السعادة عبر التاريخ بين الحقيقة والوهم

 

                                                                                                                

                     

               

                                                             

                                         

                                           شمعون شليمون

 

              بيدو أن بنو البشر بدأوا يدركون اليوم أن كائنات أخرى من الثديات وغيرها، لها مشاعر تشاركهم بها من الخوف والغضب والسعادة والألم،-- بنفس الدرجة التي يشعر بها بنو البشر.

  ولطالما البشر تفوقوا على الكثير من الكائنات في تطوير حياتهم، وأساليب مواجهتهم لقوى الطبيعة. فإلى جانب تطوير الآلة كآدات للعمل، تطور الجانب الفكري وقوة الخيال، اللذين اصبحا منذ عشرات القرون ركنين وأساسيين في كيفية صياغة البنية الفكرية والعقائدية للمجتمعات البشرية في الحضارات المختلفة من تاريخ.

   وعلى إمتداد هذا التاريخ الطويل والمتشعب، كان شعور السعادة جوهر النشاط البشري، الى جانب موضوع البقاء الذي ثمن بمقدار السعادة التي يتمتع بها الفرد والجماعة في مجتمع أو حضارة ما.

   وشعور بالسعادة أختلف معناه عبر الأزمنة وبحسب التطور الذي يمر به الفرد أو المجتمع. فعند المجاميع البشرية الأولى، كانت السعادة تتلخص في تناول الطعام والشعور بأمن والأمان بعد أن كانت الطبيعة وقساوتها والحيوانات الضارية العدو الأول للجنس البشري في صراعه للبقاء.

   بعد أن أنتقل بنو البشر الى طور آخر من الحياة الإجتماعية وأصبح بإمكان للفرد أن يعيش بمعزل عن الجماعته دون أن يتعرض لخطر الهلاك. تحول شعور السعادة الى مدى إمكانية التمتع بالملكية الفردية وحرية التصرف بها. بعد إشباع غرائزه ورغباته. وتطور الشعور بالسعادة الى بعد آخر حيث تحول الى مقدار تمتع الفرد بالسلطة على من هم من حوله. وهذا النوع من الشعور بالسعادة، ما زال هو الذي يسيطر على معظم الناس الى يومنا هذا. ولكن في هذه المرحلة من تطور في الشعور بالسعادة، برز تحول كبير في الفكر البشري بعد أن تمكن من إشباع كل رغباته الحسية، وحب التملك والسلطة، إذ شعرت بعض الشخصيات البارزة التي أشبعت كل غرائزها ورغباتها إنها أمام قوة عظيمة إسمها الزمن. فمهما طال العمر بالشخص فهو سائر في النهاية الى مصيره المحتوم وهو الموت. في البداية أجتهدوا لإيقاف الزمن والحفاظ على الشباب. بعد أن فشل في هذا المسعى حاول الوصول الى سر الخلود وتجاوز الحقيقة الؤلمة وهي حتمية الموت. اصبح هذا الكابوس الأسود زلزال يهدد كل ما يبنيه بنو البشر من أبراج السعادة في هذا العالم.

   واروع ما أنتجه الفكر البشري في محاولة الفرد للحصول على الخلود هو أسطورة كلكامش. وروعتها تتجلى في الحقيقة العارية التي يجب أن يتقبلها البشر وهي أن الموت آمر حتمي ونهاية مفزعة للبشر، ولا يمكن التغلب عليه إلا بإنجاز اعمال تبقى خالدة للعصور القادمة تخلد أسم صانعها. وهذه النتيجة الفلسفية هي التي قادت أبناء الرافدين الى إنجاز اعظم الحضارات، لتبقى أعمالهم خالدة عبر آلاف السنين من الزمن. ويمكن اعتبار هذه المرحلة الأشد والأقسى وجدانيا وفكريا في مواجهة النهاية الحتمية لمصير البشر. فواجه الإنسان هذه الحقيقة بالحصول على مجد شخصي فأنشأ المعابد، وأسس الدويلات، وشرع النواميس، وسن القوانين. فكانت بداية جديدة لتاريخ حضاري جديد أمتدد آلاف السنين.

   إلى جانب هذه الفلسة وبعدها تحديدا بأكثر من 2000 عام تمكنت بعض الشعوب البدوية التي لم يكن بإمكانها بناء معالم عمرانية تبقى خالدة لآلاف السنين، وبسبب طموح كل الناس حتى البسطاء والفقراء والمعدومين بحياة تجنبهم ذلك الكابوس الذي يزلزل مضاجع البشر. برزت من بين عامة الشعب شخصيات فلسفية وعدت الناس بحياة ما بعد الموت شريطة أن يتبعوا شريعتهم التي سنوها وجعلوا من أنفسهم وكلاء عن سيد السماوات والأرض. فبهذه الطريقة. حققوا مجدا شخصي، واراحوا الناس من الرعب الذي يلاحقهم كل يوم بعد أن تم إقناعهم بحياة أجمل واحلى وتمتد الى مالانهاية. كما أنهم تمكنوا من نشر فلسفتهم بين عامة الناس وأصبحوا اتباعهم بالكثرة التي أخافت بل وأسقطت كبرى إمبراطوريات التاريخ. ومازال الناس سعداء أقصى سعادة بهذه الحياة الوهمية. ولم تتحقق للبشر سعادة بقدر ما تحققت لهم بالأوهام. لأن البشر اصبح له بعد فكري وخيالي وفي بعده الخيالي يحقق ما لا يمكن تحقيقه في عالمه المادي.

    عبر آلاف السنين تطورت الآلة، والعلوم والتكنلوجيا، كما تطورت أساليب الحياة ولكن الفكر البشري لم يتطور كثيرا في بعده الفلسفي والخيالي عند معظم البشر. حيث ما زال جامدا منذ آلاف السنين عندة نقطة واحدة وهي الهروب من حقيقة الموت عبر العيش في الأوهام. اليوم يعيش الفرد منا أغلب أوقاته في الوهم لطالما يحقق الوهم له كل ما يتمناه عبر الأحلام، والإيمان، وعالم الألكترون الا نهائي. حيث نجد الملايين من بني البشر يعيشون مع الوهم في معتقداتهم وطقوسهم، الى جانب ما انتجته التكنلوجيا من شبكات الأنترنيت، والعاب الكومبيوتر، أكثر مما يعيشون في العالم الواقعي. فمرة اخرى يجد بنو البشر ما يلهيهم عن مشاكلهم اليومية وأزماتهم الإقتصادية وإخفاقاتهم الشخصية، ومخاوفهم الحياتية. فيتقمصون شخصيات ويعيشون حياة أخرى من السعادة الوهمية في عالم من الخيال، أو فضاء الإلكترون الا نهائي.