عرض الفطائس دليل الكساد  

 

                                                                                                                

 

 

 

                                     

 

                                          شوكت توسا

 

                                                                          

 

 

                 غالبا ما  يُنقل  الينا عن ديوانيات الأجداد  ومجالس العقلاء  خلاصات  قصص  هي  بمثابة حـِكـَم  إختمرت بزبدة تجارب الحياة ووقائعها , كقولهم لكل زمان دولة ورجال , لكل حادث حديث , كلٌ انسان ينادى بإسمه , البائع يبيع ما في خرجته ,  الاناء ينضح بما فيه ... وما الى ذلك  من أقوال وأمثال فرضت نفسها  نتيجة تكرار الواقعه لتصبح حكمة وعبره .

  كي تصل  فكرة العنوان  للقارئ بطريقه اسهل , سأستعين بقصه واقعيه  حصلت مع  حماي (والد زوجتي) المرحوم يوسف ابلحد زرا  وهوقصاب معروف في القوش عـُرف عنه الصدق والصراحه في عمله وعلاقاته , لذلك  كنت  أود مجالسته  للإستماع بشغف الى أحاديثه التي كانت تتسم بالصدق والأعتدال والعفويه.

  يقول المرحوم ( أيسف قصاوا)  :

دعاني  يوما أحد الشيوخ الأكراد في دهوك كي أذبح لهم ذبيحه , ومعروف لدى المسلمين  انهم  يفضلون اكل اللحم المذبوح بيد مسلم وعلى القبله كي يكون حلالا أكله, ((وهذا ما تؤكده ظاهرة تتكررت أمامي في القوش, حيث كان يتم إحضار شرطي مسلم من مركز القوش كي يمسك بالسكين عند ذبح الدابة  التي يريد المسلم شراء اللحم منها ))  , ثم  يردف المرحوم العم يوسف قائلا :  أمر الشيخ  الكردي بإحضار إمام الجامع لقراءة البسملة  بعد ان وضعت الدابة بإتجاه القبله ,تم  ذبحها بملامسة يد الامام للسكين اثناء الذبح , و بعد ان انهيت تقطيع لحمها وحفظه, دعاني الشيخ للجلوس معه في ديوانيته المحتشده بالناس من ضمنهم  الإمام. ولأني محسوب عليهم ضيفا, أجلسني الشيخ بجانبه وراح يجاملني  بكلمات الشكر والطيب والاشاده بأهالي القوش.

كانت احاديث الحاضرين في مجلس هذا الشيخ متنوعه المواضيع , أحد هذه المواضيع  كان دينيا على لسان الإمام الذي إرتفع  صوته  قليلا حينما وصل الى قوله بان على المسيحي  الذي يؤمن بلله  ان يعلن إسلامه اليوم قبل الغد لان دين الاسلام دين حق جاء به خاتم الرسل والانبياء محمد (ص), بالنسبة لي كوني ضيفا  كنت فقط استمع  إحتراما للمجلس وتقديرا للشيخ الذي أحسن ضيافتي , راح الامام يكرر دعوته  التي وصلت به  الى مطالبة الشيخ بتوجيه الدعوة لي كي اعلن إسلامي لان في  ذلك أجر و جزاء للشيخ وللامام , كان الشيخ والحشد ينظرون الى وكانني  قد جيئ بي الى  هذا المجلس إما لإعلان إسلامي او لمحاكمتي وانا ما زلت استمع  دون اي ردة فعل.

فجأة  سألني الشيخ :   يا مام يوسف يبدو من سكوتك انك تؤيد كلام الإمام .

أجبته : كلا يا حضرة الشيخ , ان سكوتي لا يعني رضاي من كلامه اطلاقا  انما إحتراما لدينكم و لمقامكم وللمجلس كله  فضلت السكوت , وأن كنت تريديني ان اجيب الإمام , عليك اولا ان تأذن لي بالكلام و تعطيني الضمان والامان كي اتكلم بحريتي مثلما تكلم الامام.

أجابني الشيخ : تكلم بكامل حريتك  ولك ما تشاء, موعزا الى الجميع بوجوب الإستماع  .

قلت موجها كلامي للإمام : ايها الامام بارك الله بك وبدينك,  انا قصاب وابنٌ لقصاب معروف في القوش, لم أتذكر يوما  اني ناديت في السوق  مزمرا ومطبلا بجودة اللحم  الذي ابيعه والكل يعرف باني لا اتعاطى المحرمات والمخادعات , هذا يعني اني لم يسبق لي و ذبحت دابه الا بعد التأكد انها سليمه وساغ من اي مرض او عاهه , لذلك كان لحمها يباع بسرعة البرق وبسعر جيد دون أن أنادي أحدا او أطبل  وازمر بجودة اللحم كي يشتروه    .

بينما يا حضرة الامام ,  ترى ان القصاب الذي  يذبح نعجة مريضه او معزى متخمه, بعد ان يعلق لحمها الفاطس,  يبدأ بمناداة الناس  وبأداء القسم والحلفان  بانه لحم خروف تازه كي يخدع الناس بشرائه . وشكرت الشيخ على إذنه لي بالتكلم لكني لم اكن مطمئنا , على اية حال  أنتهت القصه هنا , ولم اسمع اي رد من الامام, في حين  شكرني الشيخ بدوره  وبعد تناول الغداء ودعتهم بأمان الله .

 زبدة هذه  الحكايه  الواقعيه  رأيتها تنطبق على حال القائمين على  مواقع ألكترونيه محسوبة  على شعبنا وحامله لأحد أسمائه  , المؤسف جدا انها تدار من   قبل عقول لاهوتيه  و درجات دينيه  عاليه  يفترض بها  حسن الأداء  بموجب رسالة المسيح  والألتزام  الأخلاقي  والديني تجاه رعيتهم  , لكنها المؤسف جدا انها اصبحت تدير اشبه بدكان  مختص فقط  في عرض الفطائس , لذلك لا غرابة لو ارتفع صوت احدهم مادحا بالموقع  وإدارته  ومطبلا بحلاوة مذاقه , ولا أدري ان كان احدهم سيستغرب  في حال مغادرة الرعيه لهم والتوجه الى إمام آخر علهم يلقون عنده اللحم النظيف.

الوطن والشعب من وراء القصد