بلدي متى أراكَ شامخًا؟  

 

 

                                                                           

                                                                                                       سهى بطرس هرمز

       المشهد ما زال مُستمر، الممثلين أنفسهم لكنهم يتبادلون الأدوار بينهم بين الحين والآخر، يعطون للمشهد أثارة أكثر ومتعة أكبر لأنفسهم هم فقط، غير مُبالين بالحاضرين وبمشاعرهم ونهب فرحتهم واضطرابهم وحرمانهم وهم يعيشون المشهد، غير مُبالين أن كان تصفيقهم في نهاية العرض سينقلب إلى نواح وبكاء وصرخات بريئة تصل إلى السماء.

بالتأكيد نحن نتكلم على الأحداث المُستجدة والمشهد الدامي الذي يتكرر على أرض الوطن بين الحين والآخر وفي مناطق مختلفة وبدون أدنى اهتمام أو مسؤولية أو اتخاذ أي إجراءات قانونية جادة، أو حتى ولو خطوة ايجابية بسيطة تؤكد اهتمامهم بالإنسان والإنسانية وبحقوقها، لأنهم ببساطة تعودوا على هذا المشهد وأصبحت لغتهم الدارجة التي يستخدمونها عند النقاشات الجادة والمصيرية التي تتصاعد وتيرتها وتتشابك خيطوها كلما جدّ جديدٌ أو لمحو أنفسهم يتقدمون خطوة نحو الأمام.

فنحن في خضم مُختلف الأحداث الجارية والمُستجدة على الدوام، نقف حائرين، مذهلين، نكون أمام إشكالية بالغة التعقيد، نفقد أمامها القدرة على تقديم تقديرات شاملة وحاسمة لأسبابها ونتائجها أو أية حلول يمكن أن تؤدي بنتيجة ايجابية مُستقبلية. الشعب في بلده يعاني من مُمارسات دموية شاذة ومُستمرة! فما يكون منهم في كل حدث دموي يحصل في ذلك اليوم، سوى أن يسموه باسمه (الخميس الدامي أو الثلاثاء الدامي) مع بعض الإشعارات والاستنكارات، مُتناسين أن بلدهم بأكمله دامي، ينزف، حتى تربته تحولت إلى لون أحمر من كثرة الدماء التي أراقتْ فيهِ! الشعب لا يريد كلام يقال في وقته ومع الأيام يتبخر ويتناسّى ومعهُ يتناسّى دمّ الأبرياء، بلْ يريد فعل وموقف حازم، لقد صدئت آذان شعبنا برمتهِ من الشعارات والوعود المُتكررة والخيالية مع إيقاف التنفيذ.  

أخوتي وأبناء بلدي بمُجملهم يتحملون المزاج الدموي، ما ذنبهم! يقتلون ويذبحون ويجرحون ويهجرون، أنهم يدفعون ضريبة بقائهم في بلدهم، ضريبة غالية لا يقوّى على دفعها ألا من كان مُجبرًا وبدون أرادتهِ، ولا حول لهُ ولا قوة.  نعم.... أنهم يفكرون ويرفضون الواقع والحقيقة المُرّة، يرفضون الآتي والخافي من الألم والموت المجهول، يرفضون أن يتركوا الحياة مُجبرين، يرفضون أن يتركوا أبنائهم يتامى، يرفضون أن يتركوا أحبتهم مُشتتين، يرفضون أن يتركوا مصير أخوتهم للمجهول، يرفضون أن يتركوا بيوتهم وأرضهم للغرباء. ولكن هم أيضًا بالمُقابل لا يعرفون ما يفعلون وكيف السبيل إلى الخلاص والأمان؟ لا يعرفون كيف ومتى وأين يخطون خطوتهم للخلاص؟ فكلما تقدموا خطوة انجرفتْ أقدامهم في بحر الدماء وغرقوا فيها! لأنهم ببساطة غير مُوحدين وكلمتهم مُتفرقة ومُنقسمة على ذاتها.  

بلادي ... بلادي، تربتي وأنفاسي، كيف أواسيك؟ ماذا أقول لك؟ وبأي اسم أناديك؟ وبأي عين أبصركِ؟! أحزن كثيرا عليك وعلى حالك، أحزن على أبنائك الذين يسقطون بالآلاف، وأحزن على الذين يتركونك مُجبرين ويهجرونك إلى أرض أخرى غريبة، أراك يومًا بعد يوم ذابلة يا بلادي، فارغة، ومُشتتة، لا تعرفين ما تفعلين بمنْ يدنسون كرامتك أمام جيرانك وأما ضمير وحقوق الإنسانية.

فالجميع يتطلع بعين واحدة إلى موقفًا سريعًا، حاسمًا وجادًا، ولكن ذلك الموقف المجهول الجدي والرجولي ما زال في سُباتًا دائميًا، نائمًا، ساكنًا، بلا حراك! ما زال فاقدًا كلمتهِ، خطوتهِ، وحدتهِ، تكاتفهِ مع نفسهِ ومع أخوانه! فهل يا ترى سيبقى في سُباته على الدوام، ليس هنالك من يوقظه ويصرخ في وجهه، ويأخذ بيده لينشد ويحقق السلام والعدالة والأمان، لتربتهِ وجذوره ولأبنائهِ، أم نبقى إلى أن نجد وطننا في يوم من الأيام وقد فرغ من أبنائهِ، وأصبحت أرضهِ قاحلة بلا حياة، بلا كرامة، بلا إنسانية.   

وطني

وطني... شبيك... شجاك...  وين فرحتك بالعيد

شبيك يا وطني... بعدك تبجي...  ما كفاك كل ها السنين

صدرك ضايك يا وطن...  بيه ألم وصرخات هواية وعالية من ولدك المذبوح

ما تعرف منو الجاني؟ وحتى إذا عرفت...  شتسوي يا وطن وحداني

الكل عافوك... والفرقة بيك... وكل من سيفى بيده ويريد يقسمك يا وطن

وطني... العالم كلهم مشغولين بالسنة الجديدة ويعيدون، وأنت مشغول يا وطني بنصب الجوادر

ألمن نروح يا وطن... ألمنْ نروح