النظام وبصمة الاصبع وحقوق الموظفين

 

                                                   

 

 

                                                             

                     

                                                              

                                                             د. علي عبد داود الزكي

 

   

     كنا نسمع ايام زمان ونحن نتابع الافلام المصرية عن ؛؛بصمات الاصابع؛؛ وكيف يمكن استخدم البصمة في الكشف عن المجرمين وادانتهم فاخذت كلمة البصمة في مخيلتنا سمة أمنية واصبحت تمثل احدى الوسائل التي يمكن ان تعتمد في تميز انسان عن اخر في الجانب التحقيقي في الجنايات وغيرها.

كانت ولازالت بصمة الابهام الايسر معتمدة في العديد من التوثيقات الحكومية لغرض انجاز الوثائق الثبوتية من الهويات والجوزات واوراق تسجيل العقارات. البصمة في مثل هذه المعاملات روتينية ولايتم تدقيقها فيما بعد.

كما ان من لا يجيد القراءة والكتابة لانجاز المعاملات الرسمية يستعاض عن توقيعه ببصمة ابهامة الايسر ولا نعرف لماذا الايسر؟!. وخلال دراستي في مجال معالجة الصور الرقمية في بديات تسعينات القرن الماضي بدات اقرا الكثير عن بصمات الاصابع والتي تختلف من شخص الى اخر ولذلك يمكن ان عتبارها هوية مميزة  للشخص.

وعندما اكملت كورسات الدكتوراة والامتحان الشامل وضع مشرفي خطة مفصلة موسعة لدراسة وتحليل بصمات الاصابع كمشروع دكتوراة وطلب مني المشرف ان ابحث واقرا لكي اعد تقريرا عن الموضوع فذهبت لدراسة الموضوع وجمع اساسياته وقمت بتحديد بعض النقاط السلبية للموضوع لاني كنت غير راغبا فيه وبعد اسبوع استطعت اقناع المشرف بتغيير الموضوع.

دخلت التكنولوجيا الحديثة لعراق ما بعد سقوط الصنم ودخلت معها العديد من الوسائل التكنولوجية بعضها يمكن تطبيقه للاغراض الامنية التي يمكن ان تسمح او لاتسمح بمرور شخص الى دائرة او مكان ما ودخلت اجهزة حاسوب واجهزة موبايل حديثة تعمل على البصمة فلا يمكن ان تعمل هذه الاجهزة الا بعد يحدث التطابق فيما بين بصمة المستخدم مع بصمة المالك للجهازاو انها تتوقف ولا تعمل نهائيا في حالة استخدامها من قبل شخص اخر غير المالك، وبذلك توفر امنية ممتازة للحاسوب والموبايل لحمايتها من الاختراق والتلاعب.

انها التكنولوجيا الحديثة التي دخلت الى العراق وانتشرت بسرعة كبيرة جدا رغم ان الكثير من الناس لا زالوا يجهلوا كيفية التعامل معها بكفاءة ، اضافة الى ان ثقافة المجتمع لم ترتقي الى مستوى التعامل السليم مع هذه التكنولوجيا

 انتشرت هذه التكنولوجيا واصبحت وكانها طوفان جارف بدا ينخر جدار القيم الاخلاقية للمجتمع،مما سبب فقدان الكثير من سمات التحضر المرجوة من دخول هذه التكنولوجيا للبلد واصبحت وكانها قيود معرقلة للعمل في بعض الاحيان واسلحة خطرة تفتك بالانسان وقيمه من حيث لا يعلم كما ان ثقافة المجتمع اصبحت تعاني من تغرب واضطراب وعدم استقرار مسببة شيئا من عدم الثقة فيما بين الموطن ومؤسسات البلد السياسية والاقتصادية والتجارية .

لعل واحدة من اهم مظاهر التكنولوجيا الحديثة هي اجهزة البصمة الذكية التي ظهرت وبدات تستخدم بشكل واسع وانتشرت في العديد من دوائر ومؤسسات الدولة لضبط الموظفين والعاملين وجعلهم يلتزمون باوقات الدوام الرسمي في مؤسساتهم.

ان حفظ النظام واحترام حقوق الانسان تعتبر من اهم سمات الرقي الحضاري في مجتمعات العالم المختلفة كما ان الالتزام بها فاكيد سيكون له دور مهم جدا في التاسيس لقاعدة قوية  لبناء دولة مؤسسات منضبطة بثقافة التحضروالحرية والديمقراطية.

ان النظام لا يمكن ان يبدا الا من ثوابت مهمة وهذه الثوابت محكومة بامن واستقرار المجتمع ومحكومة بالاهداف المرجوة منها.

 اصبح من المتعارف عليه اليوم ان الموظف في العراق الجديديمكن اعتباره شخص محظوظ مستقر في حياته اكثر من غالبية ابناء المجتمع من غير الموظفين لذا يمكن ان نعتبر ان الموظف الحكومي محسود من قبل الذين يبحثون عن وظيفة لان الوظفية الحكومية اصبحت مصدر الرزق الوحيد لغالبية العراقيين في عراق ما بعد سقوط الصنم واصبح الحصول على الوظيفة اليوم امرا صعبا ان لم يكن عسيرا.  ان اغلب الوظائف الحكومية اليوم اصبحت عبارة عن بطالة مقعنة واصبح هناك ترهل اداري كبير اثقل كاهل الدولة وسبب عدم انضباط مؤسساتي كبير جدا، واصبحت السيطرة على الكم الهائل من الموظفين فيها امر صعب جدا خصوصا مع التدخلات السياسية والقوى الحزبية المتنفذة في المجتمع.

كما ان الحقوق الديمقراطية للاسف لازال ينظر اليها نظرة غير الناضجة بسبب الجهل والتجهيل وانتشار الافكار الطائفية والعنصرية والتطرفوهذه السلبيات كلها تنصهر باوزان مختلفة التاثيرهنا وهناك لتعمل على توهين القرار وتكسر القانون وتخلق الفوضى واللانظام.فمثلا بمجرد ان تخرج مظاهرة او يتجمع بضعة عشرات من الناس او تجمع عشرات التواقيع لرفض قرار ما او لطلب قد يكون غير مشروعسيتعاطف السياسين بدون الاهتمام بشان البلد واستراتيجية نهوضه ان هذا التعاطف غالب ما يكون سببه اغراض انتخابية. كما قد يتعاطف بعض المسؤولين الكبار مع الفوضوين لغرض دفع المشاكل عنهم خصوصا ان تدخلت حركات واحزاب سياسية قوية تعمل على تدعيم قواعد انتشارها وسيطرتها على مساحة شعبيه اوسع بسيطرة فوضوية وذلك بدعم عملية كسر القانون وعدم الانضباط. اصبحت المؤسسات تعاني من مشكلتين الترهل الادراي الكبير وعدم الانضباط اصبح المسؤولين يعانون من هذه المشاكل المستعصية والتي تجعلهم بدورهم غالبا مايماشون الامر الواقع ويتجنبون الاشكاليات التي قد يسببها الحزم. هذا فيما يخص المسؤولين لكن من جانب اخرى يبقى الانسان العراقي يعاني من سوء الخدمات التي تسببها الفوضى والترهل الاداري وعدم الانضباط وتبديد الاموال.

ان غالبية الموظفين خصوصا في مدينة بغداد وفي اغلب مؤسسات الحكومة يعانون الامرين يوميا وهم في طريقهم للوصول الى دوائرهم او مكان عملهم، فعملهم يتطلب ان يخرجوا من بيوتهم في وقت مبكر جدا لكي يصلوا في الموعد المطلوب للعمل كما ان رجوعهم الى منازلهم في نهاية الدوام الرسمي قد يتطلب ساعات وساعات،يعني بشكل عام الموظفين يصرفوا مايقارب 4 ساعات يوميا على الاقل في طريقهم الى مكان عملهم ذهابا وايابا وهذا شي لا يمكن ان يتم اغفاله.

 يجب على  كل مسؤول ان ينتبه لهذا الامر فهذا ليس بالشيء الهين او البسيط، صحيح ان الموظف يجب ان يعمل ما لايقل عن 6 ساعات  في دائرته لكن يجب ان يضاف له من4 الى 6ساعات طريق. طبعا في بعض الاحيان يكون الوصول الى الدائرة امرا مستحيلا وفي احيان اخرى الموظفين يضطروا الى السير على الاقدام عدة كيلومترات للوصول الى الدائرة ان هذه الامور يجب ان تدرس بعناية عندما يراد ان يكون هناك ضبط وحزم في اي مؤسسة من مؤسسات البلد. يجب ان لانقارن الوضع مع ما كان عليه الوضع في السبعينيات من القرن الماضي بالانضباط وغيره. لان الوضع الحالي مختلف تماما نحن اليوم بصراحة بحاجة الى اعادة هيكلة القوانين بشكل جديد واعادة ترتيب الانظمة بما يلائم الوضع الجديد ويجب معالجة السبب وعدم فرض الرؤى التي لاتقدم العمل المؤسساتي الى الامام يجب ان تكون هناك رؤية لكل خطوة يجب ان يكون هناك نتيجة مرجوة وواقعية لكل خطة ستطبق على المؤسسات الحكومية.

ان تطبيق القانون بدون الاخذ بنظر الاعتبار كل التحديات التي يمر بها البلد سيجعل الموظف يفقد الثقة بمرؤسيه. ان الخدمات التي يجب ان توفر للموظف الحكومي في كل بلدان العالم المتحضر يجب ان تكون متوفرة للموظف العراقي لكي نستطيع ان نلزمه باحترام وتطبيق القوانين والانظمة. الخدمات الصحية والكافيتريات ودور الحضانة ورياض الاطفال والمدراس وخطوط النقل يجب ان يتم توفيرها بشكل مناسب وملائم للموظفين ويجب ان يتم تفهم مشكلة الموظفين في هذا الشان والعمل على مساعدتهم في تسهيل امورهم ومساعدتهم على حل هذه المشاكل وليس اعتبار المشكلة وكانها مشكلة الموظف فقط.

ان اغلب الموظفين لديهم اطفال واطفالهم بحاجة الى رعاية، ورعايتهم عمل مهم جدا يمكن ان نعتبره عمل مقدس فمثلا في بلدان العالم المتحضر الاهتمام بالاطفال ورعايتهم والاهتمام بحل مشاكلهم وتوفير الخدمات لهم يعتبر من الاهداف الاساسية لمؤسسات البلد فما فائدة المؤسسات ان حصل اهمال في تربية الجيل الجديد وحصل تراجع في توفير مايحتاجه. ان الاباء والامهات الذين يعملون على توفيرالكثير لابنائهم من الاحتياجات والوقت يجب ان تعمل مؤسسات الحكومة على دعمهم وتشجيعهم ومساعدتهم.

 حكى لي احد الاساتذة حينما كان يدرس في بريطانيا قال انه عندما كان يسافر للتنزه في بريطانيا ويحجز هو وزوجته يدفع مبلغ اكبر بكثير مما لو حجز هو وزوجته واطفاله. لانهم يعتبرون من يقوم باصطحاب الاطفال في السفرات وياخذهم للتنزه فانه يقوم بعمل تربوي سليم وصالح عمل يحمي الطفل من الامراض النفسية ويمهد لخلق جيل جديد صالح في مجتمع سليم ومعافى مجتمع محترم يحترم الانسانية وتحترم فيه حقوق الانسان والطفولة.

ان مؤسسات البلد اليوم رغم التحول الديمقراطي في البلد لكنها لازالت في الغالب تعمل بالانظمة القديمة اي انظمة التسلط وعدم الشفافية فمن يحمي المواطن من يحمي الموظف وحقوقه ؟  ان هذه الحقوق اصبحت غير واضحة ولايمكن ان يحصل عليها الانسان بسهولة لان الضبابية اصبحت تكتنف جوانب هذا الامر واصبحت هناك مساحات كبيرة من العتمة والتضليل على كل القرارات والقوانين والتي تفسر لصالح المسؤول او لصالح الجهة السياسة المتنفذة التي تسيطر على هذه المؤسسة او تلك ويبقى الانسان او المواطن بلا غطاء يحميه ولايعرف الى اين يلجاء.

ان الانسان العراقي اليوم بحاجة الى مؤسسات لتحميه وتساعده لينال حقوقه المشروعة وليس الانسان بحاجة الى جهات سياسية تستغله بمزايدات مستمرة لحماية بعض حقوقه وسلب المتبقي منها.

ان الموظف والمواطن اليوم بحاجة الى مؤسسات منظمة تعمل على حماية حقوقه ،بحاجة الى مؤسسات منتخبة كاتحادات وروابط ونقابات تدافع عن حقوقه بشكل قانوني. 

ان الموظف الذي يعاني من ضيم ما او يعاني من مشكلة ما او تم التجاوز على حقوقه من قبل المسؤول يجب ان تكون هناك جهة قوية تحميه وتحفظ حقوقه ويجب ان لاتكون هذه الجهة سياسية وانما جهة منتخبة كاتحاد او ممثلية او نقابة تعمل بشكل قانوني على حماية حقوق الموظف.

كما يجب انتخاب مجالس محلية تعمل بامانة لحماية المواطن من جور مؤسسات القطاع الخاص والعام. ان هذه المؤسسات هي التي يجب ان تمثل الراي العام وليس الجهات الحزبية المتنفذة بقوة السلطة او السلاح والتي تفرض نفسها كامر واقع وتزايد وتساوم على حقوق المواطنين لتنال ما تريد وتغرق من ينتسب اليها او يطلب منها المساعدة بالفساد ، ان من يتعاون مع هكذا مؤسسات سيقدم الثمن عاجلا او اجلا.

قلنا كلمات وبقيت كلمات ونتمنى ان نستحثكم للادلاء بارائكم لتدخل حلبة الحوار لتتشابك فيها الرؤى لتنسج خيمة قرار الصلاح من اجل غدا افضل.