محبتني الصادقة لأُمتي قادتني الى طريق زوعا

 

 

 

 

 

                                                                        

                                                                              

   يوسف شكوانا                           

                           . 

البداية كانت في القوش

منذ أن وعيت على الدنيا كانت محبتي لامتي تعيش معي مارستها من خلال الكنيسة وتعلم اللغة التي أحببتها منذ البداية، كما كنت أعتز بالحقائق القليلة التي كانت تذكرها كتب التاريخ المدرسية عن عظمة حضارة بلادي خاصة في بابل واشور، لم اتخلى عن التزامي بكنيستي ولغتي رغم صعوبة الظروف أحيانا، ففي فترات معينة كنا محارَبين من قبل البعض بسبب التزامنا هذا رغم صغر اعمارنا التي كانت تتراوح بين 12 و 15 عاما. كانت المدرسة الاولى لتعلم الصلاة روضة نسميها مدرسة الصغار (مدرسا دزوري) نداوم فيها صباحا وبعد الظهر، كان يعلمنا فيها المرحوم الشماس هرمز كادو تعلمنا فيها بعض الحان الرمش. وبعدها وكما هو معروف كان المرحوم الاب هرمز صنا من المشجعين الكبار لتعليم الطقس الكنسي دائما، اضافة الى ذلك عمل بجد لفتح مدرسة صيفية في القوش لتعليم اللغة والتعليم المسيحي وكانت تسمى المدرسة الصيفية او المدرسة الكلدانية (مدرسا دقيطا أو مدرسا دكلذايا) أبتدأت كدورات صيفية لتعليم اللغة والطقس الكنسي وخدمة القداس وتحولت عام 1962 الى شبه مدرسة تبدأ سنويا مع بداية العطلة المدرسية الصيفية.

وصل عدد الدارسين فيها الى 500 متعلم في بعض السنين كلهم من الذكور لأنها كانت خاصة بهم، وكانوا من تلاميذ مدرستي القوش الاولى والثانية الابتدائيتين اضافة الى القادمين من بغداد والمدن الاخرى لقضاء العطلة الصيفية في مسقط رأسهم القوش، وكانت هذه المدرسة تشغل بناية كنيسة مار ميخا التي كانت سابقا مدرسة القوش الاولى للبنين وهي التي أسسها القس اسرائيل رابا شكوانا (رابي رابا) المتوفي عام 1611. وجدت نفسي مندفعا للتعليم فيها لسنوات مع حوالي 20-25 من المعلمين والكهنة والتلاميذ الاكليريكيين وكانت بادارة القس هرمز صنا وبدعم ومباركة المطران ابلحد صنا، ومن الذين علموا فيها أذكر الاب يوحنان جولاخ والاب (المطران) يوسف توماس والاب بولس خمي والاكليريكيين لويس جما وريمون برنو وميخا مقدسي (المطران) وجلال حداد وثائر تومكا وماجد لاسو وصلاح ديشا وحازم اسطيفو شبلا ومن المعلمين أذكر بالاضافة الى كاتب هذه السطور كل من نوئيل قيا بلو وايليا سكماني وكامل يلدكو وعابد بدي وميخا برنو وفرنسيس صنا ومتي سورو ونوئيل عوديش وميخائيل توماس وميخا روفا وسالم قودا وهرمز قاشا وعبد بهاري هذا مع الاعتذار لمن فاتني ذكر اسمه لأنني اعتمدت على الذاكرة وبعض صورسفراتنا التي كنا نقوم بها بعد انتهاء الموسم الدراسي فيها. توقفت هذه المدرسة بعد مضايقات السلطة وحزب البعث الحاكم وقتها، حيث تم تبليغنا وقت بدء الدوام فيها عام 1977 بغلقها وكان قرارا غريبا لمعرفتنا التامة بأنها كانت بعيدة كل البعد عن السياسة، (وهكذا وصل شوفينية النظام حتى لمنع تعلم لغتنا القومية) اتذكر وقتها انفعال القس (المطران) يوسف توماس وقوله (انهم لا يستطيعون ايقافنا، هل انكم مستعدون ان تصبحوا تلاميذ ونحن نعلمكم؟) كانت الموافقة بالاجماع والتحق بنا العديد من المعلمين والمدرسين الاخرين بعد ان سمعوا بالقرار الظالم، وهكذا انقسمنا الى صفين احدهما للمبتدئين والاخر للمتقدمين وتحولنا من معلمين الى تلاميذ يعلمنا الكهنة. ومن النشاطات الاخرى في تلك الفترة تقديم العديد من المسرحيات التراثية والاجتماعية الهادفة، ولقد اشتركت بالتدريبات لعرض مسرحية جنفياف، وقبل عرضها شملها قرار المنع الانف الذكر وهكذا لم تر النور رغم العمل الشاق لعدة اشهر. ولقد شاهدت العديد من مثل هذه الممارسات الشوفينية الظالمة للسلطة وقتئذ خاصة في منطقة سنجار حيث عملت فيها بسلك التعليم خلال السنوات الساخنة من بداية عام 1970 والى عام 1976 ولكنها ليست من صلب هذا الموضوع.

وضوح الطريق وزرع الامل قبل زوعا

كان المتبع في القوش عندما يتزوج شخص ان يقوم اصدقاؤه المقربين بخدمة المدعوين ليلة الحفلة (ليلي ددأوا) التي كانت في احدى الساحات الخارجية وبالهواء الطلق، وفي اليوم التالي يذهبون الى بيته في المساء لتقديم الهدية(صبحيي) طبعا مع شرب العرق. كانت بداية السبعينات من القرن الماضي عندما تزوج احد الاصدقاء (المرحوم جميل بطرس دكالي) وكالعادة ذهبنا مجموعة من اصدقائه في الليلة التالية الى بيته وكان المرحوم ابرم عما حاضرا لكونه أبا العروس، لم يكن لي معرفة به رغم كونه من القوش ومن محلتي والدارج اننا من عائلة واحدة وذلك بسبب فرق العمر أولا وثانيا لغيابه الدائم عن القوش بسبب السجون أو بسبب عمله، بدأها أحد الشباب عندما سأله بصورة اسفزازية قائلا:متى ستأخذون نينوى؟ لم ينفعل وانما أعطى محاضرة قيمة باسلوبه الهادئ تعتبر أفضل ما سمعته لحد الان وكانت عن حقوق القوميات وارتباطها بالديمقراطية في البلد ومن جملة ما اتذكره من اقواله: لا يمكن أن نحصل على حقوقنا الا في ظل نظام ديمقراطي في البلد، ولا يعتبر النظام ديمقراطيا اذا لا تتمتع كافة فئات الشعب بحقوقها العادلة. ان أقواله تلك خلقت الامل لدي بامكانية حصولنا على حقوقنا كما ان ربطه لقضية حقوقنا بالديمقراطية في البلد ضاعف من قوة مطلبنا بدرجة كبيرة فلم نعد لوحدنا نطالب بحقوقنا العادلة وانما تشاطرنا كافة القوى الديمقراطية، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لقد أزال ضبابية الافكار وغموض الطريق فالى ذلك اليوم لم أكن اتصور الطريق الصائب للمطالبة بحقوقنا بالاضافة الى عدم وضوح ما يمكن تحقيقه. فاذا كانت المحبة القومية ولدت معي فكلام المرحوم أبرم بلورها وأخرجها من خانة الغموض الى الوضوح فرسم لها طريقا قابل الوصول الى ما نبتغيه، وبعبارة اخرى ان اقواله نقلتني من الشعور القومي الى الوعي القومي. واخر حدث يذكر في الوطن قبل الاغتراب كانت مهزلة التعداد السكاني عام 1977 وقرار ارغامنا على التسجيل عرب، عبرت كغيري عن معارضتنا للقرار ولكن بحذر وضمن الاوساط الموثوق بها ففي وقتها كان يتهم بالشيوعية كل من ابدى رأيه معارضا ذلك القرار الجائر وكلنا نعرف عقوبة مثل هذه التهمة فالامثلة كانت واضحة امامنا من داخل مجتمعنا الالقوشي، ولقد طبقت القرار كغيري مرغما وأنا عداد في القرى الايزيدية بمنطقة القوش فكنت اسجلهم عربا وأنا أشعر بظلم تصدير ارادتهم كما حصل معنا.

الاستمرار في امريكا

منذ وصولي الى امريكا شاركت بفعالية في معظم النشاطات القومية فلم أرفض المشاركة باي نشاط قومي، أذكر منها نشاطات نادي الشبيبة الكلداني وحزب بيت نهرين الديمقراطي والاتحاد الاشوري العالمي والرابطة الكلدواشورية ونادي الاسرة الكلداني منذ تاسيسه حيث كنت ضمن مؤسسيه ومجلته (زهريرا كلدايا أي الشعاع الكلداني) التي اقترحت اسمها هذا، وكذلك بكتابة عدد من المسرحيات التي قدمها النادي أذكر منها مسرحية (بولاغا أي النفاق) ومسرحية(كورتا دشمعون اي زواج شمعون)،كما شاركت بكافة الامسيات الكلدانية سواء كانت للكنيسة الكلدانية أم اذاعة صوت الكلدان ام نادي الاسرة الكلداني وذلك بالقاء قصائد شعرية فيها، اذكر منها تلبيتي لطلب الاخوة في اذاعة الكلدان بالقاء قصيدة في الامسية التي استضافوا فيها الشاعرة العراقية المعروفة لميعة عباس عمارة وباعتقادي ان طلبهم كان بهدف التاكيد على هويتنا ولغتنا العريقة، شاركت بها في قصيدة (خرابا دأثري) وكانت عن حالة الخراب التي حلت بالوطن جراء سياسة النظام الصدامي الدكتاتورية كما شارك ايضا الاخ سلام يلدكو بقصيدة رائعة، ,وفي امسية اخرى لنفس الاذاعة القيت قصيدة (لشانا اي اللغة)، وفي امسية كلدانية اخرى القيت قصيدة (كبنخ ين لكبنخ اي احبك ام لا احبك) والجدير ذكره ان هذه الامسيات كانت تتطور باستمرار أذكر أروعها التي أخرجها الفنان المبدع عادل يلدكو وشاركت فيها نخبة من الفنانين، والقيت فيها قصيدة (هيايوثا أي الهوية)، كما شاركت في مهرجانات اغنية السورث في كندا وديترويت بالقاء القصائد الشعرية وكتابة كلمات بعض الاغاني، عملت في الجمعية الثقافية المسيحية التي كنت ضمن مؤسسيها وبهيئة تحرير مجلتها (الثقافة) وبعدها كنت ضمن مؤسسي النادي الكلداني الامريكي وعملت في هيئاته الادارية وشاركت بكافة نشاطاته كما كنت احد مؤسسي جمعية مار ميخا الخيرية، كنت أكتب مقالات في الشأن القومي بجريدة المشرق الاسبوعية الى ان توقفت بعد استشهاد صاحبها نابليون بشي. من اولى صعوبات العمل في تلك الفترة بساحة ديترويت كانت اثبات وجودنا القومي حيث كانت آثار التعريب قد فعلت فعلها وطغت على الاكثرية إذ كانت تعتبر اي هوية قومية مخالفة لقناعتها أمرا غريبا (لم تسمع به من قبل) كما كتب صاحب جريدة وقتها. بالاضافة الى ذلك وتلبية لطلب فنانينا كتبت كلمات العديد من الاغاني بلهجتنا الجميلة أذكر منها (عاشق دمثواثا- هاور هاواري- سسكاني- القوش- بيثي- خاي خاثي- شلاما دحوبا- خا يوما- شمشا دعاصرتا- شيرا دبربارا- بروني- شمشا دحيروثا- كالو وخثنا- حوبا صبيا- يولبانا- لا زالوخ- وغيرها) خلال تلك الفترة كنت في بعض النقاشات في ديترويت او شيكاغو اطرح الأفكار التي سمعتها من المرحوم أبرم عما دون أن ألقى أي اهتمام بها من قبل السامعين وكان اصحاب الشعور القومي يقولون عنها انها افكار شيوعية، كما انه في تلك الفترة سمعت لأول مرة عن وجود تنظيم باسم الحركة الديمقراطية الاشورية والمعلومات التي وردت عنها كانت انها فرع من الحزب الشيوعي العراقي اتخذت هذا الاسم لامتصاص الشباب الهارب من العسكرية كي لا يلتحقوا بمقاتلي حزب بيت نهرين. وبعدها لم اسمع عنها الكثير حتى شهدائها يوسف ويوبرت ويوخنا قيل انهم من الناشطين القوميين دون ذكر اسم الحركة

خلاصة القول انني وجدت نفسي مندفعا للمساهمة بأي نشاط قومي دون تمييز بين القائمين به وذلك انطلاقا من محبتي لامتي واعتزازي بلغتي وحرصي على تراثي، وهكذا وجدت نفسي قريبا وصديقا ومساهما في نشاطات كافة المؤسسات ذات الطابع القومي مضحيا قدر الامكان في المحافظة عليها وتطويرها، كان ذلك قبل التعرف على زوعا واستمر بعدها وسيبقى كذلك، واشعر بان هذا واجب وهو اقل ما يمكن تقديمه لهذه الامة.