الدكتور عامر الجميلي يتحدث لـ بهرا:عن أسبقية العراقيين القدماء بالمعارف البابليون والاشوريون احتفلوا بحلول الربيع لأنه يمثل الخصب والنماء

 

                                                                                            

                 

                                                                                   حوار: سامر الياس سعيد

                   

            للدكتور عامر الجميلي العديد من الاسهامات الهامة في رفد المكتبة بالكتب الاثارية المهمة التي يتعلق واقعها بالسبق لحضارات العراق في رفد العالم بالمعرفة ولعل مؤلفه الأخير الذي حمل عنوان "المعارف الجغرافية عند العراقيين القدماء " كان من ضمن اهم المؤلفات التي سلطت الضوء على ما قدمه ابناء الحضارات الرافدينية من إشعاعات فكرية ومنها تميزهم في الجغرافيا فضلا عن اشراقات اخرى ضمنها الجميلي كتبه ومؤلفاته..

 

 

حيث يستهل حوارنا معه بالاشارة الى كتابه المذكور فيقول:

* كتابي المعنون "المعارف الجغرافية عند العراقيين القدماء" عبارة عن اطروحة دكتوراة عالجت فيها نظرة العراقيين القدماء "السومريين والبابليين والاشوريين مع تركيز خاص لحقبة الاشوريين أي فترة العصر الاشوري الحديث والتي امتدت ما بين "911-612"ق.م وشملت نظرة العراقيين إزاء الكون ونشأته ومظاهر وعناصر المناخ كذلك المعارف الجغرافية التي كتبوها بأسلوبهم الخاص حيث رسموا الخرائط ودونوا قوائم باسماء البلدان والمدن والجبال والأنهار والشعوب والأقوام ومن خلال ما قدموه عبر الخرائط التي رسموها اؤكد بان العراقيين القدماء كانوا اسبق من رسم الخرائط حيث تسبق أقدم خارطة عراقية عثر عليها ومحررة في الالف الثاني قبل الميلاد قبل الخارطة المصرية القديمة بالف وخمسائمة سنة إما الفكر الجغرافي العراقي فيبدو أوسع فكرا من الشعوب القديمة حيث استطاعوا ان يعرفوا مثلا جبال زاكروس في شرق ايران والجزر الايونية وقبرص وكريت في البحر المتوسط ووصلوا الى حدود ليبيا الحالية ومن الشمال وصلوا الى أذربيجان وأرمينيا ومن الشمال الغربي وصلوا الى حدود اليونان الحالية ..

 - تخصصك الدقيق في علم الجغرافيا القديمة ،هل أسهم في رفدك بمعطيات جديدة تحاول اعلانها ؟

* أعكف منذ ست أعوام على تأليف أضخم معجم جغرافي للمواقع الجغرافية الواردة في النصوص المسمارية في الشرق الأدنى القديم ومن مختلف العصور التاريخية وقد ضم هذا المعجم أكثر من 10 الاف موقع ما بين قرية ومدينة وجبل ونهر وقبائل وبلدان ..

 - يسجل للعراقيين القدماء اهتمامهم بتقسيم السنة وإطلاق السنة كما يسجل لهم تحديد رأس السنة من خلال احتفالات "اكيتو " والخاصة بالسنة البابلية الاشورية فهل هذا ايضا يحسب سبقا للحضارة العراقية القديمة ؟

* بلاشك فنجاح العراقيين القدماء في تقسيم السنة الى 12 شهرا ونحن احتفظنا بهذا التقسيم الى يومنا هذا وبالأسماء البابلية الاشورية وحتى في التوقيت لازلنا محتفظين بذات التوقيت حيث كان البابليون يقسمون وقتهم الى 12 ساعة مضاعفة من ساعات أوقاتنا الحالية لذا فيفترض ان تكون الساعة مقسمة الى 24 خطا لكننا الى يومنا هذا نجد ان ساعاتنا تحتوي على 12 رقما وساعة اشارة الى التقويم البابلي الذي قسموه الى 12 بيرو وهي ما تعرف بساعة مضاعفة من ساعات أوقاتنا الحالية واحتفل البابليون والاشوريون ببداية السنة حيث اعتبروا انها تنطلق بحلول الربيع لأنه يمثل الخصب والنماء ويتميز بالمناخ المعتدل وهذا يحسب للحضارتين البابلية والاشورية نظرا لاحتكاكهم بالاقوام الأخرى الذي جاء نتيجة الحملات العسكرية التي قاموا بها والتي شملت جميع الجهات والجبهات وأصبحوا بناءا على ذلك من الحضارات التي تقبلت الثقافات المتعددة والأنماط المعيشية المختلفة وكانوا يمتازون بالعيش اللائق والحياة الرغيدة.

 - الا تتفق معي ان هنالك قصورا في ضعف عجلة التنقيبات الاثارية وعدم ظهور اكتشافات مهمة تتعلق بهذا الجانب رغم الحديث عن عمق واتساع الحضارات الرافدينية ؟

* نعم وهذا الأمر يعزو الى ما عاناه العراقيون من حروب طوال عقود أربعة مضت حيث أسهمت تلك الحروب في إيقاف عجلة التنقيبات الاثارية رغم انهم كانوا من أوائل من أدار لتك العجلة منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولابد من تأشير إخفاق بهذا الخصوص تتحمله الحكومات المتعاقبة كما أود الإشارة الى ان الأمر ايضا يتعلق بصعوبة استحصال اجازة التنقيب من هيئة الاثار العراقية والتي تخضع لمعايير تتعلق بالتخصيصات المالية وعدم الثقة بمقدرة كوادر الجامعات العراقية لتحقيق نتائج مرضية لتلك التنقيبات..

 - تتحدث عن فقدان ثقة بمقدرة المؤسسات الأكاديمية حول موضوع التنقيبات، برايك اين يكمن سبب عدم الثقة هذا ؟

* هذا الأمر خلق فجوة تاريخية كما قلل من شان رفد الجامعات العراقية لجيل من الاثاريين يفترض انهم قادرون ان يملاوا ساحات ومواقع الاثار في العراق كما يضاف الى هذا الامر عدم الاستفادة من أفواج الخريجين من كليات الاثار أو من اقسامها في مفتشيات الاثار او في المتاحف وهم يعتبرون جيشا جرارا من المنقبين الذين لو اتيحت لهم الفرصة لاسهموا بشكل كبير في هذا الامر وحققوا نتائج جيدة وبرايي الشخصي فان فترة الاربعة أعوام حصيلة الدراسة الاكاديمية لتخريج جيل اكاديمي متخصص بعلم الاثار لاتفي ولاتحقق قدرا مناسبا لاعداد مثل هذا الجيل لكن بمرور الوقت سيتعزز مثل هذا الملاك من خلال إتاحة ورش عمل ودورات تاهيلية لتاهيل مثل هذه الملاك سواء هنا في العراق او في خارجه ..

 - وهل يمتلك العراق ريادة في مجال التنقيبات الاثارية مقارنة بالدول المجاورة ؟

* نعم بلاشك ان العراق كان يتمتع بهذا الدور وحتى قبل احداث عام 2003 وكان ريادته في مجال التنقيبات الاثارية توازي ما حازته مصر في هذا المجال ومن ثم تاتي سوريا في الدرجة التالية لكن الاحداث التي شهدتها الاخيرة عرقلت نشاطات البحث والتنقيب التي كانت تشهده والتي كانت تدعمه كثرة البعثات التنقيبية في المواقع الاثارية والتي كانت تعلن وبشكل يكاد متتالي عن العثور عن لقى اثارية واكتشافات هامة تخص المنطقة وجغرافيتها..

 - بالنسبة للمعايير التنقيبية ،هل هناك تباين او اختلاف مابين دولة واخرى؟

* فيما يختص باسلوب التنقيب عن الاثار فبلدنا ينتمي الى المدرسة الالمانية في هذا الشأن حيث تتمثل المدرسة الالمانية باتباعها بنظام تقسيم الموقع الى مربعات متساوية الابعاد والانتهاء من كل مربع ليتم الانتقال الى مربع اخر يليه كما ان الالتزام بهذه المدرسة لايتحدد فيها فحسب بل ايضا يتم اتباع بعض مبادي المدرستين الامريكية والبريطانية اللتين لاتقلان شانا عن المدرسة الالمانية كما يتم اتباع مبادي المدرسة الايطالية فيما يختص بصيانة وترميم الاثار حيث ان هذه المدرسة تعد الرائدة والعريقة في هذا المجال..

 - لنبتعد عن الاثار ولنقترب من اختصاص اخر شهد ابداعك الاوهو مجال الخط العربي ، حدثنا عن البدايات ؟

* بداياتي في هذا المضمار جاءت عن طريق اشتراكي في احدى الدورات التي كانت تقام في مدينة الموصل والتي كان يشرف عليها الاستاذ باسم ذنون وبعد ان حققت جزءا يسيرا من التميز قررت التواصل تحت اشراف الاستاذ الخطاط الكبير يوسف ذنون فضلا عن خطاطين مبدعين في المدينة حتى تم تسميتي لاقوم بتدريس مادة الخط العربي في معهد الفنون الجميلة ولمدة أربعة أعوام بعدها انتقلت الى فضاء الدراسات الاكاديمية المتخصصة بالاثار والتاريخ القديم ..

 - اجدك تميل في المزاوجة ما بين الخطوط القديمة كالمسمارية والاستفادة منها في اعداد بعض اللوحات فهل استنبطت تواصلا بين هذه الخطوط ؟

* لايوجد مثل هذا التشابه الذي تتحدث عنه الا من حيث انهما وسيلتان للتدوين فالخط المسماري بطبيعته خط مقطعي صوتي ويتالف من اكثر من 500 مقطع في حين ان الخط العربي خط ابجدي يحتوي كما هو معروف على 28 حرفا لكن الخط العربي تجاوز غايته المنشودة في التدوين والتذكر الى غاية جمالية وبصرية ..

 - الا تخشى على الخط العربي من الهجمات التي تحدثها ثورات التقنية والتكنولوجيا الحديثة حينما تسعى للنيل من اصالة ورصانة تلك الخطوط ؟

* لايمكننا الانكار في ان الخط العربي أصابه شي من النكوص بسبب هجمة التقنيات والثورة التكنولوجية والالكترونية خصوصا في السنوات الاخيرة لكنه استطاع الصمود امام فونتات وابجديات جاهزة رغم انها منفذة من قبل خطاط لكنها تبدو جامدة وغير حية فالخط العربي سر جماله يكمن في حيويته وروحه واصالته وتجدده وهو خط غير منغلق وبوسعه مواكبة كل الفنون شانه شان الفنون الأخرى ..

 - تبقى الشواخص الاثارية في مدينة الموصل تعاني الاهمال وغياب الاهتمام ، برايك كأكاديمي هل يؤثر ذلك على المواقع الاثرية ويقودها للانهيار ؟

* ان اهمال هذا الجانب المختص بالصيانة والترميم كاسوار نينوى من شانه ان يحدث تصدعا وانهيار في تلك المباني حيث يفترض بان تتواصل عمليات الترميم والصيانة للمواقع الاثارية كل عشر سنوات على الأقل مراعاة للظروف المناخية الموجودة في بلدنا فضلا عن سوء استخدام الانسان للبيئة من خلال تلوثها من جراء عوادم السيارات وانبعاث الغازات ونحن كاكاديميين لانوفر جهدا في ايصال صرخاتنا بما يتعلق بهذا الموضوع سواء عن طريق مؤتمرات وندوات لكنها تبدو كصرخة في وادي ونفخة في رماد وسرعان ماتجد ان المؤتمرات المنعقدة تضع توصياتها في ادراج المناضد او على الرفوف لتضحي حبرا على ورق ..

 - إذن المسؤولية في حماية الاثار على من تقع حسب رؤيتك ؟

* المسؤولية تبدا من المواطن العادي والذي يفتقر بالدرجة الاساس الى وعي اثاري فتدفعه ظروفه المعاشية الى التجاوز على المناطق الاثارية بذرائع شتى منها حراثته للارض كونها زراعية والنبش العشوائي وغير المنظم لكن مسؤولية هذا العمل تقع بالدرجة الاساس على الدولة التي لابد لها ان تتحرك بدرجة كبيرة لوقف مثل هذه التجاوزات من خلال تخصيص ميزانية ملائمة للشروع بحملة التنقيبات والكشف عن الاثار فضلا عن فتح باب التعيينات لغرض ايجاد حراسات تمنع مثل تلك الحالات وتحد من عبث العابثين والسراق ممن يجدون المناخ الملائم للنبش والعبث بدون طائل بل حتى التفكير بالسرقة وتهريب اللقى الاثارية التي يعثرون عليها الى خارج الحدود ..

 - كيف لكم ان تتواصلوا مع التنقيبات الأولى ومعطياتها التي كشفت عن أوائل المواقع الاثارية وتستفيدون منها في دراساتكم وابحاثكم الاكاديمية ؟

* نتواصل مع تلك النتائج من حيث بدأنا من حيث هم انتهوا أي ان عملية التنقيب تعد عملية متواصلة لاتقف عند حد معين او تنتهي عند جانب محدد كما ان بلدنا لديه تمثيل في منظمات ثقافية رصينة كاليونسكو ولديه مداولات فيما يختص بهذا الامر مع هذه المنظمة..

  مابين حقبة واخرى تتعرض المدن الى حملات تغيير سواء في حدودها او تسمياتها فما الذي استخلصته في هذا الموضوع ؟

* مع الاسف اننا نملك في المدينة تلالا اثرية عديدة تستبطن في داخلها مدنا وعواصم عراقية لكن كما اسلفت ان التنقيبات متوقفة في هذا الخصوص رغم اننا نملك اثاريين متميزين على درجة كبيرة من الالمام باسماء المدن القديمة وامكانية تحديدها اما عن المستنبطات من الجغرافية القديمة فقد وجدت ان اغلب المدن والقرى اتخذت تسمياتها من طبيعتها الطبوغرافية ووقوع بعضها على جانب الانهار مثلما هو في تسمية مدينة نينوى كما ان هنالك مدن اتخذت من الهة عراقية اسماء لها او ملوك خلعوا عليها تسمياتهم لذلك على العموم فان المدن بتسمياتها القديمة ذات صيغة سامية وبالتحديد اما ان تكون سومرية او اكدية أي بابلية او اشورية كما ان هنالك اسماء لقرى في شمال العراق تحمل اسماء سريانية ودلالة على ذلك انها تلك المدن او القرى تبدا تسمياتها بالبادئة السريانية الشهيرة "بيث"مثل بعشيقة وبحزاني لكن مع الاسف تم تخفيف تلك التسميات من خلال توالي السنين حيث تعرضت لعمليات تتريك او تعريب بسبب حملات الغزو التي توالت عليها او من خلال سياسات الدولة نتيجة التغييرات الديموغرافية التي طرات عليها..

ً.