تجمع تنظيمات شعبنا : أوقفوا المطالبة بمحافظة في سهل نينوى

 

 

 

                                                                             

                                                                                 ميخائيل بنيامين

       لمن يتساءل إن كنت أو قد انضممت الآن إلى جيش المعارضين لهذا المطلب ؟ لا ، بالتأكيد لست ولن أكون من بين المعارضين لاستحداث محافظة تشمل خارطتها مناطق من سهل نينوى وتضم أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري إلى جانب بقية المكونات المتعايشة معا في ذات المنطقة، وطالما لست بصدد الحديث عن أسباب وأهمية هذا المطلب، فأكتفي بالقول بأنها : بالحد الأدنى ستمكن شعبنا مع غيره من المكونات وخصوصا (الأقلوية) من أن يمارس حقوقه والتعبير عن عناصر خصوصيته وهويته على بقعة أرض تساهم في الحفاظ على هذه المقومات وتنميتها وتطويرها، إلى جانب كل الفوائد الإدارية والاقتصادية الأخرى للمحافظة الجديدة ولمحافظة نينوى وللعراق.

أما لماذا أطالب "تجمع تنظيمات شعبنا السياسية" وحتى مختلف الفعاليات بالتوقف عن المطالبة بهذا الهدف؟

 فأقر بكونها محاولة لجلب الانتباه والتأكيد على مسألة أرى بأنها اليوم ذات أهمية قصوى وإذا ما استمرينا في إغفالها وعدم التحرك السريع لإيجاد آليات فعالة لمعالجتها، فان هذا الهدف وغيره لن يكون ذات جدوى.

ما هي هذه القضية المهمة؟

هو الواقع الذي أتجرأ بتسميته بـ "المأساوي" الذي يعيشه شعبنا في مختلف مناطق عيشه في الوطن. نعم، صحيح لست آتي بجديد في هذا الموضوع !!

 لكنني لا أتكلم عن صعوبة إيقاف الاستهداف السياسي والأمني والمخططات الإقليمية والدولية لإفراغ الوطن من مسيحييه أو أقلياته و و و و و .... الخ.

أنا أتحدث عن لقمة العيش الأساسية ورزق العيش بكرامة لشعب أصلي يعيش في وطنه الأم ، وجد هنا قبل أن يتواجد الجميع وأعطى بأكثر مما أعطى الآخرين، أتحدث عن ندرة الخدمات الأساسية والحيوية في أغلب القرى والقصبات التي يسكنها، وعن ندرة التوظيف وندرة فرص العمل، وشحة المشاريع الاستثمارية التي تخدم تطور وتنمية هذه المناطق وتوفر فرص العمل وسبل العيش والديمومة والاستمرار في هذه المناطق، أتحدث عن ندرة الشعور كونهم مساهمين ومشاركين في رسم السياسة وصنع القرار بالأقل في قضايا تخص شؤونهم الخاصة.

ليس ممكنا أن تكون عنكاوا كأحد مراكز تواجد شعبنا وربما أيضا مركز محافظة دهوك (لنسبة معينة فقط ممن هم من سكنة المحافظة القدماء أو ممن تواجدوا فيها حتى قبل 1991) مثالا لمناطق قد نجد فيها واقعا اقتصاديا مختلفا لما يخص أوضاع شعبنا.

أما في بغداد والبصرة والموصل وكركوك، حيث عوامل الكفاءة والعطاء التي ميزت أبناء شعبنا وجعلتهم يمتلكون مصالح اقتصادية كبيرة وواقع جيد لما مضى من الزمن، هي اليوم متروكة ومهملة وتعاني بسبب الأوضاع الأمنية المتردية وكونهم أكثر المتضررين من نتائج التغيير بعد 2003. 

بينما قوموا بمسح لواقع شعبنا في مختلف مناطق سهل نينوى بجزأيه (الشمالي والجنوبي) وفي مختلف القرى والبلدات التابعة لمحافظة دهوك وخصوصا القرى التي تم إعادة أعمارها في الفترات المتأخرة، واكتشفوا المعاناة من قلة الخدمات وفرص التوظيف والعمل ومشاكل المهجرين المتفاقمة ومشاكل التعليم والتدريس والتهميش.

أطلعوا كيف تكون مسألة استحداث مديرية للكهرباء في مركز قضاء الحمدانية قضية كبيرة، وهل سمعتم إن مناقشة لتخصيص منطقة كسوق للطماطم هي مسألة تلقى كل المعارضة من مجلس المحافظة، لأن أهدافها غامضة، اعرفوا إن مجلس ناحية برطلة لم يوافق يوما على تخصيص قطعة أرض لبناء كنيسة في مركز مدينة مسيحية عريقة، يقال إن كنيسة جديدة لم تبنى فيها منذ ما يقارب 1400 سنة، لماذا ؟ لأن المجلس غير المتوازن رفض ذلك، ولا يتم الموافقة على بناء دار للراهبات في مركز بغديدا (قرة قوش) ذات النسبة المسيحية لأكثر من 97%، لماذا ؟ لأن مجلس القضاء غير الممثل حقيقة لتركيبة السكان في مركز المدينة يشترط الموافقة أيضا على بناء جامع أو حسينية في ذات المنطقة.

أعدوا إحصائيات في كل هذه المناطق لتكتشفوا  نسب العاطلين عن العمل، وقوموا بزيارات ميدانية إلى القرى سواء التابعة إلى قضاء زاخو أو العمادية أو في نهلة أو سهل نينوى وغيرها وتبينوا المشاكل الكثيرة التي يعاني منها المهجرين وغير المهجرين، لتقرروا أي الأولويات يجب أن نعمل عليها اليوم وليس غدا، وقبل أن نركز الاهتمام فقط بمحافظة وهو بلا شك هدف كبير ومهم بينما المؤسف على الأرض أن نظل نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، (نعم هذه مسألة تحتاج وقفة خاصة لمناقشة الأسباب ووضع آليات التحرك الممكنة).

إن من يحصر معاناة شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في الأوضاع الأمنية، وان تلك هي الأسباب الرئيسية التي تدعوه لهجرة وطنه، فانه يجافي الحقيقة تماما، لأن من بين الآلاف الذين ما زالوا صامدين في أماكنهم يتحدون هذه الظروف، لكن من يدري كم عليهم أن يصمدوا إذا ما استمروا يجردون من كل مقومات العيش الكريم، لا سيما تلك التي ليس للأمن أو للمخططات الإقليمية ولا للإرهاب دخل فيها.

أن نقول أن المخططات الكبيرة التي تستهدف شعبنا والوضع الأمني العام والتهميش السياسي من الكتل الكبيرة المتنفذة تتجاوز قدرتنا، مسألة قابلة للنقاش، أما أن لا نحدد ونقر بأن هذه مشاكل أساسية أخرى ومهمة تمس الواقع المعيشي اليومي وتضيف إلى كل عوامل المعاناة أسبابا لخيار هجرة الوطن، أو أن لا نضع آليات واضحة لمعالجة هذه القضايا والمطالبة بتنفيذها بالسرعة الممكنة بل ونستمر بقبول عدم التفاف واستجابة السلطات الحكومية والإدارية والحزبية لها في مختلف هذه المناطق، وأن لا تتخذ أحزابنا منها مواقف صريحة، هي مسألة تحتاج لأكثر من نقاش !!

للمحافظة على ما تبقى من أبناء هذا الشعب على أراضيه، نحتاج في موازاة مطالبتنا بالمعالجات السياسية والقانونية والقضائية الكبيرة، لمعالجات من واقع الحياة اليومية تتصل بأبسط مقومات العيش، لا سيما كونها ليست إلا معالجات وآليات تتصل بقضايا وقرارات إدارية ومالية قد تستوجب عدة مليارات من الدنانير لا يفترض أن تستكثر على شعب أصيل أعطى الكثير لهذا الوطن بينما هو اليوم مهدد في وجوده، وقد تتمثل في إجراءات وتدابير قد تحتاج في بعض المناطق لتكون ذات تمييز ايجابي، سواء كانت إقامة مشاريع أو توفير فرص عمل أو ....الخ.

بغير ذلك فان المطالبة بمحافظة أو التمثيل في البرلمان أو الحكومة المركزية والمحلية ليس بخمسة مقاعد بل وما يزيد عن عشرة وعشرين وأكثر لن يكون ذات معنى، وليس من حق أي حزب سياسي أو أية فعالية قومية أن تطالب المواطن بالصمود في الوطن لأنه أرض الآباء والأجداد فمن الصعب أن تقاوم المبادئ والقيم عوامل الاضطهاد والمهانة والمحاربة في لقمة العيش والكرامة الإنسانية.

وبغير هذه المعالجات أيضا فإننا قد نحكم على إفراغ الوطن من أبناءه الأصلاء بأكثر مما نتوقعه أو يتوقعه حتى الأعداء. وبالتأكيد فلن نقبل اليوم أن ندخل في جدلية (البيضة أولا أو الدجاجة) أي المحافظة أولا أو هذه المقومات ؟ وطالما لا تعارض بالأساس بين هذا الهدف الاستراتيجي وتلك القضايا الراهنة والملحة، وطالما لا يتوفر في الأفق علاجا سريعا للهدف الكبير، كما وانه بالأساس لن يعالج إلا جزءا من معاناتنا، والأهم فان محافظة  لا بل إن دولة بالكامل وحكومات وأحزاب لا تبدأ بهذه الحقوق الأساسية والبسيطة ليست جديرة بالوجود ولا بالقبول والاحترام.