حـَــدَثَ في القـــوش

 

                 

 

    

                                              

                            

                                                  شوكت توسا

اليوم :الثاني من كانون الاول 1982

الوقت : مساء ً بين السادسه والسابعه

الموضوع : إصابة الاخ قيس حيدو بطلقه ادت الى شلله

...........................................................

       قبل ثلاث عقود من اليوم , كنا نعيش تصاعدا مقيتا لوطيس الحرب العراقيه الايرانيه  الذي زج البلدين في محرقة لم يميز أوارها بين انسان واخر ولا بين يابس واخضر, حيث اصبح قتل ابناءالشعبين المساكين في نظر الرأسين القابعين  في حربهما الشعواء مبعث أنس ومتعه يتلذذوا به في اعلان البيانات العسكريه المفبركه وترديد اغاني المعركه واناشيد النصر في حين طوابير التوابيت الملفوفة بالأعلام العراقيه تتوالى على مدن وقرى العراقيين , وفي ذات الوقت لم ينسى النظام البعثي الفاشستي كرهه ولم تكف أجهزته القمعيه من ممارسة ابشع الجرائم ضد كل من كان يعارض سياسته وحربه المدمره, وكالمعتاد كانت حصة الشيوعيين ومؤازريهم  من هذا القمع  حصة الاسد خاصة في بلدات وقرى ابناء شعبنا الكلدواشورين السريان  .

     في مساء الثاني من كانون الاول من ذلك العام  , غادرت نادي الموظفين متوجها الى بيتي المؤجر في محلة سينا ,عند وصولي امام بيتي أركنت سيارتي (موسكوفيج) كالمعتاد في فسحة صغيره مقابل بيت جاري المرحوم عبد موسى خدركه ثم  توجهت مشيا لصعود الدرج الى بيتي الذي يقابل بيت عشيرة (ياقو حنو) , أثناء ذلك رايت الصديق قيس هادي  قادما من جهة السوق يمشي مسرعا بقامته, لم اكن اتصور بانها ستكون آخر مره اراه  فيها يمشي, أخرت نفسي قليلا  كي  نقترب من بعضنا لتبادل التحيه ,  ثم سألته عن وجهة سيره , وهو سؤال أعتدناه أثناء تأدية التحيه , فأجابني بانه داخل لزيارة اصدقائه  في بيت المرحوم عزيز ياقو حنو مقابل بيتي .

    دخل الاخ قيس في بيت الجيران (بيت حنو) وصعدت انا الاخر درج البيت  ثم فتحت باب الهول كي ادخل واذا بي اسمع صوتا مكبوتا لإطلاقه قريبه جدا بدت اللعينه  وكانها دخلت  في جسم قريب منها,ولان سماع اصوات الطلق الناري في تلك الفترة كان من الامورالشبه عاديه يوميا , لم اعر للصوت اية اهميه , فدخلت بيتي وغيرت ملابسي كالعاده مرتديا البيجامه والروب , لم يمر على جلوسي ربع ساعه  واذا  بصوت طرق شديد على باب الدار الخارجي, خرجت  مسرعا لارى  جاري وصديقي المرحوم (يعكوب يوسف بوداغ ) المعروف بأبي لؤي, وهو يصرخ ما بالك ياخي شوكت  ألم تسمع بالذي جرى؟ اجبته خير اخي ابو لؤي؟ سالني الم تسمع صوت اطلاقه ؟ اجبته نعم سمعت ما الذي جرى ؟ قال انها اصابت الاخ قيس حيدو وهو داخل بيت حنو, وقد نقل الى مستوصف القوش.

    حال سماعي بهذا الخبر المفاجئ , توجهنا سويه بسيارتي انا والمرحوم ابو لؤي الى مستوصف القوش  فوجدنا الصديق قيس ممددا فوق سرير الفحص ووجهه شاحب كقشر الليمون بينما كان الطبيب (المصري) مرتبكا وحائرا  يبحث في جسم الاخ قيس عن مكان الطلقه دون جدوى وهو يشكك بصحة قصة اصابته بطلقه, رحنا انا والمرحوم ابو لؤي والاستاذ المرحوم حبيب شدا نبحث  في جسم الاخ  قيس عن اي اثرللإطلاقه لكننا لم نجد لها اثرا , في هذه الأثناء كان الاخ قيس يؤكد اصابته بالاطلاقه وهو يشكو من صعوبة التنفس  ويرتجف من البرد مع  ازدياد شحوب وجهه, كنت اراقب شحوب وجهه المتزايد وهكذا قدميه التي غلب عليها الإزرقاق  , وعندما تلمستها بيدي  احسست ببرودتها الشديده, نزعت الروب من على جسمي والقيته عليه عساه يدفيه قليلا.

    أخيرا وبعد ان اقتنعنا بعجز الطبيب عن تقديم اية مساعدة لحالة قيس طلبنا منه  إحالته الى المستشفى في الموصل لان وضعه كان يتدهور تدريجيا, حيث كان الاخ قيس ايضا يطلب نقله  بعد ان يئسنا ويئس الطبيب من العثور على اي اثر للطلقه, يبدو ان النمش الطبيعي في جلد جسمه حال دون قدرتنا على كشف اي  أثر لشيئ غريب.

    في النهايه تم إستدعاء سائق الاسعاف (المرحوم سعيد قانيجو) لنقل الاخ قيس الى المستشفى العسكري في الموصل , في اليوم الثاني سمعنا بان الطلقه كانت فعلا  قد إخترقت جسده من القسم العلوي من كتفه ومرت متخفيه تحت جلد ابطه لتضرب النخاع الشوكي في احدى فقرات العمود الفقري مما سبب له شللا نصفيا أقعده طيلة الثلاث عقود .

    في حينها تم تسجيل تلك الجريمه ضد مجهول وظل الحدث طيلة هذه العقود مطويا فس سر الكتمان  ضاع فاعله بيت تأويلات الناس والسلطات  وتعدد الجهات التي يمكن ان تكون قد قامت به سواء كان  الفعل  قد تم عن عمد ام انها طلقه طائشه  إختارت طريقها الى تعويق هذا الشاب الطيب او  ان في الامر سهو  وخطأ حصل لم يكن المقصود به قيس الذي عرف عنه خفة حركته في مشيته  وصعوده او نزوله الدرج  وهكذا حتى في سياقته .

    قضى الاخ قيس فترة طويله بالمستشفى دون امكانية ايجاد علاج لحالته ,و بعد مرور اكثر من عام على الاصابه , استطاعت عائلته الحصول على موافقة سفره برفقة والدته الى لندن للمعالجه على حسابهم الخاص , لكن يبدو ان سفره كان متأخرا جدا لذالم تتعدى فائدة سفرته حدود  النقاهه وتلقي تمرينات وتعليمات على عيش الحاله كما هي, و بعد ان اقتنع بان لا علاج لحالته سوى التكيف والاستمرار, عاد الاخ قيس الى بيته في القوش مستسلما لقدره  وهو الان يعيش حياته الطبيعيه  في القوش يتنقل مستخدما  كرسي  (المعوقين).

تمنياتنا للاخ قيس دوام الصحه  .