حول حيوية النظام السياسي للحركة الديمقراطية الأشورية بين فلسفة التاريخ وحركة الوجود

 

                                                                                                                

 

 

                                                                                     

                                                        هرمز طيرو

                                                                          

 

 

                 

                 الحركات السياسية كأي كائن حي تولد وتنمو وتكبر وتترهل وتحتاج بين وقت وأخر إلى روح التقدم والتجديد والضخ بأليات ودماء جديدة تسمح لها بالتعامل مع المعطيات الواقعية بقراءة علمية ومختبرية . وقد مرت كافة الحركات السياسية وبدون أستثناء في مراحل متعددة في عملها النضالي والسياسي أرتبط كل منهما في مرحلة ما برموز أو شخوص معينة وتلك هي فلسفة التاريخ وحركة الوجود . وقد عرفت أمتنا من الحركات السياسية والأجتماعية والثقافية كغيرها من الأمم بحكم عراقتها وما عايشته من تطور في الأفكار وتعدد في الإتجاهات ، مما ادى إلى أن يطفو على سطحها  زعامات متعددة وقيادات متعاقبة ، لكن ظل قانون الحركة وطبيعة التطور هما السائدان في جميع المحطات وفي المشهد العام عموماً ، لأن حركاتنا السياسية بمجملها كانت تتسم بالحيوية والقدرة على الإبداع والعطاء والدفع بقيادات جديدة في كل مرحلة من مراحل التطور. ولا يعني ذلك أن يكون ( الدفع بقيادات جديدة ) أو

( الإبدال السريع للمسؤولين ) هو التعبير الصحيح عن روح التجدد أو الحكم على حيوية الحركات السياسية ، بل إننا يجب أن نتدارك الأمور منذ البداية بالتأكيد على :

 

1 - التحول الجذري في الأنماط الفكرية .

2 - تطوير أساليب في العمل التنظيمي ( النظام الداخلي ) والمنهاج السياسي ( الأهداف والشعارات)

3 – التأكيد على أن يتم التحول والتطوير ضمن الأطر التنظيمية ( الفلسفية ) والأساليب النضالية

( الحركية ) واعتماد الشفافية ، بعيداً عن أساليب التي هي خارج فلسفة التاريخ وحركة وجوده .

 

من الواضح في ضوء ما تقدم أن نبين وبسهولة ، بأن النقاط اعلاه تقع ضمن المعاير الأساسية التي تسبق بالضرورة عملية التجديد ، سواء كانت في الأفراد أو الإبدال السريع للمسئولين . ولعلى سوف نعالج الأمر في مجمله من خلال أبعاد ثلاثة وهي :

 

اولاً : أستقرار السياسات :

 

      يجب أن يكون هناك مفهوم واضح لدى الجميع بأنه في المنطق الحديث يوجد فارق كبير بين السياسة المستمرة المستقرة ( باعتقاد صحة ثوابتها ) وبين كل ما يدور حول فعالية وحيوية النظام السياسي المتبع في الحركات السياسية ، وأحتواء هذه الحركات لعوامل التغيير المطلوب لها . لذلك فإنه ليس صحيحاً أن نعتقد بأن تغيير السياسات والعبث بأستقرارها هما أمور لازمة لتأكيد على حيوية نظام الحركات ، بل قد يكون ثبات السياسات وأستقرارها علامة دالة على حيوية النظام السياسي وفعاليته في إيجاد أليات جديدة في العمل اليومي ، ولعل نماذج الديمقراطيات الموجودة في الدول الغربية هي تأكيد على المنهج الذي نتحدث عنه والذي يحاول دائماً الفصل بين ( الحيوية والفعالية ) المطلوبة والأستقرار السياسي المنشود ، لأن إيجاد التوازن بينهما هو أمر حتمي حتى تتمكن الحركات السياسية من الحديث عن شكل من أشكال العمل مع تحديث الأليات وأسلوب الأدارة في مجمل العملية السياسية .

 

ثانياً : تجدد الأفكار :

 

      أننا لا نطالب أن يكون المسؤول السياسي مفكراً أو فيلسوفاً ، ولكننا نعتقد على ضرورة وجود شلال متدفق من الأفكار الجديدة في مواجهة الظروف والقضايا المعقدة وخاصة القضايا التي تحتاج إلى الحلول غير التقليدية لأن منشاءها غير تقليدي بحكم تراكم الأخطاء أو بسبب الإحتقان السياسي أو الأجتماعي أو الثقافي ، لأن الأفكار الإيجابية أو الجديدة هي دائماً مصدر التجدد والتطور بالإضافة إلى كونها طريق الخروج من الأزمات المتشابكة والمواقف الصعبة ، لأن الأنسان يتميز عن كافة المخلوقات بعقل يفكر وذهن يتخيل وبهما يستطيع من الوصول إلى نهاية مشواره لتحقيق طموحاته .

وأذا أخذنا الحركة الديمقراطية الأشورية إنموذجاً ، فإنها تملك وتزخر بالكفاءات الفكرية والعقول المتنورة ، لذلك فإن مبدأ القيادة الجماعية وتجدد الأفكار هو جزء من تراثها ومن عبقرية مؤسسيها وروادها الأوائل ، لأن الحركة – زوعا تؤمن بالنظرية الديالكتيكية وقادرة على إستيعاب :

 

أ – الواقع المتحرك .

ب – أمتصاص الأزمات وأحتوائها.

ج – الموازنة بين الثوابت المبدئية والمتغيرات التي تحدث بين الوقت والأخر . مع أستلهام الأفكار الجديدة التي تطفو على الساحة .

لذلك فليس المطلوب بالطبع أن تنطلق الأفكار في الحركة الديمقراطية الأشورية من اللجان المحلية أو هيئات الفرع ، فليس تلك وظيفتها بأعتبارها سلطات تنفيذية ، لكن يجب أن تنطلق الرؤى والأفكار والأجتهادات من الكونفرانسات والمكاتب واللجان المركزية ، بالإضافة إلى المشاركة الفعالة من لدن المؤسسات المجتمع المدني ( إتحادات الطلبة والشبيبة ، الإتحادات النسوية ، المراكز الثقافية ..الخ ) .

هنا ينبغي أن نسجل حقيقة مهمة نظراً لأهميتها بالنسبة لموضوعنا عموماً وهي إن عملية تغيير اللجان والهيئات بشقيهما ( الفوقية والتحتية ) لا تعني بالضرورة التعبير الوحيد عن حيوية وفعالية الحركة من الناحية السياسية والتنظيمية إلا أذا كان التغيير موضوعياً يستند إلى أسباب تتعلق بتجديد الأفكار وتطوير السياسات ، ففي هذه الحالة يكون التغيير حالة مؤشرة لحيوية فكر الحركة الديمقراطية الأشورية ودليلاً عليها .

 

ثالثاً :  تغيير الأشخاص :

 

   يعتقد البعض دائماً أن حيوية النظام السياسي في كافة أشكاله وفي جميع محطاته من ( المؤتمرات والاجتماعات الموسعة ) تتحدد فقط في عملية التغيير في الأفراد ، وهم بذلك يتجاهلون ويتجاوزون العنصريين المذكورين في ( اولاً وثانياً ) اللذين يتصلان بالسياسات والأفكار . نعم إن تغيير الأفراد هي ضرورة سياسية وثقافية وأجتماعية ، لأن التمسك الأبدي بالمسؤولية ( السلطة ) تخلق الملل والشعور بالأسترخاء لدى المسؤول نفسه والأشمئزاز لدى الناس ، لكن هناك أمراً لا يجب الإقلال منه وهو أن المسؤول ( مع كابينته المنتخبة ) يحتاج إلى فسحة من الوقت ( دورة واحدة أو دورتان كل دورة تكون 4 أو 5 أو 6 أو 7 سنوات وحسب النظام الداخلي  ) لكي يستطيع من خلالها تقديم افكاره وينفذ تطلاعاته على نحو يسمح له بتحقيق برنامجه السياسي والتنظيمي . مع مراعات معالم الركيزتين ادناه :

 

1 – أن البطء في التغيير يسبب حالة الجمود الفكري والسياسي والتنظيمي .

2 – أن سرعة التغيير تؤثر على أستقرار التنظيم وسلامة فكره .

 

اذن ، فإن الأمر في النهاية وضمن المعادلة المذكورة اعلاه ، متروك لحسابات الهيئات العليا في التنظيم التي تقدر درجة عطاء المسؤول في موقعه بغض النظر عن أية إعتبارات أخرى . ومن هنا بات الكثير من الناس يعتقدون إن معنى تغيير الأفراد هي فقط عملية " توالي الأجيال " أي بإحلال شباب في موقع من تجاوزت أعمارهم سناً معينة ، وهذا الأمر في الحقيقة عليه مردود ، لأن العطاء هو مزيج بين فعالية الشباب وخبرة وحكمة الكبار . فنحن عندما نتحدث عن التجديد والإصلاح فإننا نشير بوضوح إلى عملية " الإحلال والتبديل " في نظرية يدخل في مربعها مستوى الإداء وحجم العطاء ضمن إطار :

أ – الأستعداد لتبوء موقع يستطيع فيها الشخص البديل أن يبرز عطاءه .

ب – أن تتسع دائرة التجديد لتشمل كافة المواقع المؤثرة ، أبتداءاً من أصغر حلقة تنظيمية صعوداً إلى الهيئات العليا .

 

ونحن ندرك جيداً ، أن طوابير الساعين إلى المسؤولية والحالمين بها ( وهذا من حقهم ) هي ظاهرة متكرره عبر التاريخ ، وتعد تحولاً نوعياً في الفكر الأنساني ، أذا أعتمدت على الكفاءة والنزاهة وحدهما . وهنا لا بد أن أشير إلى حالتين لهما اهمية في هذا السياق :

 

الأولى : وهي التي يتحدث عنها دائماً خبراء ومفكرو ومنظرو القانون الدستوري وتسمى " تداول المسؤولية " ويقصدون بها عملية الإبدال والإحلال في المواقع المؤثرة وفقاً لمستوى العطاء والأداء في سياق المشاركة الديمقراطية .

 

الثانية : وهي التي يطلق عليها أساتذة العلوم السياسية ب " دوران النخبة " ويقصدون بها ، أن كل مؤهل للعمل السياسي في اطار الخدمة العامة له فرصة متكافئة ضمن مجموعة الأفراد الساعين إلى المسؤولية . وكل ذلك محكوم في النهاية كما قلت سابقاً بمعايير لا يمكن تجاوزها .

 

لذلك فإن مسألة حيوية النظام السياسي في الحركة الديمقراطية الأشورية وأستقرار السياسات وتجدد الأفكار ومبدأ القيادة الجماعية ( في إتخاذ القرارات ) ليست مسائل سطحية ، بل هي قضية ترتبط ديالكتيكياً بمبدأ حركة الوجود وفلسفة التاريخ وحيوية النهج القائم واسلوب ممارسته .

 

اخيراُ ... هذه الأفكار رأيت من الضروري أن أطرحها في هذا الوقت بالذات في تجرد كامل لا أشير فيها إلى مرحلة معينة ، بقدر رغبتي في أن تكون ( المسألة والقضية والمسؤولية ) مثل ( العلم والمال والمعرفة ) متاحة للجميع بدرجة كاملة ، لأن الحركة الديمقراطية الأشورية تمارس تاريخياً دوران المسؤولية وتوالي القيادات لأن مبدأ ( الدوران والتوالي ) هما جزء من طبيعة الحياة السياسية الحديثة ويقعان ضمن دائرة حركة الوجود وفلسفة التاريخ حسب مفهوم زوعا .