من الذاكره ...   إنتهازية السوفييت ورطت  الشيوعي العراقي بجبهة البعثي الفاشي   

 

 

 

                                                     

                                   

                                           

                                                  شوكت توسا

 

من مسلّمات الحقائق المــُعاشه فيما يناهزالثمانية عقود من تاريخ العراق, يبقى  الشيوعيون العراقيون الذين إلتزموا قضية الشعب ودافعوا عن حقوقه بكلمتهم ودمائهم هم النبراس المنير لكل من يجد في هموم الشعب ومعاناته سببا للنضال والكفاح من اجل بناء الوطن الحر وتحقيق اماني الشعب في السعادة والرفاه.

  كنا في مطلع عام 1973 قد أمضينا ثلاثة اشهر في مركز تدريب مشاة الموصل بإنضباط والتزام عاليين  أديــّا بنا الى  حصد عقوبات واهانات جماعيه تكفي لتكذيب مقولة ان شخصية الشاب وعوده تختمران في أدائه الخدمة العسكريه ,  تم بعد هذه الاشهر الثلاث توزيعنا  ليكون معمل الميدان الرابع  في وسط مدينة الموصل من نصيبي حيث تم تنسيبي ككاتب في مستودع  قطع الغيار(سوفيتية الصنع)  تحت أمرة الملازم الاول الفني  حكمت فرحان الذي قضيت تسعة اشهر تحت أمرته  أنستني كيف يبتسم الانسان.

يومها , كانت الاخبار المتناقله تشير الى وجود مباحثات  بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث الحاكم تحت اشراف ورعايه  السوفييت  ,  من ناحيتي تخيلت  أن تهدئة  سياسيه وأمنيه ستعم البلاد علها  تزيح تخوفات وهواجس الغير البعثيين التي رافقتني طيلة اشهر الخدمة التسعه المتبقيه الى ان تم في بداية اوكتوبر 1973 تسريحي لأعود الى اهلي و بلدتي والقوش , كان الشيوعيون من ابنائها وبناتها  قد دخلو في صراع  مع منتسبي (حدك) بعد  ان كانوا قد أمنوا الجانب البعثي , تطور هذا الصراع  بسرعه مذهله  كاد يسبب كارثه  صدام  مسلح داخل القصبه  لولا جهود العقلاء التي افلحت في اقناع مسلحي (حدك) بالانسحاب خارج القوش  .

إعلان الجبهه الوطنيه:

 قبل أن تـُقدِم حكومة البعث على تأميم حصص شركات النفط  في الاول من حزيران 1972 , كانت قد ابرمت في 9 نيسان من نفس العام  معاهده صداقه وتعاون مع السوفييت  شملت مناحي التسليح والأقتصاد والدعم السياسي والثقافي ,البعض فسرهذه المعاهده  واصفا اياها بنقله نوعيه  في سياسة البعث يمكن التفاؤل بها, وآخرون إستهجنوا فكرة الوثوق بحزب االبعث, في حين توقع أخرون خيبة قادمه انطلاقا من قناعتهم  بان الاتحاد السوفييتي  كقطب أممي ليس إستثناء ً من قاعدة واضعي مصالحهم  في مقدمة التعامل مع قضايا الشعوب , لذا لا غرابة ان تكون منافعه كما اثبتت النتائج ,هي المعيار الأرجح في تقوية علاقاته مع حكومة البعث بعيدا عن استحقاقات مفاهيم اممية الفكر الماركسي الداعمه للشعوب المضطهده  واحزابها اليساريه.

     ولكي لا نكون كمن يسوق  الكلام  من دون سند او دليل , جدير بنا ان نستدعي المتابع  لملف العراق اثناء الحرب الكونيه الثانيه (1939_1945) يوم كان العراق يرضخ تحت الانتداب البريطاني , ليجد كيف كان لتحالف السوفييت مع بريطانيا ضد المانيا الهتلريه(دول المحور) تاثيره الواضح على تغيير موقف الحزب الشيوعي العراقي  تجاه الانتداب البريطاني حيث خفت حدة شعارات الحزب المناوئه للانتداب  لدرجة ملفته للانتباه, وشبيه الحالة تكرر في  زمن حكم المرحوم عبدالكريم  قاسم  حيث ان مصلحة السوفييت هي التي اقتضت رفض مقترح  الشهيد سلام عادل (سكرتير الحزب الشيوعي العراقي) لاستلام الحزب للسلطه تلبية لمطلب  نادى به الشعب  (.......حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي)  لكن خطا احمر تم وضعه تحت هذا المطلب  الى ان حل ما حل  في كارثة 1963 .

 ثم يتكررسيناريو  آخر في بداية السبعينات عندما تبين بان مصالح السوفييت ذاتها هي التي حـرّكتهم  باتجاه البحث عن سبل  تقوية ركائزحكم البعث الغاشم  وهو اي الجانب السوفييتي لم يكن بغافل عن تفاصيل معاناة الشيوعيين العراقيين وجرائم البعثيين  التي ارتكبت بحق حزب  الشهداء والمثقفين,لذا راح السوفييت ضاغطين على شيوعيي العراق لتسوية خلافاتهم مع البعث بعد اقناع الاخير بأهمية تبني تكتيك إقامة جبهه وطنيه (تقدميه) تشمل  الاحزاب الكبيره من ضمنها  "حدك" الذي لم يرى في هذه الجبهه  ما يحقق مطالبه( الحزبيه والقوميه)  لذا رفض الانضمام اليها , في حين وافق الحزب الشيوعي العراقي  وأبدى استعداده  للدخول في هذه الجبهه التي إعترض من اعترض عليها لكن دون جدوى.

في  تموز عام1973 , أعلن عن تشكيل هذه المسماة بالجبهه الوطنية القوميه التقدميه  والتي من خلال راعيها السوفييتي  و تفاصيل إبرامها  وسلوكيات صاحبها البعث ومأسوية خاتمتها  ظهر انها لم تكن سوى مصيده من المؤسف ان يقع في شراكها حزب المناضلين والمثقفين  ليتم اختزال هيبته الوطنيه ووضع هيكلية تشكيلاته التنظيميه  بين  فكي ماركيسية السوفيت المزيفه وانتهازية البعث العدائيه , فقد منحت هذه الموصوفة بالوطنيه فرصه كان يحلم بها البعثيون لإنهاك الحزب الشيوعي عبر زجه بخلافات ومعارك مسلحه  كالذي حصل في منطقة القوش أبان فشل مفاوضات الحكومه عام 1973 _1974 مع  المرحوم  ملا مصطفى البرزاني حول تطبيق  بيان آذار وإجراء الإحصاء السكاني  لفض مشكلة كركوك  الغنيه بالنفط.

 فعندما فشل البعث والشيوعي في ضم البرزاني وحزبه الى اتفاقهما, شرعت الحكومه منفردة و بدعم  من الشيوعيين  و ساسه اكراد معارضين لنهج البرزاني في تنفيذ مخطط الحكم الذاتي المنصوص عليه في بيان آذار 1970 , فكان تأسيس مجلسين تنفيذي و تشريعي في اربيل  ضم في تشكيلاته عناصر قياديه شيوعيه , مما إضطر (حدك) الى إعلان عصيانه المسلح ضد حكومة البعث  في73_ 74   بتشجيع ومساندة نظام  إيران الذي إستغل الازمه  للضغط على الحكومه العراقيه وإجبارها على تغيير الحدود المائيه حسب معاهدة 1937 ,بالنهايه نجح شاه إيران في إرضاخ حكومة البعث على توقيع اتفاقية 1975و التفاوض من جديد حول حدود شط العرب مقابل  تخلي الشاه عن دعم الحركة الكرديه المسلحه وهذا ما تم إقراره  في اتفاقية الجزائر 1975.

 ما بين عامي 1973 و1975 إحتدم الصراع  بين الحكومه وحلفائها الشيوعيين من جهه وبين  مجاميع (حدك) المسلحه من الجهه الاخرى, كان الانصار الشيوعيون ومؤازريهم هم راس الرمح في ادارة الصراع بجانبيه العسكري والسياسي  , حيث كانت اولى شرارات هذا الصراع قد إندلعت في القوش كما اسلفنا  وتطورت الى مواجهات مسلحه  أجبرت شباب البلدة وشيبها  على خوض معاركا دفاعيه عن بلدتهم  ليلا ونهارا لصد هجمات مسلحي الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين حشدوا قواتهم وثقل أسلحتهم في جبل القوش وضواحي البلده,  جرت حينها معارك عديده راح فيها شهداء  وتم فيها ضرب القوش اكثر من مره بقنابل المدفعيه , لو تفحصنا المحصله جيدا لوجدنا انها كلها كانت تصب لصالح تقوية اركان نظام البعث الذي كان يعاني من ازمه سياسيه واقتصاديه وعسكريه خانقه بسبب تاميم شركات النفط و الحشود العسكريه الكرديه المدعومه من دولة ايران انذاك , حيث و من خلال تلك الجبهة المشؤومه  فرض على الحزب الشيوعي العراقي مشاغلته  في مواجهات مسلحه  داخليه ساعدت على تثبيت اركان البعث ثم الكشف عن كامل تنظيمه وتعريته قبل الإنقضاض عليه  وتسقيط غالبية قواعده بعد انهيار الجبهه .

  فقد عادت الى القوش مرارة احداث الستينات  مع تجدد حملات الملاحقات  الأمنيه ما بين 1977  _1978   لكن هذه المره  بأسلوب امني وبوليسي مخادع  في تعقيب  وملاحقة كل من له علاقه من قريب او بعيد بالحزب الشيوعي , اصيب الحزب  جراء ذلك في عموم العراق  بانتكاسه  تنظيميه  فاقت كارثيتها  نتائج  الحملات الشرسه التي شنت ضده في 1963, وبسبب  غياب التنسيق بين تنظيمات الحزب  وخلاف  قياداته تأخر في إصدار اي بلاغ حاسم  لاتخاذ  قرار سريع ينقذ تنظيمه , علاوة على صمت السوفييت المشين,إذ لم يعد في وقتها اي خيار امام  منتسبي الحزب  ومؤازريه  الا المثول امام أمر الواقع المرير  , حيث لم يفلت من قبضة  السلطات الامنيه الا الذي استطاع توفير مأمنا له الى حين إلتحاق المرحوم البطل توما توماس  مع قليل من رفاقه ليبدأ من جديد إعادة تشكيل قوة أنصاريه مسلحه.

شكرا للقراء الكرام

الوطن  الحر  والشعب السعيد   من وراء القصد