرى, فقارئنا الحليم  قادر ان يكتشف بأن قلق الكاتب على شعبه بدلا من لهثه على الكعكه هو برهان ولائه الحقيقي لنصرة قضية جماعيه تسقط  عند عتباتها  بقية الإعتبارات الشخصيه  وتصبح التضحيه هي الثمن البديهي الواجب تأديته. 

لذلك نؤكد بان الذي يحثنا على  تكرار تطرقنا الى هذه الموضوعه  وإعادة  تحذيراتنا  لإخوة لنا في القومية والدين والمواطنه ,هو عمى الألوان الذي تعاني منه  أقلاما  توهمت  بأن  تقمص التسميات الكونيه والعالميه وعقد المؤتمرات (المذهبيه) سيمنحها تأِشيرت  المرور والنفاذ الى عقول القراء .

بينما كان الفيلسوف  المكدوني دايوجين منشغلا في تهيئة طبق من العدس لوجبة أكله , سأله صديقه الفيلسوف أريستايوس مستهزئا به: يا صديقي العزيز دايوجين هل تدري لو كنت  تعلمت القليل من طبع التملق لما كنت اليوم تقتات على طبق رخيص من العدس !!؟   فرد عليه دايوجين متهكما : وانت يا اريستايوس , لو كنت قد علمت نفسك على  اكل العدس  لما إضطررت الى تملق الحاكم والإستجداء من حاشيته .

أما المناضل والاديب الفلسطيني المعروف غسان كنفان , فقد قال  بما معناه : لو ثبت باننا مدافعون فاشلون عن قضيتنا, الأجدر بنا أن نغيرطاقمنا  لا ان نتلاعب بالقضيه ونقلب الحقائق من اجل التغطيه على فشلنا وعلى جسامة أخطائنا .

إن المثقف او الداعيه الذي ينسب مهمة الدفاع عن شعبه لنفسه, لو كان يخطط في عمله ويسخر كل ما لديه  لكسب الناس وإرضائهم سعيا وراء الشهرة والغنيمه فهو مدافع فاشل ومثقف مزيف  لا يحق له التكلم حتى بإسم  احد افراد عائلته , بل يجب تبديله  او تغيير عقليته إن هو ساعد نفسه عليها ,  أما الذي يدافع بصدق ضمن مستطاعه  ويعمل مع من حواليه من اجل الجميع فله كل الاحترام بين أهله ومعارفه.

 كما يؤكد الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيكوف , في معرض كلامه عن مهام الكاتب والمثقف الملتزم بقضية شعبه حيث يقول بما معناه : ليس رجل الفكر والثقافة  بممتهن لحرفة صناعة الحلوى ولا هو بحلاق او هاوي ثرثره  او حكواتي  , إنما هو الإبن المتعلم  في شعبه والدارك لمهمته التي تستوجب عليه صناعة الفكر وممارسة النشاط الذي يخدم قضية شعبه اولا. هذا النموذج الذي يتكلم عنه تشيكوف لابد له ان يكون ملما ً بآلام الناس ومعاناتهم  ويحترم عقول قرائه  ويشاطرهم مآسيهم  حينها يكون له الحق بالتكلم بإسمهم.

ليس غريبا  أن يختلف كاتب في فكره ونظرته عن آخر يرى الأمور بعكس ما يراها الآخرون, لكن الغريب  أن يسخر الكاتب  قلمه مستغلا طيبة أهله في خلق البلبلة من اجل تحقيق مأرب خاص به, في حين  المثقف الأصيل والكاتب الناجح  هو الذي يكتب وفي نفس الوقت يتحسب لما ستعكسه كتاباته وأفكاره على عموم المجتمع, وإلا فهو من الصنف  المعروف بالجانح باتجاه إظهار نفسه وإبراز شخصيته في كل ما يقوم به فقط  ليكون محط إعجاب وتقدير الآخرين  علـّهم  يمنحوه منصبا وزاريا او موقعا قياديا , وهذا ما يصعب تحقيقه في عصر يعتد عطاء الانسان معيارا في منحه المسؤوليه.

فيما يتعلق بتقييم ما يكتبه بعض الإخوه في الشأن القومي وهم موزعون بين مختلف كنائسنا, ارى بأنهم أحرارا في معتقدهم الديني وهم أسياد تمسكهم بكنائسهم ومذاهبهم  وهو أمر شخصي عائد لهم ولقناعتهم , لكن عليهم ان لا ينسوا إن كانوا بصدق من المؤمنين بالله وبالسيد المسيح كما يدعون, عليهم حينما يكتبوا  التأكد أولا من تهذيب طبيعة كتاباتهم  وبث عناصر المحبة والإيثار على الاقل إرضاء لله ولرسالة المسيح ,,,, وإلا فالشك قائم  حتى فيما يدعونه من إيمان بمسيحيتهم  .

الوطن والشعب من وراء القصد