دور الصلاة في حياتنا

 

 

 

                                                                             

                                                                                    سهى بطرس هرمز

     الصلاة هي الصّلة بين الله وذاتنا، وبها نشعر بوجود الله قربنا عند حاجتنا إليه. وبها نتجه إلى الله الحي في السماء بانتباه وخشوع، وبها نقرُّ أمامهُ عن همومنا ومتاعبنا وبضعفنا، وبها كذلك نسألهُ الغفران والرضا والتوبة وما نريدُ فيُعطينا " اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا،أقرعوا الباب يُفتح لكم"(متى 7: 7). هذه الصلاة نرفعها بثقة وإيمان وخضوع نحو الله، الآب الذي يعرف مُسبقاً بحاجات أبناءه قبل أن يطلبونها منهُ، لأن الله آبانا " يعرف ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوهُ " (متى 6: 8).  وكل صلاة هي فعل تمجيد وتقديس لأسم الله. لأن الصلاة المتواضعة، الخاشعة، والمخلصة تعبر عن حبنْا وإكرامنْا لله، هكذا تكون صلاتنْا، صّلة الروح مع الله." أنظروا كم أحبنا الآبُ حتى نُدعى أبناء اللهِ"(1 يوحنا 3: 1).  

معنى الصلاة:

قال يسوع المسيح إذا صليتم فلا تكونوا مثل الذين يحبون الصلاة قائمين في مفارق الطرق ليشاهدهم الناس، ويرددون الكلام ترديداً مثل الوثنيين، يظنون إن الله يستجيب لهم لكثرة كلامهم. لا تكونوا مثلهم، فمتى صليتْ أدخل غرفتك وأغلق بابها، وصل لأبيك الذي لا تراهُ عين، وأبوك الذي يرى في الخفية هو يُكافئك (متى 6: 5- 8).

يريدنا يسوع عند الصلاة، أن نصلي لآبينا السماوي في الخفية وليس أمام الآخرين، مُستعرضين أنفسنا ومُظهرين بأننا نحن نُصلي ومعتقدين بأنهُ هكذا آبانا سيكافئنا أكثر. مُرددين الصلاة في أفواهنا ترديدًا، بينما قلبنا وفكرنْا بعيد ويُفكر في مدى تقييم صلاتي من قبل الناس "هذا الشعب يُكرمُني بشفتيهِ، وأما قلبهُ فبعيدٌ عني" (مرقس 7: 6). فالآب ماذا يريد منْا؟ يريدنا أن نُصلي إليهِ بكل فكرنا وقلبنا وعدم التفكير بأمور الدنيا ومتصلين به بروحنا، مثلما كان يفعل يسوع " وأبتعد عنهم قليلا وارتمى على وجههِ وصلى" (متى 26: 39). ونحن هنا لا نقصد أن الصلاة المتخفية هي الأفضل وأكثر قبولاً، فالقداس الجماعي والاحتفالات الدينية هذه جميعها تكون فيها الصلاة جماعية وفيها نسعّى بالصلاة مع المسيح والمشاركة في مائدة الربّ بتناولنا خبز الحياة الأبدية، من خلال جسد المسيح الذي يوحدنا بالله. نعم، لتكن صلاتنا جماعية ولكن شخصية بيننا وبين الله. أي نتوجه إلى الله بقلب صافي ونية صدوقة ومُخلصة للرب.  

والصلاة الربية هي من أجمل الصلوات التي نتلوها، فنقدس بتلاوتها اسم ومجّد الله. والتي نبدأها بعلامة الصليب التي فيها إجلال لأسم الله ( باسم الأب والابن والروح القدس، الإله الواحد ... آمين).

يُخبرنا أنجيل لوقا إن أحد التلاميذ طلب من يسوع قائلا لهُ:" يا ربّ، علمنا أن نُصلي، كما علمَ يوحنا تلاميذهُ" (لوقا 11: 1). للدلالة على نية التلاميذ أن تكون لهم صلاة خاصة مثل صلاة تلاميذ يوحنا المعمدان. فقال لهم يسوع صلوا أنتم هذه الصلاة: " أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك في الأرض كما في السماء. أعطنا خبزنا اليومي، وأغفر لنا ذنوبنا كما غفرنا نحنُ للمُذنبين إلينا، ولا تدخلنا في التجربة، لكن نجنا من الشرير". (متى 6: 9-14). وقد وردتْ الصلاة الربية بصيغتين في الكتاب المقدس في أنجيل متى هذه التي ذكرناها، وأنجيل (لوقا 11: 2- 5)

ربنا قدوس، وأسمُهُ قُدوسٌ، وأعماله مقدسة، وصلاتنا هي تقديس لهُ، ويجب دائماً إن نُصلي ونذكر الله في حياتنا وأعمالنا ليكون حضورهُ فينا وفي داخلنا، وبها نستمد قوتنا منهُ. وعند اتصالنا به يجب أن ننسى ذاتنا ونكون كاملين في سبيل تقديس أسمهُ " كونوا مقدسين، فأني قدوس" (لاوي 19: 2). و" كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل" (متى 5: 48). فعندما نتلو الصلاة أمام الله بقلب ونية صافية، نقول: " آبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك" يجب أن نكون مُستعدين وانقياء القلوب لعيش وتقديس مجّد وكلمة الله. وإعداد أنفسنا بكل المشاعر الروحية السامية التي نُرددها في داخلنا ليولد شعور حقاً بأننا أبناء الله وكلنا ثقة في إيداع روحنا وحياتنا في يدي الرب " امتلئوا بالروح، وتحدثوا بكلام المزامير والتسابيح والأناشيد الروحية، رتلوا وسبحوا للرب من أعماق قلوبكم" (أفسس 5: 18- 20).  

كما فعل المسيح وقدس اسم الآب حتى الموت على الصليب. ظاهرين لهُ حُبنا وإيماننا باسمهِ القدوس من صميّم قلبنا ومن خلال أفعالنا وأعمالنا، التي تعكس ما في داخلنا. قال المسيح " لأن من الداخل، من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: الفسقُ والسرقةُ والقتلُ والزنى، والطمعُ والخبثُ والغشُ والفجورُ والحسدُ والنميمةُ والكبرياءُ والجهلُ" (مرقس 7: 21- 23).

انظروا إلى كمّ الخطايا التي ذكرها المسيح والتي تكمنْ في داخل كل واحد منا، ولكن نحن لا نقول بأننا نقترفها جميعها ولكنها موجودة في داخلنا ونحن بشر ولسنْا معصُومين من الغلط، ولكن بإرادة كل واحد قد يطلقها في أية لحظة. وهي جميعها نقاط الضعف فينا، ولا يجب إن نستسلم لها ونفقد ثقة الله فينا، بل مُحاربتها والوقوف ضدها من خلال إيماننا وصلاتنا اليومية واتصالنا مع الله، الذي يساعدنا في النجاة منها وحفظنا. لذلك قال المسيح:" صَلوا لئلا تقَعوا في التجربةِ" (لوقا 22: 46). " واحملوا الإيمان ترساً في كل وقتٍ، لأن به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير المشتعلة، والبسوا خوذة الخلاص وتقلدوا سيف الروح الذي هو كلام الله. وصَلوا في كُل وقتٍ في الروح مُبتهلينَ" ( أفسس 6: 16- 19).

فالصلاة عندما نصليها هي حضور الروح القدس في داخلنا، والروح يفهمُ حياتنا وما تريدهُ. يُريد لنا السعادة والسلام الداخلي التي لا يمنحُها سوى الله بالإيمان به. صلاتنا تفتح نفسنا إلى حقيقة  الآب والى عظمة عطيتهِ لنا. وهي تحفظ أجسادنا من الفساد وتُبقي حياتنا في الطهارة والقداسة " فنحن لا نعرف كيف نُصلي كما يجب، ولكن الروح يُشفع لنا عند الله بأناتٍ لا توصف. والله الذي يرى ما في القلوب يعرفُ ما يريدهُ الروح، وكيف أنهُ يُشفع للقديسين بما يُوافق مشيئتهِ" (روما 8: 26- 28).  

فمتى تكون صلاتنا بالروح؟

حينما نُصلي ونشعرُ أن بيننْا وبين الله صلّة، ومتى ما سلكنا حياة الروح وحياة القداسة والإيمان والتقوّى والأعمال الصالحة والمحبة للغير والفرح والتسامح والأخوة ومساعدة الغير والصبر والسلام والأمانة والوداعة والعفاف. حينها نكون كاملين في محبة الله ونكون قد حفظنْا الإنسان الذي في داخلنْا، وعندها نستحق أن نُدعى أبناء الله، فلا نتكبر ولا نتحدى ولا يحسُدُ بعضُنا بعضًا. "لأن الروح الذي نلتموهُ لا يستعبدكم ويردكُم إلى الخوف. بل يجعلكم أبناءَ الله وبه نصرخُ إلى الله:" أيها الآبُ آبانا". (روما 8: 15).