ابو الصوف يودعنا

 

                                                                                                                

                     

                                                              

                                                                نبراس المعموري 

               

               نسمع يوميا انباء الوفاة والممات وبطرق مختلفة وغالبا ماتكون من فعل سراق الحياة ، لكن عندما ينتشر خبر وفاة بهنام ابو الصوف فهذا شيء مختلف كون الراحل تاريخا وحضارة شهدت شموخ ارض الرافدين بموروثها الكبير فنقب الاثار وبحث باسرار الملوك والمسلات ، جاور القبور بحلتها التاريخية والارثية وهاهو اليوم يلتحف قبرا صغيرا يختلف كثيرا عن تلك القبور التي شهد التاريخ ولادتها من جديد على يد رجلٍ طالما عشق الاثار ونواة الحضارة وعلم الانسان .

 

      يودعنا فارس التنقيب بعد ثمانين عاما من الحياة الحافلة بالمتغيرات ، فكان الختام في عمان حاله حال الاخرين الذين غادرونا بعيدا عن نسمات الديار والاماكن التراثية والحضارية بمسمياتها الاكدية والسومرية والبابلية ، كأن القدر لايرض ان يموت المبدعون على ارضهم ، كتب ودراسات تعمقت في البحث والتحليل لتؤرشف تاريخنا عبر سطور بهنام وبحبر لم يختلف عليه اثنان حبر امتزج برمل الصحراء وفتات الصخور ، لن انس لحظة لقائي به وانا ابنة الثامنة عشر حينها ارتعبت من صوته وهيأته فشموخ سرجون ونبوخذ نصر كان ينطق بدلا عنه لكن سرعان ماذاب خوفي وهو يبتسم ويقول "صغيرة انت لكنني سامنحك حق الانفراد بخبر تنفرد صحيفتك به " تذكرت تلك الدردشة وانا اسمع بخبر وفاته وللاسف تغادرنا الاسماء العملاقة بتاريخها وصنائعها ولانمتلك البديل عنهم ، يرحل الاطباء والفلاسفة والعلماء ونحن في مكاننا نراوح ننتظر قدرة القادر ليجد البديل .

 

       تبقى الرموز الى لحظة وفاتهم يبحثون و ابن الموصل يغادر وهو قبل ايام يبحث وينقب في تاريخ الحياة شمالا وجنوبا كانه يعلم ان البديل صعب فعليه ان يستثمر كل لحظة من حياته ليكتشف تاريخ العراق الذي لازال مليئا بالاسرار ، فالصدفة كانت فرصة ذهبية للراحل لان يكون ابن بلد زاخر بالحضارات والتاريخ فمنحته نصف قرن من العمل الدؤوب .

       نودع هرما ونحن في احلك الظروف ننتظر منقبا اخر يبحث ليجد لنا نبتة الحياة من جديد ، نتوغل في البحث لكن دون جدوى فمن كان يرسم خارطة البحث التحف القبور وغادر بعيدا حيث العالم الاخر الذي قد يشهد بهناما اخرا شغلتنا السياسة وذبنا في الهموم وتناسينا ان لدينا اعلاما علينا الاستعانة بهم فالوقت قصير ومغادرتهم ورقة خريفية اخرى تسقط تعلن الرحيل ، الى رحمة الله شيخ المنقبين الى رحمة الله وانت ترافق الاسماء كلها بتاريخها وعظمتها وارثها فكنت منهم رغم كل شيء دونت لهم اعمالهم وإرثهم فمن سيدون أعمالك ؟