ابن القوش البار ألبطريرك الشهيد مار بنيامين

 

 

                                               

                                                           

                                                                                                   يوسف شكوانا

           

                                                                   

       

             تعتبر عائلة ابونا من العوائل الالقوشية الشهيرة وعرف عنها ادارتها دفة كنيسة المشرق لقرون عديدة ابتداء بالبطريرك مار طيمثاوس الثاني 1318- 1333 استمرارا الى عام 1660 حيث قام منهم 12 بطريركا وفي هذه السنة حصل انشقاق بالعائلة عند اختيار خليفة البطريرك ايليا الثامن فاستلم قسم سلسلة شعبة القوش وقام منهم 5 بطاركة كان اخرهم البطريرك يوحنا هرمز وبعده بدأ تطبيق طريقة االانتخاب في اختيار البطريرك اما القسم الاخر فاستلم شعبة قودشانوس فاعطت هذه العائلة 9 بطاركة كان اخرهم مار ايشاي شمعون وبعده في عام 1975 بدأت ايضا بطريقة الانتخاب وبذلك يكون مجموع بطاركة هذه العائلة خلال خمسة قرون ونصف 26 بطريركا (بحسب شجرة بطاركة عائلة ابونا بيد المطران ايليا ابونا عام 1944)

البطريرك مار بنيامين هو سابع بطريرك من هذه العائلة في سلسلة قودشانوس اصبح بطريركا خلفا لعمه مار روئيل شمعون عام 1903 وكان عمره 16 عاما، ومنذ بداية بطريركيته لاقى المشاكل والصعوبات حيث الح نائب القنصل الفرنسي على اختيار عمه نمرود للبطريركية الذي نشط وبتاييد السلطات التركية في اثارة المشاكل، الا ان محاولاته باءت بالفشل بعد تخلي رؤساء العشائر عنه، ومن الصعوبات الاخرى التي واجهها استلامه كنيسة كانت عرضة لمختلف المبشرين كل يحاول استقطاع جزءا منها مستخدما مختلف الاساليب بضمنها ما هو بعيد عن الروح والتعاليم المسيحية، اما الوضع الامني فكان الاسوأ خاصة بعد تولي حزب الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) الحكم في تركيا وسياسته في القضاء على كل عنصر غير تركي ابتداء بالذين يختلفون عنهم قوميا ودينيا، هكذا كان واقع الشعب والكنيسة التي استلم ادارتها هذا البطريرك الشاب، فمنذ اليوم الاول لبطريركيته كان عليه حمل هموم اكبر من طاقة، ولكنه وبالاشتراك مع مجلس العشائر اتخذ القرارات التي رأوها في صالح الشعب الذي كان ينتظره الموت والفناء واما المواجهة والمقاومة، ولم يكن امامهم طريق اخر غير دخول الحرب الى جانب الحلفاء بسبب ما عانوه لفترات طويلة من مجازر واضطهادات حيث كانوا محاطين باقوام تعتبرهم كفارا وتحلل دماءهم واموالهم وممتلكاتهم وتشن هجمات عليهم باستمرار، وكذلك بسبب الوعود التي وُعدوا بها والتي ظهر لاحقا انها لم تطبق لسببين رئيسيين الاول قيام الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 وسحب قواتها من المنطقة تاركين حليفهم الصغير بين انياب اعدائه والثاني كان تنكر الانكليز لوعودهم بعد ان اقتضت مصلحتهم ذلك

لقد وصف البطريرك الشاب من قبل الذين عاصروه بالحكمة والسلوك القويم والوعي التاضج والكرم والشهامة والشجاعة وسلامة الجسد والعقل خاصة وانه قد ترعرع في البيت البطريركي، وقف البطريرك الشاب مع شعبه في اخطر الظروف ولم يتركهم، فكثيرا ما كان يجازف بالسفر من مناطقهم المحاصرة للتباحث مع حكومات اخرى بامور تخص شعبه ولكنه سرعان ما يرجع الى منطقته بعد ان يرفض كل الاغراءات والطلبات بالبقاء فيها بعيدا عن الخطر لفترة مؤقتة، فلم يكن من النوع الذي يسعى لامنه الشخصي ويترك شعبه في خطر، ويتجلى اخلاصه لشعبه في قضية شقيقه هرمز الذي كان ايضا صديقه ومرافقه الدائم واقرب المقربين اليه، حيث القت السلطات القبض عليه عندما كان يدرس في اسطنبول وجُلب الى الموصل واستُخدم كورقة ضغط على البطريرك، فارسل المحافظ رسالة تهديد للبطريرك بالقاء السلاح والا سيكون مصير شقيقه الاعدام، جمع مجلسه بشكل استثنائي وابدى رايه لصالح استمرار الانتفاضة وهكذا نص جوابه لمحافظ الموصل بما يلي (شعبي كله اولادي وهم كثيرون وهرمز هو اخي ولكنه واحد فقط لذلك فليقدم حياته قربانا لامته). وفي نفس الشهر سافر الى سلامس في طريق ملئ بالمخاطر للاجتماع بقيادة الجيش الروسي حول المساعدات الموعودة لشعبه وبعد ان تأكد له عدم جدوى المباحثات قرر الرجوع بسرعة الى شعبه، الا ان القيادة الروسية حاولت اقناعه للبقاء في سلامس تحت حمايتها لخطورة الطريق والمنطقة التي ينوي الرجوع اليها، وهنا اطلق رده المشهور (جئت لانقذ شعبي لا لانقذ نفسي فانا عائد اليه حتى اعيش او اموت معه)

وبما يخص القوش في فترة بطريركيته يذكر ان مار ايليا ابونا رافق البطريرك في كانون الاول 1915 الى (يرفان) للتفاوض مع قوات روسيا حول مصير شعبه وموقفهم من الحرب العالمية الاولى، كما ان الوفد الذي ارسله البطريرك الى مدينة(تفليس) للتفاوض مع الروس كان مكونا من ثلاثة اشخاص اثنان منهم من القوش هما المطران توما اودو والمطران ايليا ابونا، وهكذا كانت القوش حاضرة بابنائها البررة للدفاع عن ابناء امتهم الذين تعرضوا الى حرب ابادة جماعية هي الاسوأ في تاريخ البشرية، وعندما دخل البرابرة الى مار توما اودو وقالوا له ما الذي اتى بك الى هذا المكان صرخ بهم قائلا: هذه ارضنا وانتم الغرباء عليها، فما كان منهم الا ان هجموا عليه بوحشية وقتلوه مع المئات من ابناء رعيته ةالاخرين الذين لجأوا اليه من المناطق الاخرى وهكذا سجل اسمه في سجل شهداء الامة الخالدين، اما وقفة القوش البطولية تجاه بني امتنا في مجازر عام 1933 والمعروفة بمذابح سميل حيث رفضت تسليم اللاجئين اليها هربا من البطش بهم حتى بعد تهديد البلدة وانذارها بالهجوم عليها من قبل الحكومة العراقية انذاك ، فلقد كان قرار وجهاء البلدة عدم تسليم النازحين اليها مهما كانت النتائج ولقد استعدوا للقتال دفاعا عن اخوتهم

وحادثة اخرى وقعت عام 1908 عندما كان موكب مؤلف من القس كوريال دمان ودنو ابونا ويوسف عبيا (القس) وشاكر خوشابا ابونا وبكو متيكا ابونا والقس نعمان والقس ايليا من تللسقف والقس دانيال من ارادن وقس اخر من باطنايا وبرئاسة القس كوركيس (المطران ايليا ابونا) قاصدا البطريرك في قودشانوس وقع في الاسر في منطقة (جولامرك)واطلق سراحهم بعد توسط البطريرك بعدها رسم القس خوشابا اسقفا باسم مار ايليا ابونا كما رسم كاهنين هما القس حنا ابونا والقس يوسف عبيا

لم يكن البطريرك ولا زعيم الارمن يرغبون في عقد تحالف مع شيخ قبائل الشيكاكي الكردية اسماعيل اغا الملقب(سيمكو) الا انه تحت ضغط الانكليز والوعود التي قطعوها وجدوا نفسهم مرغمين على تغيير رأيهم، ومن ناحية اخرى اصبح راس البطريرك مطلوبا لدى ايران على اثر الهزيمة التي منيت بالمسلمين في اورمي عندما شنوا هجوما يهدف الى ابادة المسيحيين في المدينة، لذلك تم اغراء سيمكو باغتياله باية طريقة كانت، فقام بتوجيه دعوة لعقد اجتماع بينهما لبحث بعض المسائل المعلقة واقترح ان يكون الاجتماع في مقره في كوهنه شهر، بدا الامر طبيعيا رغم تحذير الارمن له كما ان اغا بطرس توسل اليه للاقلاع عن فكرة الزيارة قائلا (فداؤك سيدي اترك لنا هذه الامور ونحن خير من يقتدر بها، لك الصليب واترك السيف لنا، سيمكو رجل ماكر ورعديد دعه ياتي الينا بنفسه)، الا ان البطريرك اصر على الزيارة لحبه الشديد في نشر الوئام، تم استقبال الوفد المكون من 150 مسلحا بحرارة وجرت المباحثات بصورة طبيعية، وبعد ان خرجوا ومعهم سيمكو لتوديعهم، قبل يد البطريرك وما ان جلس في المركبة المخصصة له حتى عاد سيمكو مسرعا لياخذ بندقيته ويطلق النار عليه في ظهره، وكانت تلك الاطلاقة كاشارة الى جماعته المختبئين على السطوح المحيطة ليمطروا الوفد بالنيران، وكانت الحصيلة استشهاد 47 شخصا واصابة 46 اخرين. بعد ثلاثة ايام فقط شن اغا بطرس مع القادة الاخرين حملة شديدة على سيمكو دمروا القرية وعثروا على جثة البطريرك الشهيد وقد مُثل بها، الا ان سيمكو تمكن من الفرار واخذت قوات اغا بطرس تلاحقه من قرية الى اخرى

وهكذا جسد هذا البطل معاني التضحية والفداء في سبيل الكنيسة والامة كما جسدها قبله بستة عشر قرنا البطريرك الشهيد مار شمعون برصباعي وبينهما الالاف من الشهداء الذين روت دماؤهم مسيرة كنيستنا وامتنا، وري جسده الثرى في كنيسة في (خوسراباد) حيث ترأس الخدمة الاسقف مار ايليا ابونا

وهكذا فكل من يعمل بايمان واخلاص لكنيسته وشعبه تستذكره الاجيال ابد الدهر.