عيدواتا

 

 

                                                                           

                                                                                                       بدران امرايا

 عيدواتا كلمة سريانية لجمع مفردة عيدا أي العيد من الإعادة والتكرار، وهي طقوس احتفالية سنوية مختلفة منها  وطنية وقومية و دينية أو مناسبات اجتماعية تنعاد خلال مدار السنة ويحتفل بها  بطرق عديدة تختلف باختلاف تقاليد المجتمعات منذ القديم ولد الآن .  ولأيام العيد قديما نكهة خاصة لا يمكن نسيان لذتها أو محوها بسهولة من تلا فيف الذاكرة وخاصة عند أبناء شعبنا الكلدو آشوري السرياني ، وان حلاوتها  كانت متأتية من عدة أسباب وفي مقدمتها بساطة الحياة الاجتماعية ومتطلبات المعيشة المحدودة والطيبة اللا متناهية  والشفافية لدى الناس وشدة ارتباطهم بالبعض وتشابكهم ومشاركتهم في السراء والضراء على حد سواء ،ووجودهم في محيط  جغرافي محدد أدى إلى معرفتهم بالبعض وتشابكهم بالعلاقات الاجتماعية بواسطة رابطة الزواج المقدسة

       كل هذه الأمور وغيرها كانت عوامل تجعل برامج الحياة اليومية شيق و سلس ومليء بالأفراح والحيوية المتواصلة ، ففي أيام العيد وغيرها من المناسبات القومية والدينية وبالأحرى  عيدي الميلاد والقيامة المباركان  وبعد انتهاء قداس الكنيسة الخاص بالعيد وكان على الأغلب ينتهي في الساعات الأولى للصباح بعد تناول القربان المقدس بعد طول (الشهرتا ) السهرة الكنسية الليلية طقس المناسبة ، كان الناس يباركون بعضهم بالعيد  في باحة الكنيسة وبمشاعر جياشة حارة ، ويكسرون صومهم بتناول شيء بسيط  حمل في الجيوب مثل الحلوة أو البيض المسلوق الكليجة وغيرها وهذا بعد فترة طويلة من الصوم لخمسين يوما التي تسبق عيد الفصح القيامة المباركة أو خمسة وعشرين يوما لعيد الميلاد المجيد ، ويدعون بعضهم إلى مائدة الفطور، وبعد الفطور كان الرجال و وجهاء القرية يتوجهون إلى دار القس لتهنئته مقدما ، ومن هناك كانوا يخرجون سوية لقصد من هم الأولى وخاصة العوائل المتخاصمة والمتزاعلة والمصالحة فيما بينهم بدون قيد أو شرط ، وكانت تلك العوائل تنصاع وتتصالح على الفور احتراما  نزولا عند رغبة هذا الحضور المميز ( خور دقني وريشاني ) من الشيوخ والوجهاء والقس على رأسهم وترجع روح الأخوة المودة بينهم وتتصافى القلوب (صافية يا لبن ) بعد تناول القربان المقدس ،ومن ثم يشكلون فريقا يقصدون ذوي الموتى وممن لم يمر على موتاهم الذكرى السنوية الأولى  ،وقبل دخول هذا الوفد إلى البيوت كان الناس يحضرون آنية فيها ملح ليصلي الكاهن عليها وهو يحمل صليبه  ومن ثم يرسم علامة الصليب   بإمرار صليبه في الملح وهذا الملح يكون مقدسا  عندئذ ويدخل في تكوين المأكولات العديدة ويقدم للحيوانات  وهي مادة غير قابلة للفساد وغيرها من المعاني الفلسفية الدينية كقول السيد المسيح له المجد ( انتم ملح الأرض ) ، وكان الحضور يقبلون الصليب رجالا ونساءا وأطفالا  وشيوخ والمرضى والعجز، ويجلسون لعدة دقائق في بيوت الموتى ويعزونهم بالكلمات الطيبة المليئة بدفء المشاعر والأحاسيس ويصلون ترحما على الفقيد  ويحثون أهله  على التخلي عن ارتداء الملابس السوداء لان الأسود يتواصل بالأسود ( كوما كي كارش كوما ) أي يتواصل الحزن بموت الأعزاء متلاحقين  ، ومن بعدها ذوي الموتى يشدون الرحال إلى المقبرة حيث يرقد ألأحباء وألا عزاء حاملين البخور ليبخروا القبر بعد تنظيفه وتطهيره بدموع عيونهم الغالية ويشفون غليلهم باستذكاره ويوقدون الشموع عليها ترحما لأرواحهم . و كان الرجال يتجولون سوية على كل البيوت وهم مغبوطين بالمحبة والسرور ولدى دخولهم للبيوت كانوا يقولون عبارة ( هويلي مارن ) أي ولد سيدنا  إذا كان عيد الميلاد  أو( قملي مارن ) أي قام سيدنا  لعيد القيامة وكان الجواب ( شوخا لشمي وبركاتا ليمي ) أي المجد لاسمه والبركات لامه , أو يقولون ( عيدا بريخا وكل شات ببصخوتا ) عيد مبارك وكل سنة بالفرحة والرد كان ( الوخ ولبيتوخ ولكل سورايي مشيخايي ) أي لك ولبيتك ولكل  اسورايي -الآشوريين المسيحيين والجدير ذكره هنا إن مصطلح  اسورايي  هو اسم قومي مشتق من اسوري – اشوري السرياني اسيرين  وهو يسبق المعتقد الديني مشيحايي - مشيخايي الذي يأتي بالاكتساب أو الانتماء- الاعتناق وهو دليل قاطع يفصل بين المصطلحين القومي والديني واللذان يشكلان عائقا في إدراك أو الفصل بينهما عند غالبية أبناء شعبنا الكلدوالاشوري  السرياني . وكان الناس يقدمون عيدانية القس وهو مبلغ بسيط من المال ، وكانت جوقات الأطفال تجوب أجواء القرى بيتا فبيتا قائلين (عيدا بريخا  ) عيد مبارك فيرد بعض من أصحاب البيت من باب المزح والفكاهة ( شلت بابوخ يريخا  ) أي سروال والدك طويل وكانوا أحيانا يذهبون لبيوتهم لإفراغ حملهم الثقيل من بركات العيد ولعدة مرات وخاصة القرى الكبيرة ومن ثم يقصدون القرى المجاورة مشيا على الأقدام وبمجموعات كبيرة لمعايدة الناس هناك . بينما سفرة العيد كانت عامرة بالحلوة بأنواعها من الجوز والتفاح والرمان  والعرموط والزبيب  والحمص المقلي وحب الشمس والقرع والرقي والبطيخ  وأرغفة التين والمشمش المجففين والكادي والكليجة والبيض المسلوق الملون و (البطم ) الحب الخضراء  والتمر واللوز والملفت إن السفرة كانت  محلية أو ذاتية التحضير من الإنتاج المحلي في قرانا  ما عدا التمر والجكليت ، بينما جوقات الأطفال كانت تتزاحم على أبواب البيوت والفرحة تملأ كيانهم بمواد العيد والملابس الجديدة وكان يقال (عيدا ايلي ديالي زوري ) أي العيد هو للأطفال الصغار من شدة فرحتهم به وما يدر عليهم من الامتيازات النفسية من الفرح والغبطة والمشاعر الجديدة بلقاء والأهل والأحبة والأصدقاء خلال تلك الأيام  والمادية من الملابس والحلوة والألعاب ، وحاليا دخلت مظاهر جديدة وعديدة على تلك الطقوس الأصيلة  وأدت إلى تشويهها و تراخي أواصر ووشائج المحبة والألفة  بين قلوب الناس التي كانت سائدة يوم ذاك  ، لأسباب وعوامل عديدة لا يسع المجال لذكرها ، لكن ذكرى تلك الأيام الخوالي ستبقى تنبض بالحياة في ذاكرة من عاشروها وذاقوا طعم حلاوتها ...مع امنياتي بالعيد السعيد والسنة الميلادية المباركة 2012 للكل والسلام .