لماذا السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري ؟

 

                                               

 

                                                 

                                                       ابرم شبيرا         

 

   يتساءل البعض لماذا  تم اختيار مذبحة سميل لعام 1933 لتكون يوماً للشهيد الآشوري في الوقت الذي هناك مئات الآلاف من الشهداء الآشوريين منذ قرون طويلة وهناك ضحايا الحرب والتشرد والفواجع أثرت وبعمق على الآشوريين سواء من حيث الكم أو الكيف وأثرت في نفسيتهم إلى درجة كبيرة خاصة أحداث الحرب العالمية الأولى وما سبقتها من مذابح وما أعقبتها من تشرد وفواجع. وهذا صحيح لا أحد يستطيع أن ينكر بأن التاريخ الآشوري زاخر بدماء شهداء المذابح التي أرتكبت بحقهم منذ قرون طويلة. لقد سبق أن نشرنا في عام 1994  كراساً عن هذا الموضوع وبينًا أسباب أو العوامل التي أدت إلى أن يكون السابع من آب يوماً للشهيد الآشوري وذكرنا فيها  بأنه كان يجب اختيار تاريخ معين ليوم الشهيد الآشوري وكان يجب أيضا أن يأتي هذا الاختيار بسبب جملة عوامل. ولكن بادئ ذي بدء الإشارة تستوجب للإشادة والتقدير للدور الكبير الذي لعبه الاتحاد الآشوري العالمي (AUA) في إقرار هذا اليوم ضمن قراراته في مؤتمر طهران عام 1970 والذي اصبح منذ عهده يوماً قومياً لجميع الآشوريين ورمزاً من رموز صمود وإصرار النضال الآشوري، وهذا القرار إلى جانب القرارات الأخرى التي أقرت المناسبات القومية الأخرى تعتبر من اعظم الإنجازات التي حققها الاتحاد الآشوري العالمي فقد كانت قرارات قومية وذكية جداً يستحق عنها التقدير الكبير. ومنذ تلك الفترة وبتصاعد الوعي القومي الآشوري توالت الاحتفالات بهذه المناسبة، خاصة من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات القومية والأندية الإجتماعية لا بل وحتى الكنيسة بدأت تحتفل بهذا اليوم بإقامة قداديس خاصة بهذه  المناسبة  وحسناً فعلت بأدراج السابع من آب كيوم للشهيد الآشوري في تقويمها السنوي.

 وإستجابة لهذا التساؤل وتعميماً للفائدة نذكر بعض من هذه العوامل وهي:

 1 – العلم والشعار والنشيد الوطني ونصب الجندي المجهول وأبطال التاريخ القومي والأعياد القومية والمناسبات التراثية وغيرها، كلها رموز قومية لكل أمة من الأمم اكتمل وعيها السياسي والقومي، فالسابع من آب يوم الشهيد الآشوري يأتي ضمن هذا السياق كرمز قومي آشوري فرضته ظروف نضج الوعي السياسي القومي الآشوري وحاجة الأمة إلى هذا الرمز لإبراز هويتها القومية وأهمية الحفاظ على هذه الهوية من خلال التضحية والفداء بالدماء الزكية الطاهرة لأبناء أمتنا الآشورية .

2 – السابع من آب والمذبحة المأساوية في سميل عام 1933 هو تاريخ معاصر وقريب إلى أحداثنا القومية والسياسية المعاصرة وإلى المأساة الناجمة عن الممارسات العنصرية والشوفينية ضد الآشوريين في السنوات الأخيرة وإلى يومنا هذا. إضافة إلى ذلك فإن الكثير من أبطال الحركة القومية الآشورية عام 1933 كانوا ولا يزالون لوقت قريب أحياء يرزقون، كما أن هناك شهود عيان لمذبحة سميل لا يزال الكثير منهم يعاصرون أحداث أيامنا هذه.

3 – لأول مرة في التاريخ الآشوري تتخذ الحركة القومية عام 1933 نهجاً اكثر تمييزاً واستقلالاً من حيث الشكل والمضمون عن نهج الكنيسة والدين وإن كانت في بعض جوانبها، سيما من حيث القيادة والتنظيم ( الديني – العشائري ) لها مظاهر دينية وعشائرية، إلا إنها من حيث المضمون وضمن سياقها الزمني كانت تسعى إلى تحقيق أهداف قومية تتعلق بحق الآشوريين في تقرير مصيرهم القومي .

4 – خلال أربعة قرون الماضية من تاريخنا المعاصر نشأت أحزاب سياسية ومنظمات قومية أولت أهمية للتاريخ السياسي للآشوريين الزاخر بالبطولات والتضحيات من أجل تحقيق الأهداف القومية المشروعة فكان من الطبيعي جداً، كما هو الحال مع بقية الأحزاب السياسية للقوميات الأخرى، الاستناد إلى أحداث تاريخية تتخذ منها دروس قومية لشحذ همم الآشوريين وتطوير وعيهم القومي بشكل ينسجم مع تطلعات الأمة الآشورية. فكانت أحداث الحركة القومية الآشورية والمذبحة التي أرتكبت بحق الآشوريين في سميل ملهمة لأبناء أمتنا في استمرار وتواصل النضال القومي، فأصبح السابع من أب رمزاً من رموز التضحية والفداء عند الشعب الآشوري ومنظماته وأحزابه السياسية.

5 – وفرة وتعدد المصادر والكتب والوثائق عن الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها وباللغات التي يجيدها الآشوريون كالآشورية/السريانية والإنكليزية والعربية والفارسية، وسهولة الرجوع إليها واغتراف مضامينها التاريخية والسياسية وأبعادها القومية والإنسانية واستلهام معانيها النبيلة في الاستشهاد في سبيل الحرية لتساهم بدورها في إنماء وتطوير الوعي القومي الآشوري وبالتالي إضفاء أهمية استثنائية لمعنى الفداء والتضحية بالدماء في مسيرة التحرر القومي الآشوري. ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن كتاب ماليك ياقو ماليك إسماعيل " لآشوريون والحربان العالميتان" وكتاب يوسف مالك "خيانة بريطانيا للآشوريين" وكتاب مثلث الرحمات البطريرك مار شمعون إيشاي "مأساة الآشوريين" والمنشور باسم مؤلف مجهول، فهذه الكتب سلطت أضواء مكثفة على تفاصيل الحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها والتي كتبت بنوع يتسمها نسمات من الروح الآشورية، لذلك كان تأثيرها واضحاً في نفسية الآشوريين والذين تمكنوا من خلالها استخلاص العبر والدروس القومية وبالتالي المساهمة في إنماء وتطوير الوعي القومي السياسي للآشوريين في عصرنا الحالي. وتأتي أهمية هذه الكتب في كونها كتبت من قبل رجال عاصروا الحركة الآشورية وواصلوا النضال لفترات لاحقة واحتلوا مواقع قيادية فيها، فجاءت كصورة حقيقة ناطقة عن الضمير الآشوري الذي ذبح في سميل .

6- مأساوية مذبحة سميل ودراماتيكية أحداثها الدموية وتأثيرها بشكل عميق على نفسية الفرد الآشوري وعلى الأجيال اللاحقة من جهة، وانعكاساتها السلبية في البنية الفكرية العراقية والترسبات التي خلقت في عقلية رجال الحكم في العراق من جهة أخرى، ترتب على ذلك تبعيات سياسية وقانونية سلبية على الآشوريين، كموضوع الحصول على الجنسية العراقية مثلاً والمواقف السلبية للأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق تجاه الآشوريين وفي توجيه مختلف التهم والشتائم اليهم وفي اعتبارهم مجرد "عملاء أو جواسيس أن طابور الخامس للاستعمار الانكليزي"، فكان مثل هذه الممارسات السياسية والقانونية تجاه الآشوريين سبباً في خلق ردود فعل لهذا الحدث في نفسية أفراد المجتمع الآشوري لتفرز فيما بعد نوع من التمايز القومي والوطني والذي كان له أثراً كبيراً في تنامي الوعي القومي السياسي لدى الآشوريين.

 هذه بعض الأسباب التي دفعت بالحركة القومية الآشورية عام 1933 والمذبحة التي رافقتها في سميل إلى مصاف الأعياد القومية لدى الآشوريين جمعاء وان يصبح السابع من آب مناسبة تتكلل حولها أرواح الشهداء الآشوريين جميعاً سواء أكانوا قبل هذه الحادثة أم بعدها، وهذا ما يمكن تلمسه أيضا من خلال القصائد والكلمات التي تلقى في هذه المناسبة حيث يكثر الحديث عن مار شمعون بارصباي ومار بنيامين وشهداء الحرب الكونية الأولى وأعوام سيفو ثم يكثر الحديث المبجل عن شهداء الأجيال المعاصرة الذين ودعنا أجسادهم في الأمس القريب واحتفظنا بأرواحهم وذكرياتهم في اجمل زوايا قلوبنا نستمد منهم العبر القومية والإنسانية في تسطير تاريخ أمتنا  في إصحاح يعتبر من اجمل إصحاحات التاريخ الآشوري ليكون بذلك وبحق رمزاً لخلود الأمة، ذلك الخلود الذي كان ثمنه دماء شبابنا الزكية وأرواحهم الطاهرة من أجل أن نستمر نحن في هذا العالم وأن يستمر أطفالنا في عالم الغد. فالسابع من آب يوم خالد، ويجب أن يكون كذلك لكل الآشوريين ولكل مؤسساتهم الدينية والقومية معاً لأنه واجب قومي وديني وإنساني لكل من تعمذ بروح القدس وأستحق أن يكون وريث الحضارة العظيمة التي أعطت للإنسانية كثير الكثير ولم يأخذ أبناؤها حتى قليل القليل!!!