حول علمانية الحركة الديمقراطية الأشورية وأسسها الفلسفية

 

 

              

 هرمز طيرو                      

          

             سنحاول في هذا الجزء من المقال ، في تناول السمات الجوهرية للنظام اللاعلماني ، وسوف نبين لماذا تتعارض هذه السمات مع المبادىء الأربعة ( 1 )  التي وجدنا أنه لا ضمان للحفاظ على استقلالية الإنسان بدون التقيد بها ، فما هي هذه السمات :

السمة الأولى : وهي أن النظام اللاعلماني يقوم على مبدأ أن " الحاكمية للكتاب الديني " وهي حاكمية مطلقة ، أن هذا المبدأ هو ما قامت عليه الأنظمة اللاعلمانية في القرون الوسطى في اوربا وفي الشرق الأوسط ( الدولة الأموية – العباسية – العثمانية ) وحالياً مثل النظام الايراني والنظام السوداني .

السمة الثانية : وهي السمة التي تتعلق بطبيعة الإيديولوجية والتي يفترض أن تشكل ركيزة هذا النظام ، هذا النظام الذي يتميز بكونه يستمد شرعيته من إيديولوجية كليانية ( توتاليتاريا ) Totalitarian وهي إيديولوجية دينية ، لكن ما المقصود هنا بالإيديولوجية الكليانية ؟ .

إن الصفة الأولى المميزة للإيديولوجية الكليانية هي أنها تدعي لنفسها صفة المطلقية ، أما الصفة الثانية لها فهي كونها تطرح نفسها " كنظرة شاملة كاملة بالفعل أو بالقوة " إلى جميع شؤون الإنسان ( المجتمع والدولة والتاريخ والأخلاق والاقتصاد والتربية والعلاقة بالطبيعة وما بعد الطبيعة ) وتدعي لنفسها الحق والقدرة على تشكيل عالم الإنسان وجوداً وسلوكاً ، تشكيلاً كاملاً . وتواصلاً مع هذا فإن السمة الثانية تتضمن بدون شك السمة الأولى ( السمة المطلقية ) أي الإيديولوجية الكليانية ،  بدعائها لنفسها " الحق على تشكيل عالم الإنسان ، وجوداً وسلوكاً ، تشكيلاً كاملاً " إنماالذي يقوم ادعاؤها هذا على ادعاء أخر مؤداه : أن هذه الإيديولوجية مطلقة بالمعنى المزدوج الذي تناولناه ، ولكن السمة الأولى لا تتضمن السمة الثانية بالضرورة ، فإذا أخذنا مذهب المنفعة في الأخلاق مثلاً ، فإنه يقدم نفسه على أنه مطلق بالمعنى المزدوج ، ويدعي أصحابه أنه صالح لكل زمان ومكان ، وأنه يقدم لنا المعيار النهائي في مجال الأخلاق .

 ما هو واضح إذن ، هو أن السمتين الجوهريتين للنظام اللاعلماني هما :

اولاً : أنه يقوم على مبدأ الحاكمية المطلقة .

ثانياً : أنه يقوم على إيديولوجية كليانية ( توتاليتاريا ) .

وليس من الصعب الأن أن نوضح في ضوء تناولنا لهاتين السمتين ، لماذا يتعارض النظام اللاعلماني  مع المبادىء الاربعة الضامنة لاستقلالية الإنسان ببعديها الأساسيين واللذين سبق وأن تناولناهما في الجزء السابع من سلسة مقالاتنا هذه .  لنأخذ في البداية السمة الأولى ، ما الذي يترتب عملياً على إقامة نظامنا السياسي والأجتماعي والثقافي والاقتصادي على مبدأ أن ( الحاكمية للكتاب الديني ) ، ما يترتب عليه هو أن على الإنسان أن يقيم نظامه على أساس الاعتقاد بأن الكتاب الديني من خلال النص يأمر ، وعلى المشرع أن يشرع وعلى المجتمع أن يطبق القوانين التي يعتقد أنها متضمنة في " القانون الإلهي " أو غير مخالفة له على الأقل ، ولكن ما تعتقد جماعة أو طائفة معينة أن الكتاب الديني الذي يأمر به ( على أنه القانون الإلهي ) قد لا تعتقده جماعة أو طائفة أخرى ، على أن هذا ما يأمر به هذا الكتاب الديني أو تلك ، إذن فكيف يمكننا أن نعرف ، ما الذي تأمر به الألهة فعلاً من خلال الكتب الدينية ؟ بالتأكيد فأن جواب اللاعلماني سوف لن يكون كالجواب الذي أعطيناه من خلال الأجزاء السابقة من هذه المقالات ، أي ليس متاحاً له أن يقول إن معرفتنا لما يأمر به الكتاب الديني أو لما هو " القانون الإلهي " غير ممكنة إلا إذا كنا نعرف بصورة مستقلة ، أن ما نفترض أن الكتاب الديني يأمرنا بفعله ، هو ما ينبغي فعله من المنظور الأخلاقي ،  فإذا كان بإمكاننا أن نعرف شيئاً كهذا بصورة مستقلة ( أي مستقلة عن اللجوء إلى هذه النص الديني أو ذاك طبعاً ) فإن هذا يعطينا القدرة على الحسم ، حيث ينشأ خلاف بين فريقين حول ما يأمرنا الكتاب الديني بفعله أو عدم فعله ، وعليه فأن الحسم في الحالات كهذه ، هو أن نعلق النص ، بينما اللاعلماني سوف ينطلق منه على أنه مطلق ، وعلى أنه لا شيء سواه ، وهو مرجعنا الأخير .  

هنا لا بد من طرح السؤال التالي : أي نص ديني هو هذا ؟ بكلام أخر ، ما هو مرجعنا الأخير بين الكتب الدينية ، وعلى افتراض من أننا تجاوزنا هذه الصعوبة ونظرنا إلى هذا النص الديني مثلاً ، على أنه مرجعنا الأخير ، لكن علينا الأن أن نجيب على سؤال أخر ، ألا وهو أي قراءة أو تأويل لهذا النص أو تلك هو مرجعنا الأخير ، فلا توجد قراءة واحدة أو تأويل واحد لأي نص أو كتاب ديني متفق عليه من الجميع . فمن ذا الذي يقرر بأن هذا النص هو مرجعنا الأخير ، وليس أي نص سواه . ينبغي ألا ننسى هنا أن أصحاب المذاهب والطوائف الأخرى يدعي كل منهم ، بأن قراءتهم وتأويلهم للنصوص الدينية هي مرجعهم الأخير فيما يختص بمحاولتهم معرفة فحوى " القانون الإلهي " أو معرفة ما الذي يريده منا الكتاب الديني في حياتنا وأخرتنا . عليه ، فكيف نقرر أي فريق منهم مصيب في ادعائه ؟ لا شك أن الجواب الأخير غير ممكن إلا عن طريق امتلاكنا لأدلة مستقلة تمكننا من أن نعرف ما هو فحوى " القانون الإلهي " . لكن اصرار جماعة من الجماعات ( المذهبية أو الطائفية ) على أن قراءتها أو تأويلها لهذا النص أو ذاك هو مرجعها الأخير ، فهذا هو بمثابة إصرار ينم عن خصوصيات هذه الجماعة ، ولا قيمة معرفية له .  

من الواضح في ضوء ما تقدم ، أن ما يعنيه عملياً الأخذ بمبدأ ( الحاكمية لله ) هو أن جماعة من الجماعات المسيسة لمذهبها أو لطائفتها تدعي لنفسها الحق أن تحكم بأسم الله ، على أساس أن قراءتها أو تأويلها للنص الديني هو المرجع الأخير في أمور الدين والدنيا ، وتدعي لنفسها ، لهذ السبب ، أحتكارها معرفة ما الذي يريده منا الكتاب الديني في حياتنا ، لكن لا شك أن ما تدعيه لنفسها هنا لا تدعيه لكل فرد من افرادها ، بل لطبقة منها هي طبقة رجال الدين ، الذين يفترض أن يكونوا من دون سواهم ، المؤهلين لفض مكنون النصوص الدينية ،للوصول إلى معرفة ما الذي يريده منا الكتاب في دنيانا . إن هذا بدون شك خرقاً للمبدأ الأول من المبادىء الاربعة الضامنة لاستقلالية الإنسان ، هذا المبدأ بحسب الصيغة التي صغناها سابقاً والتي تقول : لا يحق لأية فئة أو جماعة أن تدعي لنفسها احتكار المعرفة في الشؤون السياسية والأجتماعية والاقتصادية ( أو في أي شأن دنيوي أخر ) على أساس أنه متاح لها وحدها معرفة ما الذي يريده منا الكتاب الديني في دنيانا .

 ومن الضروري أن ننتقل الأن إلى السمة الثانية للنظام اللاعلماني ( أي كونه يقوم على أيديولوجية شمولية ) وأنه بسبب هذه السمة ، سنجد هناك تعارض مع كل مبدأ من المبادىء الاربعة الأنفة الذكر ، والتي اعتبرناها ضرورية لضمان استقلالية الإنسان ، فالايديولوجية الكليانية كما قلنا سابقاً هي أيديولوجية مطلقة ، وبكلام أخر أنها تمثل " حقائق " كونية ، بالإضافة إلى كونها تشكل المرجع الأخير في كل الشؤون ، وهذه المطلقية في طابعها سوف يحعل من النظام الذي يقوم عليها متعارضاً مع المبدأ الأول من مبادئنا الأربعة ، فمن الواضح هنا أن الطبقة الحاكمة التي تشكل الكليانية ركيزتها الفكرية ، لا بد من أن تدعي لنفسها احتكار معرفة الحقيقة ، على أساس أنها تمتلك دون الجماعات الأخرى المعيار الأخير للحقيقة ، لأن مشروعية هذا الفكر ومن ثم النظام القائم على هذا الفكر ، يقوم على أساس أنه يمثل " الإرادة الإلهية " ، ومن هنا تنشأ النظرة إلى الأيديولوجية التي يقوم عليها هذا النظام ، على أنها مطلقة وتحتكر الحقيقة وتعمل على هذا الأساس ، مما يجعل النظام الخاضع لسيطرتها المباشرة متعارضاً وبشكل أساسي مع المبدأ الاول ، وكذلك مع المبدأ الثاني عندما يجدون في النصوص الدينية على أنها المرجع المطلق والأخير .  

كما أن الطابع التوتاليتاري للأيديولوجية المعنية لا يختصر في النظر إليها على أنها مطلقة فقط ، بل يشتمل ايضاً على النظر إليها على أنها تمثل نظرة شاملة ومطلقة إلى الكون والفن والحياة ، بتعبير أخر النظر إلى كافة شؤون الإنسان الدينية والدنيوية على حد سواء ، وهذا يتعارض كما سنبين بعد حين مع المبدأين الأخيرين من المبادىء الهامة التي ذكرناها سابقاً ، وهذان المبدان كما يتذكر القارىء هما :

 اولاً : المبدأ الثالث وفحواه أن العادات والتقاليد والقيم هي مواضيع للأختيار بحكم طبيعتها ، أي أنه لا يحق لأية جماعة أن تفرض عاداتها وتقاليدها وقيمها على جماعات أخرى .  

ثانياً : المبدأالرابع وفحواه أنه يجب وضع حد فاصل بين العام والخاص ، بحيث لا تتدخل الدولة بقوانينها وتشريعاتها إلا في المجالات التي إذا تركت فيها حرية التصرف المطلقة للأفراد ، لأن ذلك سيتعارض على المدى البعيد مع تحقيق المنفعة العامة أو تحقيق العدالة أو تحقيق كليهما معاً .

 لنحاول الأن أن نبين لماذا وكيف يتعارض الطابع التوتاليتاري ( الشمولي / الكلياني ) للأيديولوجية الشرعانية مع المبدأين الأخيرين . مبتدئين اولاً بالمبدأ الثالث ، حيث من الأمور الواضحة هنا أن الطابع الشمولي لهذه الأيديولوجية عندما ندمجه بطابعها المطلق ، لا يعني أن هذه الأيديولوجية تنطوي على موقف من كل قضية أساسية من قضايا الإنسان التربوية والأجتماعية والاقتصادية والسياسية .. الخ فحسب ، بل أنه يعني بالإضافة على ذلك ، أن أصحاب هذه الأيديولوجية يلتزمون بهذه المواقف بوعي تام ويقين خالص ، على أن هذه المواقف التي يجب تبنيها من قبل المجتمع ، ويعتقدون كذلك بيقين ووعي تامين على أن خلاص الإنسان على الأرض وفي الأخرة منوط فقط بتبني الإنسان المواقف المعنية وفق ما تقتضيه القيم والعادات والتقاليد التي تفرض هليه ، وهذه المسائل واضحة في كتابات ومواعض رجال الدين ، حيث نجد عندهم ميلاً للنظر إلى الإنسان على أنه حيوان يحتاج إلى ترويض ، ورأينا عدم الاكتفاء بالاهتمام بتلك الجوانب من سلوكه التي تخص الحياة العامة فقط ، بل تتخطى ذلك إلى الاهتمام بالجوانب الأخرى التي ترتبط بحياة الفرد الخاصة ، ومن الواضح هنا أن تشكيل شخصية الفرد وسلوكه تصبحان من اختصاص الدولة ، أو يجب أن تقوم وفق ما تقتضيه الأيديولوجية الشمولية المطلقة ، التي تشكل الأساس لنظامها القانوني والسياسي والثقافي والأجتماعي والاقتصادي ، عليه سوف نتوصل في نهاية التحليل ، إلى أن تشكيل شخصية الإنسان ضمن هذا الإطار ، قد يأتي  وفق القيم السياسية والاقتصادية لهذه الأيديولوجية ، لكن هذه القيم كما قلنا سابقاً تعبر عن قناعات أفراد الجماعة التي تحمل لواء هذه الفكر ونظرتهم المشتركة إلى القضايا ذات الاهمية في هذا السياق ، مما يجعلها قيماً وعادات وتقاليد خاصة بهذه الجماعة . لذلك نرى في قوننتها ومأسستها لغرض تشكيل شخصية الإنسان وسلوكه بها ، ما هي إلا محاولة لفرض قيم خاصة بجماعة معينة على الأفراد المجتمع أجمعين . وهذا يتعارض بشكل واضح مع المبدأ الثالث ، عليه فإن المتبني لهذه القيم والعادات والتقاليد لا يوجد لديه أي ميل للأعتراف بمشروعية أية منظومة أخرى تتبنى هذه القيم ، لذلك فعندما تكون الدولة تحت سيطرتهم ، فإن الدولة بمؤسساتها الرسمية لن تعترف ولا يمكن أن تعترف بهذه المنظومات ومن غيرها . وهنا لا شك أن تكون الوسيلة الوحيدة المناطة للدولة لجعل موقفها هذا من القيم والتقاليد والعادات المغايرة نافذاً ، هي قوننة قيم وعادات وتقاليد الجماعة الفكرية التي تسيطر على مؤسسات هذه الدولة ، فتفرض هذه القيم والعادات والثقافات فرضاً على الجماعات الأخرى .

 وإذا أعتبرنا الأن بأن القيم والعادات والتقاليد التي سوف تتقنن لن تقتصر على القيم التي لها علاقة بالحياة العامة ، فلا بد أن يتضح لنا لماذا يكون الطابع التوتاليتاري للفكر الشرعاني مخالف للمبدأ الرابع ، فإن الدولة التي تقوم على أيديولوجية كهذه ، لا بد أن تلغي ولأسباب واضحة ثنائية العام / الخاص ، أي أن تدمج الخاص في العام دمجاً تاماً ، وكذلك سوف لا يسمح بالتعددية لا على المستوى السياسي ولا الاقتصادي ولا الأخلاقي ولا التربوي ، ليس في مجال السلوك الفردي والجماعي فحسب ، بل في مجال النظر إليها ايضاً . لأن الأيديولوجية الشمولية تدعي لنفسها كما رأينا سابقاً القدرة والحق على تشكيل حياة الإنسان بكل جوانبها ، لذا فإن النتيجة الأخيرة المترتبة على ذلك ، هي الإلغاء التام لثنائية العام / الخاص وبالتالي القضاء المبرم على استقلالية الإنسان .

  زوعا والعلمانية

 بعد أن أوضحنا في الأجزاء السابقة من سلسلة مقالاتنا الموسومة ( حول علمانية الحركة الديمقراطية الأشورية وأسسها الفلسفية ) ماهي العلمانية ، وما هي المعرفة العملية والعلمية ، وما هي طبيعة المعرفة الأخلاقية ، وكشفنا عن المكونات الأساسية لهذه المعارف ، هذه المعارف والمفاهيم التي تشكل بالضرورة المنابع الفكرية للحركة الديمقراطية الأشورية في تعاملها ومعالجتها لمسألة العلمانية ، حيث ادرك الرواد المؤسسين الأوائل بوعيهم المبكر ، أهمية تبني الحداثة والعلمانية في فكرهم ونهجهم ، وهذا ما يمكن أن نفهمه من خلال قرأتنا وتحليلنا لخطاب الحركة الفكري والسياسي والثقافي والأجتماعي وكما يلي :

 اولاً : تبنت الحركة الديمقراطية الأشورية منذ البداية في برنامجها الفكري والسياسي والثقافي والأجتماعي مفهوم الديمقراطية ( سلوكاً ونهجاً ) وتجلى ذلك من خلال الإنتخابات الديمقراطية التي تجري داخل صفوف الحركة من القاعدة إلى القمة لغرض التهيئة لعقد كونفرانس العام للحركة .  

ثانياً : تبني الفكر العلماني بشقيه المعياري ( المعرفة العملية والمعرفة الأخلاقية ) والنظري ( المعرفة العلمية والرياضية والمنطقية )  .

 ومن هنا يتضح ، بأن الديمقراطية والعلمانية هما ركيزتان أساسيتان لفكر الحركة الحداثي ، وهناك علاقة ديالكتيكية بين الديمقراطية والعلمانية ، ويتجهان للبناء مجتمع مدني بخطين متوازيين لا ينفصلان ، فلا يمكن أن تعيش العلمانية بدون الديمقراطية ، ولا يمكن للديمقراطية أن تعيش بدون العلمانية . لذا نرى بأن الحركة الديمقراطية الأشورية عندما تبنت هذه المفاهيم ( الديمقراطية والعلمانية ) فأنها جاءت نتيجة قرأتها الموضوعية بأن مجتمعنا ( المتعدد المكونات المذهبية والطائفية والعشائرية والمناطقية ) هو في حاجة ضرورية إلى هذه المفاهيم والقيم ، ولا طريق خاص لضمان علاقات سليمة بين هذه المكونات سوى الديمقراطية والعلمانية ، لأنهما يحميا التساوي والعدالة بين أبناء المجتمع الواحد .

 وعلى صعيد التطبيق ، فإن الحركة – زوعا قد اتخذت من النظام السياسي طابعاً علمانياً وذلك لضمان عدم خرق المبادىء الأربعة المطلوبة لضمان على استقلالية الإنسان بأبعادها المختلفة ، لذا دعت الحركة وبأصرار وحزم كبيرين إلى نشر قيم ومفاهيم الديمقراطية والعلمانية في التعليم والثقافة والاعلام ، وبتعبير أوسع ، في جميع المجالات الأساسية . كما دعت الحركة إلى تبني خطاب علماني حديد يُقيم ويُقوم العلمانية على حقيقتها ، ويوضح الأسس الفكرية والفلسفية للعلمانية بعد أن اصابها الضبابية والتشويه ، وعلقت بها الاوهام الناتجة عن الاعلام الساذج حيث يقف وراءه منظري التيار الديني الذي قرن العلمانية بالإلحاد والتفريط بالقيم والعادات والتقاليد ، وذلك لجعل الناس البسطاء والمؤمنين ينفرون من هذا الفكر التنويري ، لغرض الأستمرار على تسيدهم للحياة السياسية والأجتماعية والثقافية . إلا أن الحركة الديمقراطية الأشورية وبعد ادراكها المبكر ، بأنه لا توجد علاقة للتضاد أو استبعاد بين العلمانية والإيمان الديني على الصعيد الشخصي ، لأن الفرد الذي يؤمن بالعلمانية على المستوى السياسي والأخلاقي والاقتصادي يمكن أن يكون على المستوى الروحي مؤمناً ، وكذلك فأن المؤمن يمكن أن يكون علمانياً ، لكن مع التأكيد على مراعاة المبادىء والمفاهيم والقيم التالية :  

اولاً : فصل الدين عن السياسة وعدم التداخل بينهما ، وأن هذا الفصل لا يحمل أية إساءة للأديان بل بالعكس فإنه ينزه الدين عن ذارئعية السياسة وأنغماسها بالتفاصيل ، ويجنبه النقد ايضاً .  

ثانياً : فصل الدين عن التعليم وذلك مراعاة للأختلاف في طبيعة كل منهما ، فالعلم نشاط عقلي خالص يقوم على أساس الشك والتجربة ومقايسة الفكر بالواقع ، بينما الدين فهو ذو طبيعة إيمانية تسليمية لا مجال فيه للشك والتجربة .

 ثالثاً : اعتبار العلمانية مسار وموقف أكثر شمولاً في شؤون الحياة والكون والمجتمع والحرية والمساواة وتداول وفصل السلطات .

رابعاً : عدم التمييز بين أبناء المجتمع على أساس الانتماء المذهبي والطائفي .. الخ ، وتأكيد مبدأ الاستقلالية والوحدة حيث تكون مرجعيتهما الانتماء للأمة ، وترك الانتماءات الأخرى بما فيها الانتماء المذهبي والطائفي والعشائري والمناطقي ، لأصحابها الذين ينبغي أن يكونوا احراراً في التعبير عن هذه الانتماءات ، وخير دليل على ذلك هي عملية التعليم السرياني التي تبنته الحركة – زوعا في أقراره وتطبيقه ونجاحه في كافة المراحل ( الابتدائية والمتوسطة والاعدادية ) ، فإلى جانب اعداد مناهج التدريس باللغة السريانية ، فقد أكدت الحركة على أن تكون هذه المناهج ( خاصة التعليم المسيحي )  لا تحتوي أية مؤشرات للمعتقدات المذهبية والطائفية لأية من مذاهب وكنائس شعبنا المتعددة . في النهاية ومن الأمور التي ينبغي أن لا تحصل أي التباس فيها ، هو أن غرضنا من هذه المقالات لم يكن أن نقول أي النظامين ( العلماني واللاعلماني ) هو الأقرب إلى الصواب ، لكن بغض النظر عن أيهما الأقرب إلى الصواب ، فإن الموقف العلماني كان وسيظل هو الموقف المسوغ عقلياً .

ا