واقع حالنا مريرٌ  لكن الأشد مرارة  تشرذم كلمة مثقفينا

 

    

                                                                                           

                                                                                     

                                                                                    ثامر توســـــا     

   

   بعد غيبة  منحت فيها لنفسي إجازه  بعيدا عن الحاسوب والانترنيت ,لاقضي اوقاتا يشتاق اليها المتغرب في ربوع بلداتنا وقرانا الجميله بصحبة الأهل وأحاديث  الأحبه والأصدقاء  الذين أحسد فيهم مأثرة بقائهم  حيث  موطن  الآباء بينما عجز الكثيرون منا عن فعلها,  سأحاول متى ما سنحت الفرصه للتطرق لبعض مما تخلل  زيارتي التي وصفها الاستاذ العزيز عماد داويذ مشكورا بالقيلوله الطويله  .أما الآن فأنا مطالب بأستكمال الموضوعه التي بدأت بها بمقاله واحده  في اوكتوبر من العام المنصرم قبل سفري ولم يتسنى لي نشر تتماتها في حينها.

  عندما يقال بأن الخالق  قد خص الإنسان برعايه إستثنائيه ,  يعني  قد حباه  بهبة العقل  التي  ميزته عن بقية المخلوقات , وإلا لما  برز مفكرون و لا أبدع فلاسفه  في  وضع نظريات وسن قوانين  تنظم  إستدامةالحياة و ترسم الأطر التي تضمن للجميع حقهم في  الإفصاح عما يجول في خواطرهم بالشكل الذي تراعى فيه الكياسه وحقوق الآخر .

عودة الى موضوعة واقع شعبنا الذي  إزدحمت أسفاره وتعج  حواضره بنكسات وآلام وهجرات متتاليه ضلعت عوامل شتى وعقليات متنوعه في صنعها ,ليس من المنطق إختزال جوهرعلات هذه الأزمات في إتهام طرف واحد  دون آخر, ولكن إذ نحن هنا بصدد  أهمية توحيد الصف والكلمه في رأب الصدع, يجدر بنا الانتباه جيدا الى  خطورة ظاهرة  سبق ومورست في السابق لاكثر من مره تمخض عنها كوارث ومآسي, واليوم  تتكرر هذه الظاهره على يد نخب حسبناها مثقفه وجديره بتحمل المسؤوليه ,بينما منطق العقل يقول بأن ضبابية تطلعاتها وإدعاءاتها وتأرجح  أرضيتها الفكريه والسياسيه أضفت على جهدها وخطابها سمة الإنفعال  والتخبط الذي جعلها  طريده وديعه  لسهام العقليه المذهبيه  مما أفقدها مصداقية إدعاءاتها القوميه  لتغدو جزء ً من طبخة ذر بذور الفرقة والإساءه  لكل ماحملته لنا رسالة السيد المسيح .

  الكل تابع ويتابع سيل كتابات إخوان لنا من مثقفي ابناء شعبنا الكلدواشوري السرياني  وطريقة أخذهم وردهم مع من يخالفهم في الرأي,علما أن أغلبهم ينعم في ديمقراطيات البلدان المتحضره ,لكن  تماديهم في فرض حالة العزله على ذواتهم وكأننا بهم يعلنون بانهم لم يكتسبوا من ديمقراطية وعلمانية الدول التي إستضافتهم  سوى  واحد من إثنين , يا إما حرية استباحة التنكيل بالذات الجريحه  وما أسهلها من مهمه ,أو خيار تسويق كليشات التبجيل للمشاريع المخادعه التي يديرها العقل المذهبي كلما تلاقت مع أهواءهم  ,غير مبالين  لإنعكاساتها السلبيه ولا لاتساع الفجوه بينهم وبين أهاليهم .

ربما يرى أحدنا بأن الأمر يبدوخاليا من العيب والشائبه , نعم هذا ممكن لو كان هم مثقفنا وشغله الشاغل هو حصرا نصرة مذهبه الديني على مذهب غيره,  وإن صح ذلك فلا اعتراض عليه, لكن أن يصل فكر مثقفنا  لمستوى وصف الأنشطه المذهبيه بمؤتمرات قوميه نهضويه يقودها فكر قومي نضج  وتبلورفي حاضنة اللاهوت المذهبي الكنسي ويمولها جيب العقل المؤجج للفوارق المذهبيه والمنتفع من ترويجها , ففي ذلك يا سادتي  نكته تدمع العين من شدة مضحكتها.

 يحق لمن يأخذ تأكيدنا على متطلبات العمل القومي السياسي على نحو المبالغ بالتثقيل على كاهل مثقفينا النهضويين , وليكن كذلك ,لكن شئنا أم ابينا , فإن  المبالغه بوصف تجمعات مذهبيه بالقوميه النهضويه  بمعزل عن التذكير بردائف مماثله سبق وعملت ترهيلا في عقول بعض الاسلاف  كما تفعل جرع المخدر بالجسد , فلو عدنا بالذاكره قليلا الى تاريخ واحدة من  هذه الردائف المميته التي  حتى لو عفى الشعب عن مرتكبيها  فإن الديـّان في الآخره  لن يغفرلهم  فعلتهم  يوم يلقاهم ,في تاريخنا القريب والبعيد,.

أخطاء  سبق وإرتكبها رموز كنيسة من مذهب  آخرغير كاثوليكي كما حصل في عهد القائد القومي أغا بطرس ,  حيث تخبرنا المصادرالمكتوبه والحكايات المنقوله عن  حجم الكوارث التي حلت بشعبنا  جراء تورط رجالات  المذهب الكنسي  أبان إستغلالهم لمواقعهم اللاهوتيه وطاعة الناس من الذين  إختلطت عليهم محبتهم  لقوميتهم  بطاعتهم الدينيه  وتاهت عليهم  سياقات العمل على نصرة الإثنين ,الى ان إستمكنهم الرمز الكنسي المذهبي وأرضخهم  للتسليم  ببدعة الجمع بين واجب رجل الدين المذهبي  وبين جواز توليه زمام مجال العمل القومي السياسي وحتى العسكري.

 مع شديد الأسف كان شعبنا المسكين هوالخاسر جراء  تلك المغامرات و كان إنساننا الكلدواشوري هو الدافع بدمائه الزكيه  لفواتير رغبات الذين نصبوا أنفسهم أولياء الله على الأرض  ,لا يتسع المجال هنا للخوض في تفاصيل أسبابها ونتائجها, المهم  كانت كارثية  و يعرفها جيدا كل من يعنيه الأمر.

 اليوم  وبعد قرن من تلكم الكوارث والأخطاء التي سببتها تلك الهفوات, ينبري علينا ماسك قلم قومي  من هنا ورافع راية المذهب  من هناك  ضمن مخطط مشوش  لتوسيع رقعه مذهبيه وتشييد امبراطوريه كاثوليكيه حسب مقاساته, نعم تمكن هذا العقل المذهبي من إستدراج دعاة قوميين (مثقفين !!) إضطرتهم رغباتهم المغلفه بالخطاب السياسي المغوش الى قبول العيش في  تكرار مآسي التاريخ ,دعاة ٌ فيهم من يحسب نفسه على الفكر الماركسي زورا و فيهم من كان يرى نفسه بالمرآة  بطلا قوميا عروبيا ببزته الزيتونيه يوم كان رفيقا في صفوف البعث العربي, وفيهم أيضا من الصنف الذي يؤسفنا القول بان في صدره ضغينة  اعتمرت  يبحث عن وسيلة لإطلاقها وإشفاءغليله  وفيهم وفيهم , لكن أهم ما في الكلام من زبده هو ركون هذا الرهط على طاولة  يرأسها رمز ديني مذهبي  يتقمص  رداء النهضة القوميه  لتجميل نوايا فعالياته المذهبيه.

 

كي  أوفر الجهد على من يريد نعت كلامنا حسب هواه سواء بجريرة الحقد او دافع الحسد ,  نؤكد باننا عندما  ننتقد اي مجتمع او تجمع او مؤتمر(بغض النظر عن المسميات)  تقاد فعالياته وتمول من قبل رمز لمذهب كنسي ونحن في عصر التطور والنهوض العلماني , ننتقد هكذا حاله  ليس كرها بشخص الرمز إطلاقا  مثلما ليس لنا شأنا بالانتقاص من اي مذهب أو إعلاء شأن مذهب آخر او بمن يتبعه فذلك شأن خاص به ,لكن مقالبا بهذا الشكل سبق وعانى من تبعاتها  شعبنا وتحمل وزر دهاليزها وإلتفافاتها ,يكون واجب  كل مهتم وأمين الكشف عنها وتعريتها  امام الملأ  كي يحذر منها الذين يغريهم بريق تسويقها ووهج عناوينها .

 أليس من الغرابة أن يتصدر (مثقفنا )السياسي القومي موكب راية التفرقه والتقسيم  مع رافعي أعلام نصرة المذهبيه الكنسيه, ألسنا أمام طامة تستدعينا الى نقدها و تنبيه  مثقفنا(القومي النهضوي) من مخاطرها,كيف يكون الإفلاس الفكري  وداعيتنا النهضوي يعجزعن تقديم  أبسط خدمه من نتاج عقله  لأشقائه المساكين  الذين كتبوا الكثير على الرمال وما زالوا يكتبون  مثلما فعل ضاري المسكين يوم صفعه  شقيقه الأصغر ساري , لذلك  إستمكنهم العقل المذهبي بكل بساطه  وتمكن من إختطافهم  وإخضاعهم لأداء قسم الولاء والطاعه للذي يضع  شأن الصراع المذهبي في مقدمة كل ما يود حصاده.

 من هنا نقول, إن التزمير لظاهرة تسليم مقدرات شعبنا القوميه او الوطنيه على طبق من ذهب بيد رمز مذهبي  عرف عنه تقلبات  خطاباته أو تحت إشراف مؤسسته, هي بالتأكيد حالة ركوع فكري امام دهاء العقل المذهبي, وهي دليل ضعف ثقافة سياسيينا و ظاهرة  في غاية الغرابه والتنكيت, دعونا نكف عن سفسطة  الدفاع عن أخطاء دامغه, لان الذي بين ايدينا من دلائل كما أسلفنا  يكفينا للتعرف على كنه ودوافع تقلبات مواقف العديد من الرموز المذهبيه  وعن اسباب تمردها على مرجعياتها  او تنقلاتهم من كنيسه الى اخرى ,  حيث كلها تشير الى أن إدارة الصراع المذهبي كان وما يزال  يشكل اساس محاور ممارسات غالبية رجال ديننا .

 

لسنا  هنا بصدد تعرية مشوار وتاريخ نضال إخواننا النهضويين هؤلاء , لكن الخطأ  الذي نحن بصدد كشفه بدأ يرافقهم منذ طرحوا  أنفسهم  في المعترك السياسي القومي متمترسين بدروع الانعزال  والتكابرالاهوج على أهلهم  مقابل جهلهم  لضوابط العمل السياسي  حيث إضطرهم  تكرار إخفاقاتهم  الى خيار المنكسر في ولوج الممر المكتوب على مدخله  عبارة ( أحذر الممر مسدود) وباللون الاحمر, مع ذلك دخلوه !! لماذا دخلوه  اذن؟ وكيف؟ تلكم أسئلة لا تتطلب الإجابه عليها بذل جهد ,لانها مُجابٌ عليها في الخطابات التي لم تقترب في أحسن أحوالها فرسخا من تخوم مصداقية المتحدي  الذي يرتأي  طـَرق المنافذ الموصده سبيلا له .

 والمصيبة تتعاظم حينما يتغافل إخواننا في الدين والمذهب والقوميه  عواقب عدم تكليف أنفسهم عناء إحتساب مخاطرظاهرة توكيل قيادة مذهبيه متمرده على مرجعيتها  لقيادة مهمه قوميه نهضويه ,وهي  في كل معايير العمل السياسي إشارات الى تقاعس نهضويينا في تحضير أبسط واجباتهم , اوإفتقارهم لأدنى قدر من الجديه , أما شهوة التشفي و حب الأنتقام  حتى لو عفيناهم منها , فالواقع يؤكد  بدون مجامله  على ان التعاليل الثلاث مجتمعة  هي صحيحه.

إن ّمحصلة تفويتهم لفرص تعلم أسرار اللعبه ممن سبقوهم أو من الذين يعاصروهم , جاءت  تفاصيل نتائجها واضحه  في كثرة تقلبات خطاباتهم  وتخبطات رداتهم على منتقديهم ثم إخفاقاتهم  , ليس هذا فحسب, بل لنا  في الداعيه الذي دارت به الدوره الماركيسيه الى نقطة إنبهاره القومي بعقل المذهبي التقسيمي  خير شاهد على  ضبابية الصوره, حيث ومن شدة لامبالاته في كسر شوكة أهله , ملأ الصفحات بصدأ سيفه المثلوم وهو يستنجد على عتبات أبواب السلاطين ويلمع من صورهم للفتك بأهله , و ثمة داعيه آخر أبدع أيما إبداع في تسويق الكلمات المهينه بحق أهله لا مجال لإيراد قسم منها  هنا,بالنتيجه ضيع الإخوه المشيتين ,  لتتلقفهم عقلية المذهب الكنسي كالحملان الوديعه لتنفيذ مخططها , أو بالأحرى وقعوا في شباكها لينقلب ضجيجهم القومي الى سفرات ترفيهيه وتأديات قسم  تنفيذ ما تمليه عليهم مصلحة الرمز المذهبي. وكل عام والجميع بالف خير .