رابعة وأخواتها

 

   

 

                                              

                                                   جورجينا بهنام

 

لما كانت رابعة بنات إسماعيل العدوي، أسماها رابعة، لكن الوالد العابد ما لبث أن رحل ولحقته الأم تاليا ليجد الأولاد أنفسهم وحيدين في مواجهة الحياة ومصاعبها، سيما بعد المجاعة التي حلت بالبصرة تلك الأعوام، ومع تزايد اللصوص وقطاع الطرق، وقعت رابعة ضحية أحد النخاسين وذاقت تحت نير العبودية أمـَّر العذابات، وقبل أن ترتقي في مراتب العشق الإلهي، حسب بعض المؤرخين، تمرّغت في حياة الغواية والخمر والشهوات ثم توجهت إلى طاعة الله لتكون أنموذجا نادرا ومتميزا في النسك، بل كانت في طليعة القائلين بالحب الخالص المنزه عن الرغبات سوى حب الله وحده. إنها رابعة العدوية شهيدة الحب الإلهي وأشهر المتصوفات على مدى التاريخ، ومن لم يسعفه الاطلاع ليتعرف إلى هذه السيدة العظيمة، لعله شاهد نبيلة عبيد تجسدها في السينما ومن لم يحظ بالاطلاع التاريخي ولا السينمائي على هذه الشخصية لاشك أن الأحداث التي شهدها ميدان رابعة العدوية وسط القاهرة بمصر قد أفادته دون إرادة منه، ببعض المعلومات سيما بعد أن أصبحت إشارة الأصابع الأربعة (المستنبطة من اسم سيدة الميدان) رمزا للمعتصمين بذلك الميدان المناهضين للتغيير الذي أطاح بمرسي وحكم الإخوان المسلمين بمصر أو (الانقلاب على الشرعية) حسب تعبيرهم. فدخلت رابعة معترك الحياة السياسية رغم كونها رمز «التقوى والورع والزهد» لدى المسلمين حسب تعبير أردوغان رئيس الوزراء التركي مبتدع الإشارة الجديدة التي يتوقع لها البعض ان تكون علامة الانتصار الجديدة في العالم الإسلامي، الذي ربما يرى أردوغان نفسه زعيمه الحالي، بدلاً من الإشارة الأخرى التي تستخدم برفع أصبعين فقط.

إشارات ودلالات ورموز الأصابع كثيرة والغوص فيها كالغوص في بحر الظلمات، فهذه الإشارة ذات الدلالة الايجابية لدى هذه الثقافة لها معنى سلبي لدى أتباع تلك الديانة، وربما ترمز أحداها للكفر والإلحاد فيما تشير أخرى إلى التوحيد والإيمان، هكذا تتنوع هذه الإشارات ودلالاتها ومعانيها وفقا لتنوع الثقافات والأديان والشعوب فضلا عن استخداماتها الواسعة في لغة الصم والبكم كبديل للحوار المسموع.

السبابة التي يرفعها المسلم أثناء صلاته كرمز للتوحيد، قد تعني أيضا الإشارة إلى شيء ما أو التوعد والتحذير عند كثير من الشعوب. بينما القبض على الإبهام والخنصر ورفع السبابة والوسطى والبنصر يمثل تحية خاصة بالفرق الكشفية، أما رفع الإبهام مع قبض باقي الأصابع ففيه دلالة على أن كل الأمور تسير على مايرام (OK)، لكنه أصبح تاليا ذا دلالة فيسبوكية تعني أن مستخدمها يسجل إعجابه (LIKE) بمنشور معين على موقع التواصل الاجتماعي، و يستخدم الإبهام المشير إلى الأسفل لإعطاء معنى معاكس بأن المنشور لا يعجبه (DISLIKE)، فضلا عن دلالته بأن الأمور ساءت او أن الخطة قد فشلت، ومن العلامات الشهيرة أيضا لدى شعوب كثيرة رفع الأصابع الخمسة لرد العين.

 رمز الانتصار السابق (قبل إشارة رابعة) المتمثل برفع أصبعي السبابة والوسطى في شكل يحاكي الحرف (V) ليكون مختصرا لكلمة (النصر-VICTORY) علامة على الصمود والانتصار المزمع، كان ونستون تشرشل أول من استخدمه كرمز للانتصار في الحرب العالمية الثانية فيما تشير بعض المصادر إلى أصول أقدم، وللرمز ذاته دلالات مسيئة عندما توضع اليد أعلى الرأس لتشبيه شخص ما بالحمار كما حدث مع الرئيس الأمريكي أوباما. فضلا عن كثرة استخدامه مائلا بزوايا مختلفة من قبل الفتيات والمراهقات اللواتي يغرقن صفحات الفيسبوك بصورهن وهن جاهلات أو غافلات عن معاني هذه الإشارات إذ يراها آخرون من الإشارات الإلحادية وعلامة على قرني الشيطان لدى الماسونية لذا يستنكرون استخدامها من قبل العرب والمسلمين. ومن الإشارات الشهيرة الأخرى تلك التي كثيرا ما استخدمها جورج بوش الابن وسواه من الساسة البارزين المعروفة بـالرمز الشيطاني (إل ديابلو) El Diablo  كتحية بين عبدة الشيطان أو تعبيرا عن ولائهم للمنظمات الماسونية التي ينتمون إليها (في السر أو في العلن).

كثيرا ما يتبع الناس تقاليع سواء أكانت في موضة الشعر أم الملابس أم إشارات الأصابع في تقليد أعمى للغرب أو حتى للشرق، و منها إشارة رابعة التي انتشرت بسرعة البرق و جعلها كثيرون صورتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي كاليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي بلندن عزام التميمي، الداعية الكويتي عبد الحميد البلالي، علي القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الداعية السعودي سلمان العودة، الداعية الكويتي طارق السويدان، الداعية المصري فاضل سليمان و نبيل العوضي، رئيس رابطة دعاة الكويت، فضلا عن انتشار صورة لسيدة ترفعها داخل الحرم المكي وأخرى لشاب داخل الحرم القدسي وثالثة لغواص وسواهم لم يسمعوا، ربما، ما أوردته كثير من المواقع الالكترونية من تفسير مغاير لها، مستشهدين بصور لأعضاء في الكنيست الإسرائيلي وأخرى لكريس كيلي  لدى فوزها بالأوسكار عام1954 فضلا عن صور أخرى كثيرة لعشرات الشخصيات الأمريكية والعالمية البارزة وهم يرفعون ذات العلامة التي قيل انها ذات علاقة مباشرة بالماسونية، لكن آخرين لم يروا في صور هؤلاء  سوى إشارات عددية بريئة لعدد سنوات الرئاسة الأمريكية مثلا.

هل كانت رابعة العدوية تتصور أنها ستثير هذا الكم الهائل من الجدل بعدما ابتدع أردوغان تلك الإشارة؟ وهل فكر مبتدعها بعلاقتها بالمنظمات الدولية المثيرة للشبهات وأنه بفعلته هذه أعاد إلى الأذهان الأفكار التي سادت سابقا حول علاقة جماعة الإخوان بالماسونية العالمية؟ وأخيرا هل فكر كل من رفعها قبل أن يفعل أن يبحث ولو قليلا عن معانيها ودلالاتها قبل أن ينتهج التقليد الأعمى؟