الجزء السادس

 

في اصول القبائل ( الكلدية ) الكلدانيــــــــة

 

                                                                

                                                

                                                             

                                                           يعكوب ابونا

        

                    " من لا يقرأ التاريخ جيدا يبقى طفلا الى الابد " - شيشرون -  توصلنا في قراءتنا الموضوعية للمراجع التاريخ والاركيولوجيا الى معرفة اصول وجذور القبائل الكلديــة ( الكلدانية ) القديمة ، وتسميتها ، مسترشدين بمؤلفات الذين سبقونا في هذا المضمار ، ولكنهم لم يستطيعوا الوصول الى الحلقة المفقوده التي تربط اسم تلك القبائل بمصدرها الاصلي ، ونامل باننا قد جاوزنا تلك الحلقة في ماتوصلنا اليه في بحثنا هذا ، وتبين بان هولاء الكرام كانوا قد استقوا معلوماتهم من مصدرين اساسين معتمدين لديهما :.

 

الاول - كان ولا زال مثار جدل والاجتهاد لدى الباحثين لاسباب كثير، هوكتاب العهد القديم ( التوراة) الذي يرد فيه ذكر الكلدانيين  ولكن كصفه اطلقت على كهنة المعابد ورجال الدين والمنجمين والفلكين والسحره ..ولكن للاسف البعض وقع في خطأ القراءة المعرفية عندما لم يفرق بين التسمية الكلدانية كصفة، اوكتسمية عرقية او اثنية ، رغم وضوح القصد في المصدر اعلاه ..

 

   وبهذا الصدد تذكر حياة ابراهيم في ص 99 من كتابها نبوخذنصرالثاني 604 -562 ق . م ، (( كان قد حصر السلطتين الدينية والدنيوية بيدية وليس هناك فرق بين الاثنين حيث كانا يمثلان وجهي العملة التي يمكن التميز بينهما ولكن يستحيل فصلهما ،))  وهذا ما يؤكد بشكل واضح بان نبوخذنصر كان ملكا وكاهنا لبابل ، فهومن هذه الجهة قد اخذ لقب كلداني لصفته الكهنوتية ، ولكونه ملكا ، فكان ملكا كلدانيا ، فالتوراة عندما تطلق على دولة بابل الحديثه بالدولة الكلدانية ، لان ملكها نبوخذنصر كان كاهنا كلدانيا ،وكان لرجال الدين دور فعال في بلاط الملك البابلي كما يقول( سترابو 63- 19 ق . م ) هولاء كانوا يلقبون بالكلدانيين ،لذلك نجد هناك الكثير من الايات التوراتية تفرق بين الكلدانيين والبابليين،ليفهم منها ان التسمية هي صفة ليست الا ، وبغيرذلك لا يستقيم المعنى التوراتي لهذه التسمية ......

 

   ومع ذلك لازال البعض لحد يومنا هذا رغم انهم ياخذون التوراة كمصدر لبحثهم، الا انهم لم يتوصلوا الى الباعث الدافع لما ورد فيها من معنى الاستدلال بشواهد النصوص والاخبار، واخذوا الامورعلى علاتها فوقعوا في خطا التسمية الكلدانية ،فخلطة عندهم الامور وتداخل الاسم الذي اطلق كصفة وبين اسم كانتماء عرقي ، بذلك شوهوا الحقيقة وتباينت الاراء بينهما ......

 

   ونضيف من باب المعرفة الحسية ونؤكد بان ضرورة البحث العلمي تتطلب المعرفة البحثية ، في المكتشفات المادية ،وربطها بالمعرفة التكميلية خاصة مع علوم اللغة ، لنجد بان اسم الكلدانيين اطلق لغة على كهنة المعابد والمنجمين والفلكيين والسحرة ، وعلى القبائل الارامية التي كانت قد استوطنت مدينة كلــــده وخليجها اللذان مكانا موجودان منذ زمن السومريين ،اذا كانت هناك تسميه في بابل ، التي لاعلاقة لها بمن اطلقوا عليهم الملوك الاشوريين ذات التسمية مع الاختلاف بالمعنى والمدلول ، فلا علاقة بين تلك القبائل وبين كهنة بابل ومنجميها ، فالاسم لك منهما ورد بمعزل عن الاخر ، ولا ربط بينهما مطلقا ، هذه هي الحقيقة أفتراءات البعض لايمكن ان يشوه تلك الحقيقة ......

 

  نستنتج لما وصلنا اليه ، باننا تجاوزنا الحلقة المفقودة التي كانت لدى الغير،  وثبت ان ا- القبائل التي اطلق عليها اسم قبائل كلدية هي قبائل ارامية في الاصل والانتماء لا يرتقي اليها الشك ... 2- تواجد هذه القبائل منذ القدم كان في اعالي الرافدين وسوريا..

 3- تعرضها الى الهجمات وخاصة الاشوريين الذين بعد ذلك قضوا عليهم نهائيا ، كان سببا لنزوحهم وهجرتهم من تلك المناطق الى الجنوب ومنها الجزيرة العربية ومن الجزيرة نزحوا الى بلاد الرافدين .. 4- استقروا ابتداءا في خليخ كلده ومدنه ومنها مدينة كلده المعروفه .5 - الاشوريين هم من اطلقواعليهم تسمية الكلديين 6-لانهم كانوا خارجون من كلده ومحيطها في خليج كلده الى مناطق الاهوار وجنوب بابل ، اخذوا اسم الكلديين وليسوا الكلدانيين  ..

  اما ان نجد البعض يتغنى بالحضارة الكلدانية والتطبيل لها،وانهم استنبطوا النظام الستيني في الرياضيات وقسموا الوقت الى اجزاء منها السنة وقسمت الى اشهر والشهر الى ايام واليوم الى24 ساعة  والساعة الى 60 دقيقة والدقيقةالى 60 ثانية ،وانهم هم من اخترعوا طول السنة الشمسية ، وحددوها 365 يوم و 6 ساعات و15 دقيقة ، و41 ثانية ، ..

 ان هذا القول مردود على اصحابه وافتراء على الحقائق التاريخية ومصادرت حق الاخرين ولا اساس له من الصحة ، وما يدعوه زيفا وباطلا بانه ليس لغيرهم .. لان هذا الذي يتحدثون عنه اوجدوه السومريين قبل هولاء بالالاف السنيين ، وقد يكون كهنة المعابد البابليين ( الذين كان يطلق عليهم كلدانيين )  قد طوروا بعد العلوم الفكية والرياضيات والمفاهيم المعرفية في السحروالتنجيم والشعوذه  ، ولكنهم ليسوا هم من يجب ان نعزى اليهم هذا الابداع بل يجب ان يرد الحق لاصحابه ، واصحاب هذه الحق وتلك العلوم هم السومريين هم من اوجدوه وابدعوه ، يقول هارى ساغر في ص 443 من كتابه عظمة بابل (( ان فكرة تعين الاسبوع تعود الى تاثير منطقة ما بين النهرين ، منذ فترة قديمه كانت الطقوس الدينية تبدا في اليوم الاول القمري وكذلك في اليوم الخامس عشر عند ظهور البدر وفي يوم المحاق يوم اختفاء القمر وفيما بعد اعتبرت ايام نصف الشهر القمري ايام اعياد ، ويضيف : انه ليس بالنسبة الى التقويم فحسب ، بل بالنسبة الى طريقة الارقام وبصورة خاصة عند قياس الزمن ، فان الاجراءات في منطقة مابين النهرين تركت اثارها التي لا تزال ظاهرة في حضارتنا ، ولازال النظام السومري الستيني  ظاهرا في تقسيم الدائرة الى 360 درجة وتقسيم الساعة الى ستين دقيقة و3600ثانية ، وهذا ما يمثل بعض التقاليد المستمرة التي وصلت الينا من خلال الفلكيين القدماء ،)) كما ان السومريين هم من اكتشفوا الارقام قبل اكثرمن 3700 عام قبل الميلاد في تل الحرمل ،

ويقول العالم كرامر في كتابه الالواح السومرية وفي كتابه مع جان بوترو، التاريخ يبدا من سومر ،( عن ، الترابط بين اللغة السومرية وبين اللغات الاكّدية والبابلية والاشورية وكذلك اللغة الهتية و الاخمينية الى كتابة لغة المتكلم بها بخط مسماري ( الكتابه المسمارية )، وهكذا تمكنوا تدوين تجاربهم في مجال علم الطب و الادب و الفلك وقد تتطورعلم الرياضيات السومرية بفعل اكتشاف الابجدية تطورا كبيرا .
 كانوا السومريون اول من بدلوا استخدام  رقم 10 الذي كان يستخدم اصابع اليد العشرة في العمليات الحسابية والتجارية وفي سبيل تسهيل عمليات المحاسبة التجارية بدلوا استخدام رقم 10، الى نظام الحساب الستيني الذي يتخد العدد ال60 قاعدة له وهو النظام الذي اثبت نجاحه ولا يزال العالم يعتمده ويستعمله في حساب الزمن وكما هو معروف بان النظام الستيني يقوم على وحدات اساسية هي الارقام الحسابية وهي 1 ـ 6 ـ10ـ60ـ120ـ180-360-....والخ وهو ذات النظام المستعمل في قياس الزمن ( الساعة60 دقيقة والدقيقة060ثانية ) ..
 وبذلك استطاعوا السومريين ولاول مرة في التاريخ تعيين اليوم الذي يتساوى فيه الليل و النهار وكذلك تعيين اول ايام الصيف واول ايام الشتاء. وتمكنوا عبر مراصدهم ومنها ( مرصد اور ) من التعرف الى وجود سبعة نجوم متحركة في السماء حيث اعتقدوا انها تدور حول الارض الساكنة ، وعبر تلك المراصد جاء اسم" الاسبوع " وقد بقيت اسماء ايام هذا الاسبوع متداولة حتى يومنا هذا وهي  على النحو التالي ..

يوم الشمس ... الاحد ... 2- - يوم القمر ... الاثنين . 3- يوم المريخ ... الثلاثاء ...4- يوم عطارد ... الاربعاء ...5- يوم المشتري ...الخميس 6- يوم الزهرة ...الجمعة ... 7- يوم زحل...السبت...
اما الليل والنهار فقد قسموهما على ضوء عبادتهم لالهتهم الأربعة المعروفه فقسموها الى اربعة مجموعات كل مجموعه تحتوي على 6 ساعات يحكمها احد الاله من هولاء الاربعة  فكان التقسيم على النحو التالي ، 6 ساعات ليل ، 6 ساعات صباح ، 6 ساعات ظهر و6 ساعت عصر ، ونسبوا لكل من الاله الاربعة طباع خاص وبذلك نسبوا الفصول الاربعة الى طبيعة كل من هولاء الالهة الاربعة ...

اله السماء :" آن" ، " اَب الحرارة و النار " .
2- الهة الارض: " تي" ،" ام البرودة و التراب " . 
3- اله الهواء: " انليل" ، " اله الهواء " والذي ولد من تركيب الارض و السماء . 
4- اله الماء ويسمى :"انكيدو"،" البحار العميقة و المياه المسيطر عليها ".
وعلى ضوء ما تقدم فان :
- اله السماء، وله طبع حار و جاف وهو يدل على وجود فصل الصيف و النهار. 
- الهة الارض، ولها طبع بارد وجاف وهو يدل على فصل الشتاء و الليل . 
- اله الهواء، وله طبع حار ومرطوب و هو يدل على فصل الخريف و العصر .
- اله الماء، و له طبع بارد ومرطوب و يدل على فصل الربيع و الصباح. 
كما ان الطب التقلدي وضع معادلته على اساس هذه " الطباع الاربعة المتضادة " و العناصر الاربعة التي نادى بها هذا الطب قائمة على هذا الاساس، وكل فصل من فصول السنة الاربعة له صفة احد هذه الآلهة الاربعة .))

 هذا الذي كان ، فكيف يتم تزويرهذا التاريخ وتشويه هذه الحقائق عندما يقال بان الكلدانيين البابليين الذين هم طبعا كهنة المعابد والمنجمين ، هم من اخترعوا واوجدوا هذه العلوم  ،؟؟  اما ان كانوا يقصدون بالكلدانيين المبدعين القبائل التي اطلق عليهم التسمية الكلديـــــــــــــــــــــة ، فخير من يتحدث عنهم وعن حضارتهم واختراعاتهم وابداعاتهم ومنجزاتهم هو ما جاء في(( مجلة لغة العرب / للأب أنستاس الكرملي / المُجلَّد الأول ) بأن الكلدان عموماً ، كانت ممالكُهم تَزهرُ بوضعٍ اقتصادي مُزدَهِر ، لا يعرف الفقرُ إليها سبيلاً ، يجنون أرباحاً هائلة مِمّا تَدُرُّه عليهم أراضيهم الوافرةُ الخِصب بفضل المياه التي يَرفُدُها النهران الخالدان دجلة والفُرات ، فكانت غِلالُ مزروعاتهم وأشجارهم غَزيرةً ومناطقُ الكلأ واسعةً ، أتاحت لهم اقتناءَ أعدادٍ كبيرة جداً من قطعان الماشية والأبقار والبِغال والحَمير والخيل ، ولم تَكُن تجارتُهم أقلَّ ازدهاراً مِن زراعتِهم ، فكان أبناؤهم يركبون البحر بمهارةٍ لا يُجاريهم بها مُنافسٌ ، وتًشيرُ بعضُ اللوحات الآثارية المُكتشفة الى تجارةٍ رائجة كانت تجري مع الأقطار الشرقية بصورةٍ متواصلة ، تتبادلُ بها البضائعُ عن طريق مُقايضة مُنتجاتِها الزراعية والحيوانية بالمعادن المتوفرة لدى تلك البلدان . لقد حافظت هذه الممالكُ القبلية على استقلالها وديمومَتِها زَمناً قارب الخمسمائة عاماً .)) ...

 

  اين اختراعاتهم وابداعاتهم وعلمه بالفلك والتنجيم والرياضيات والطب والفن والنظام الستيني وووو ؟ كانت علوم القبائل الكلدية التي ورد اعلاه ، واضحه  جدا كانت بحميرهم وخيولهم وزرعهم وضرعهم ، التي اعتمدوها بحياتهم وليس لهم غيرها ، بهذه اضافوا للحضارة الانسانية علما وفنا وتطورا،؟؟ مهزله العقل المعرفي لدى البعض ، الذين لازالوا يعيشوا زمن البدع والتدليس على الاخرين معتقدين بانهم سوف يستطعون تمرير افتراءاتهم واكاذيبهم على الاخرين ....

 

وسوف نكمل البحث عن ورود اسم الكلدانيين لدى البعض بعد سقوط الدولة البابلية الاخيره  ، وكيف ورد اسمهم على لسان الله ، كما سيكون لنا وقفه بحثية وقراءة علمية عن سر الجنائن المعلقة .... والى اللقاء  ...