ديترويت شهد (معقل ) الكلدان

 

   

 

 

 

 

 

                                              

                                                 يونس كوكي

    في مجال العمل من يقدم على اقامة مشروع عمل سواء يحتاج شريك له ام لا, يمني نفسه اولا والشركاء ان وجد بالمحاسن والمغانم والربح الوفير والثراء ونسيان الماضي وايام الفقر والنكد من اي سبب كان. اما الواقعي او احد الشركاء يسأل وله الحق او كيف ستكون النتيجة ان حدث العكس وكيف ستكون الخسارة وهذا يحدث؟.

    وحالنا نحن الكلدان السريان الاشوريون (السوراي) ومنذ ستة وعشرون قرنا مضت والى الان لدينا بعض ممن يزهو ويخط ببلاهة مع العلم احد سادتنا طلب منا سابقا ان لانكون بهلية إنه افنى خصمه اللدود عن بكرة ابيهم مع العلم انهم اشقاؤه, وانه الان له كل الحق في ما يقول وحتى إن كان هذيانا وبنشوة غامرة لأنه يرى جموعا احتشدت على مائدة مجانية في احدى المدن الامريكية, ولسان حاله كأنه يذيع بيان للتعبئة العامة لتجييش الجيوش, والتوجه للأستئصال من تسول له نفسه ان يدعي غير ما تطرب له الاذان هذه الايام من نغمة جديدة بدأ العزف عليها ما بعد عام 2004 بعد اعدام الطاغية صدام.

    وللتذكير لن نعود الي الوراء اكثر من خمسون عاما ونيف يوم كان معظمنا نعيش في قرانا التاريخية القريبة من اسوار نينوى وليس اسوار اور, او (خيلا) (الحلة) والتي كانت حامية عسكرية لحماية بابل قبل ان يدكها قورش الحليف السابق الذي صبر لسبعون عام وعاد.

    أما الان معظمنا في نعم وأمان الغرب, بالحقيقة التي لا تذكر نسينا قبل هذه المدة القصيرة المارة ذكرها من عمر الزمن معاناة اهلنا من شظف العيش واغلبنا لم يكن قد رأى بغداد او اي مدينة كبيرة اخرى منورة ماعدا قسم قليل كانوا كالباحثين عن الذهب وقد لايتجاوز ثمن كدحهم عشرة دنانير في الشهر, وفجأة صبيحة يوم الرابع عشر من تموز انقلبت الطاولة على الكل والكثير طاف على اجوف ما والحناجر تبح من كثرة ترديد الشعارات وكيف سينتقل آباءنا الى الجنة ولن يعود التبن يملأ آذانهم وعيونهم, لا بل وحتى الطرافة بعض الاخوة اليافعين آنذاك وهم الان من مدعي القومية الكلدانية, كانوا يستهزئون ام كانوا جٍدٍيين يطالبون من شيوخ القرية المتسامرين امام البيوت ينتظرون ما ستؤول اليه الاوضاع ان يكسروا محاريثهم القديمة وجرار الماء وان الثورة سوف توزع لهم التراكتورات والثلاجات ونحن لانعرف ماهي ولم نراها اصلا.

    يالها من احلام وردية! من ينكر الحقائق؟ لأن لازلنا احياء ومعاصرين وما تلا من احداث دامية مستمرة من ذلك اليوم وحتى الان! وهل يعقل ان امريكا والغرب والدول العظمى الاخرى يتركون العراق وشعبه لحاله وهو يطفو على بحيرة من النفط؟ ونحن فقط نختبىء كالعصافير المذعورة في الجحور خوفا من شراسة المهاجمين, ولم نفكر قط يوما كيف نكون او نعيد قوتنا!!! فان كانت ديترويت في تلك الايام مركز لجني العسل فلم يكن يصدق ذلك الكثير والذين نادوا بها في حينها ومع عائلاتهم كانوا على عدد الاصابع. لكن استمر العمال , كعمال النحل بجذب المزيد وراءهم ولكن بوتيرة متباطئة الي ان جاء حكم البعث ثانية عام 1968, واستذكر نفر منهم ما حدث قبل خمس سنوات فلا سبيل غير الهرب نحو الشهد وماهو غير المال الوفير والامان؟

    لكن هذه الامتيازات ابناء هذا البلد الاولون سكبوا من اجلها الدماء, وعزف الرجال والعقول النيرة المبدعة الي ان وصلوا ماهم عليه الان ولم تأتي جاهزة لهم كما نحن الان كي نتباهى بها ونحن عالة عليهم! مالذي اظفناه اليهم من علم ومقدرة؟

    نحن سائرون نحو الذوبان والفناء في مجتمعاتهم كعرق قومي ماعدى الموضع في المتاحف والبعض الذي سيبقى كشاهد للدارسين والباحثين عن التاريخ بأن كان قوما يسمون كلدانا او اشوريون وانقرضوا بسبب جريهم نحو شهد العسل الجبلي ثم بقوا اسرى اعتقادهم بالعظمة ولا احد كان يجاري اجدادهم بالفتوحات والغزوات والتنجيم ايام كان الاوروبيون كما يعتقدون اجدادهم قطاع طرق وبرابرة اين نحن منهم الان؟

     مااسهل الان لكل من اراد ان يحقق احلامه ولكن على حساب اباءه واجداده وعظامهم المتروكة هناك, ودماءهم الزكية التي نزفوها دفاعا عن ارضهم وعرضهم وقيمهم وسلموا الرايات الي آيادي لم تكن اهلأ لها, لابل من سينبري ويقول نحن لسنا بحاجة الي وطن, إلا الاحرار ان يحملوا تلك الرايات في المهاجر(فلا بأس إن كانت للتعاضد), في امريكا لتتعالى الصرخات والمزايدات على الباقين في الوطن, لماذا القادم الجديد الان كان صوته خافتا في الوطن؟

     شاءت الصدف قبل اربع وعشرون عاما أن ازور من سبقني الي ديترويت وخلال اقامتي القصيرة كنت أسأل من التقيه من الاصدقاء والمعارف لماذا لايعلوا صوتكم هنا قبل ان نذوب وانتم قرب اكبر مركز للسلطة والقرار, فكان يأتي جواب هزيل نحن نخاف عليكم الباقين في الوطن يوم كُنا في الوطن اكثرية وتواجدنا يعج بشبابنا وشاباتنا امل المستقبل, ونفس السؤال والجواب والي عام 2002.

    لكن عمال الشهد من النخبة اصبحت هنا بالكامل وبنت المعاقل حول الملكة فلم يعد يهم الباقين ولا خوف عليهم, لابل يوجد من يتبجح انه سوف يكيل الصاع صاعين في القريب العاجل للذي سرق حقوقنا وزهرات رحيقنا حتي وان اُقتلع آخر نفر من بني جلدته من ارض الاباء والاجداد, وبالتبويق علنا ليلحق من اراد الي ديترويت بالذات لتتسع التبسية فقط وان كانت على خراب البيت ارضاءًً لنرجسية البعضبأنهم انجزوا ماكان يخيل اليهم فقط.

    ليتنا نتعلم درسا من الشابة ذات الثلاث وعشرون عاما والصامدة (سافينا داود) شاهدوها على اليوتوب, كيف تلجم من يتغنى غناء اجوف ونشاز بالتاريخ والحقوق بعد ان تركنا الوطن والقرى بدل ان نجعلها بلدات, والمساحات ليبني عليها الأخرون صروحهم.

    مَن فَجرنا وقتلنا وهَجَرنا؟ ومن قتلنا بالوطن؟ كمثل جدتي رحمها الله (قطالا بحشوا) اي القتل باساليب ناعمة وغير مرئية ونحن من ساعدهم. من يقول نحن مليون ونصف كلدان لكن اين؟ في بلدان الاغتراب ! كم بالمائة او بالالف من هذا العدد يعرف القراءة والكتابة بلغة اجداده؟

     إن لم يتعلموها في بيتهم ووطنهم وبمنهج دراسي مفروض فرضا فكيف يعقل ان يتعلموها في بلد الحرية والعجلة الحياتية السريعة في امريكو؟ على من تكذبون؟ وإن عاد احدُ للوطن؟ هو اساسا لماذا غادر كي يعود؟ فهل سيعود أبناءه؟ كفوا عن النفاق واتركوا الصامدين يلعقون جراحهم.

   ها هو سكناكم قرب واشنطن وبروكسل, هل طرقتم ابوابهم لنيل حقوقكم من الذين قتلوكم وهجروكم ام من ابناء جلدتكم؟ إنكم فقط تضعون العصي في العجلة لعرقلتها لأنكم لا تقودون تلك العجلة. تركتم اضرحة الاباء ليبني الاخرون صروحهم عليها لماذا؟

   ما اسهل جدا جمع حشد من الناس ليخطب فيهم احدُ, ويجعل نفسه كالطاووس بقليل من المال وفي امريكا بالذات والمثل القائل (طعم الفم تستحي العين) فالمدعو الي الوليمة المجانية كيف لا يمدح من اقامها؟ خاصة نحن الشرقيون.

للحقيقة وشعبنا من وراء القصد.