العراقية...... تحالفات مرحلية واصطياد في الماء العكر

 

                                            

                                                      

 

 

                                                 

 

                                                   حازم زوري

        

                   لا يندهش المرء كثيرا وخاصة المتتبع للمشهد السياسي العراقي اذا ما عاد بالذاكرة الى طبيعة التحالفات التي تشكلت وتتشكل منذ العام 2003 وحتى اليوم ومدى عرضتها للتغيير المستمر وعدم الاستقرار بين اطراف العملية السياسية المحكومة علاقتها ببعضها بانواع التقاطعات والالغام القابلة للانفجار في اية لحظة اذا ما عرف وهو يعرف بالتأكيد وعلى يقين تام ان تلك التحالفات لم تتأسس لترفع من شأن الوطن والمواطن او لتكون نواة المشروع الوطني الحقيقي القادر على انتشال الوطن من محنته بل كانت نواة لمشاريع واستقطابات حزبية وقومية وطائفية اثقلت كاهل البلد والشعب وعجزت عن رفع شأنهما  والارتقاء بحالهما البائس  واقتصرت على رفع شأن اصحابها ومروجيها وعلى اشتداد قبضة هيمنتهم  وتهافتهم على الاستئثار بمغانم السلطة الى الحد الذي أفقدهم توازنهم  وزاغ ببصرهم وبصيرتهم ومنعهم من رؤية الحال المزري لوطنهم وشعبهم .

 

وعليه ليس بمستغرب اليوم التوجهات الحثيثة لتغيير خارطة التحالفات والسعي لأصطفافات جديدة على نفس الاسس السابقة بين اطراف كانت متقاطعة فيما بينها حتى وقت قريب .

 

ان الوقائع السابقة والمنطق القويم يُحتِمان علينا القول ان التحالفات او الاصطفافات الجديدة  لن تعمر طويلا لانها رهن الظروف القائمة حاليا ولأن اوجه الأختلاف بين اطرافها كثيرة فهي لم تجتمع او تتفق الا على هدف واحد وهو الرغبة في التخلص من شخص تقاطعت مصالحهم ورؤيتهم مع رؤيته وتوجهاته وألا فليقل لنا الراسخين في العلم والضالعين في فن السياسة ما هي المشتركات المهمة التي تجمع القائمة العراقية صاحبة المشروع الوطني المزعوم والمزايدات الكثيرة والشعارات الكبيرة والذي على اساسه نالت ثقة جماهيرها في الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام 2010 بالتحالف الكردستاني حامل لواء مشروعه القومي  الواضح المعالم والسمات في المقام الأول  والذي يجاهر به بلا مواربة او تردد والثابت الراسخ على مواقفه في اغلب الأزمات ؟ وما الذي يجمع القائمة العراقية بالتيار الصدري الذي لم يتبلور له حتى الان طرح او موقف واضح من كل المعضلات الوطنية ؟ بل غالبا ما يقتصر فعله السياسي ودوره في اوقات الازمات على استثمار الازمة للضغط على الحكومة من اجل تحقيق المزيد من المكاسب لمصلحته او ينحسر هذا الفعل في الدفع بحلول ومبادرات غريبة وملتبسة  وتحفها ظلال غائمة  لخلق المزيد من الارباك واضفاء المزيد من الضبابية على المشهد السياسي وبما يجعل معظم الاطراف قلقة وغير واثقة من الركون الى حلوله والتسليم  بمبادراته لغموضها وأحتمال تراجعه عنها في اية لحظة .

 

وكيف يمكن للتحالف الكردستاني ان يركن الى نوايا العراقية ومخططات رجالها وان يودع فيهم الثقة وهم الرجال الذين عرفوا بتقلبهم وانقلابهم على برامجهم وناخبيهم وتناسيهم لخطابهم الانتخابي الرنان والصاخب والمشحون بنزعة معادية للهويات الأخرى قبيل الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام 2010 والذي كان يهدف لاستثارة المشاعر القومية  المعادية لتلك الهويات القومية  في المحافظات المتحاددة لأقليم كردستان (نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى) وتحديدا في المناطق المتنازع عليها بهدف تعبئة  الناخبين وأبتزاز اصواتهم.

 

ما اسهل التنكر  بالنسبة لهؤلاء وأمثالهم وما ابسط خرق المواثيق والعهود لديهم وتغيير تحالفاتهم كلما وجدوا انفسهم محاصرين والفرصة سانحة امامهم  وعلى هذا الاساس نجدهم اليوم ينتهزون فرصة الخلاف وتأزم الموقف بين التحالف الوطني  وتحديدا ائتلاف دولة القانون وبين التحالف الكردستاني ليسارعوا بلا تردد الى اعلان اصطفافهم  الى جانب الاخير لتقوية موقفهم وتدعيم جبهتهم المتهاوية بعد توالي الانشقاقات عنها وذلك للأنتقام من غريمهم اللدود ( المالكي  ) بعد ان خابت مساعيهم وعجزوا بمفردهم عن ازاحته من موقع المسؤولية الاول بكل الطرق رغم ما حشدوا من وسائل وما سخروا من امكانيات مثلما عجزوا عن منعه من تولي السلطة بعد انتخابات عام  2010 البرلمانية بسبب فشلهم في تشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر داخل مجلس النواب.

 

ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ورغم قبولهم الممض بتلك النتيجة بعد أخفاقهم في تولي منصب رئيس مجلس الوزراء ، ورغم مشاركتهم فيما بعد في الحكومة التي شكَلها المالكي ورفضهم البقاء في جبهة المعارضة لكي لا يفوتهم شيئا من الكعكة، ورغم تلويحهم  وتهديداتهم المستمرة منذ ما يقارب السنتين بالانسحاب من الحكومة ومن العملية السياسية برمتها ، نقول رغم كل ذلك فأنهم آثروا البقاء والاستمرار في هذه الحكومة وبنفس الوقت واصلوا مواقفهم السلبية منها ومساعيهم الدؤوبة لأفشالها رغم كونهم مشاركين فيها وجزءا اساسيا من بنيتها  في ازدواجية واضحة قل نظيرها في تجارب انظمة الحكم السياسية في العالم متهمين اياها بشتى التهم وهذا غير مألوف ابدا في الحكومات الائتلافية او حكومات الشراكة الوطنية التي يفترض بجميع الاطراف المكونة لهل والمشاركة فيها التعاضد والتكاتف لأنجاحها ، ولم يدخروا جهدا في محاربتها وتعجيزها من خلال مواصلة خطابهم المشحون والسعي بكل الطرق لخلق المشاكل والازمات لها وتحميل رئاستها مسؤولية كل المثالب والمعضلات والانتكاسات التي تعصف بالبلد على الصعيدين الأمني والخدمي وكأنهم ليسوا جزءا مهمًا منها ممنين النفس بأسقاطها وتحقيق مأربهم وحلمهم العتيد في تسلق هرم السلطة من خلال تحالفات جديدة مبنية على الانتهازية وعلى تضليل الجمهور مرة ثانية بشعارات مستهلكة ما عاد بوسع روادها ايهام وتضليل الشعب بها مرة اخرى ،ليتضح لجماهير واسعة من انصار العراقية وباليقين والملموس ان رجال قائمتهم الذين انخدعوا بهم ردحًا من الزمن ليسوا سوى دعاة مناصبهم وامتيازاتهم ومشروعهم السلطوي الخاص الذي ينحسر في بلوغ السلطة والامساك بها لأعادة عقارب الساعة الى الوراء تنفيذا لاجندات اقليمية بات واضحا دورها التخريبي في ايقاف عجلة التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في العراق الجديد .

 

اننا لعلى ثقة تامة في ان السياسيين الكرد على قدر من الفطنة والدهاء بحيث لا يمكن ان تنطلي عليهم مرامي ومخططات دهاقنة العراقية وأقطابها والمراقب المحايد والموضوعي على دراية وقناعة اكيدة ان التكتيك الجديد لكتلة العراقية وسياسة المناورة والأصطياد في الماء العكر ستخيب وترتد على اصحابها وستمنى بالفشل الذريع  بعد ان تنكشف نواياهم الحقيقية بعد انجلاء الغمة عن موضوعة سحب الثقة من الحكومة بالاتجاه الذي يحفظ للعراق وحدته وللشعب كرامته ولجميع الاطراف حقوقها المشروعة وطنيا وفق الدستور واتفاقات الشراكة الحقيقية وبجهود الخيرين واصحاب النوايا الحسنة في جميع الكتل السياسية ومنهم بعض نواب العراقية الذين ادركوا بحسهم الوطني خطورة توجهات بعض رموز العراقية واماطوا اللثام عن حقيقة ارتباطهم بالمشاريع والاجندات الخارجية ، وأن هذه القناعة متأتية ومبنية على الوقائع الثابتة المرئية وعلى التاريخ والتصورات والخلفية الايديولوجية التي ينطلق منها بعض قادة العراقية ورموزها وعلى المدارس والمناهج الفكرية التي نهلوا منها وتسلحوا بها عبر الاجيال ومواقف تلك المدارس والايديولوجيات في الحقب الماضية من قضايا وحقوق القوميات والاثنيات والتي غالبًا ما اتسمت بالسلبية والمناورة والجحود وخضعت لمقتضيات الحال والظروف وافتقرت الى المبدئية والصدق والثبات .

 

وفي الختام نقول: ان من افتقد الى الامانة  مع أهله  وخذل جمهوه الذي سانده وتسلق على اكتافه في الأنتخابات لا يمكن ان يكون امينا او وفيا مع الاخرين من شركاء الوطن وما يبنى على المناورة والخداع لن يعمِر طويلا ومصيره حتما الى الزوال طال الزمن ام قصر ولن تخدم المناورة اصحابها ولن تزيدهم الا فشلا وتخبطا وانحدارا ورفضا من القريب قبل الغريب وموقف جمهور العراقية اليوم  من رموزها وقادتها هو الدليل والبرهان على حقيقة ما نقول .