بكر صدقي , إسماعيل عباوي

 

                      

                                   

 

 

                                                    داود برنو            

                 كثيرآ ما كان يتناهى الى مسامعنا منذ الصغر حكايات عن أحداث دامية دارت وقائعها المؤلمة على أبناء شعبنا المسيحي من (الكلدان السريان الآشوريين) على فترات زمنية مختلفة,بدءآ بالمذابح المروعة التي شملت أبناء القوش سنة 1932 وأوقعت بصفوفهم مئات القتلى الى جانب عمليات السبي والنهب كجزء من حصيلة حملة دموية قادها محمد باشا الراوندوزي الملقب (بميري كور).  

وعلى ذات السياق ما نهج عليه أمير بوتان (بدر خان) الذي حمل على منطقة تخوما في حكاري وترك فيها ركامات من جماجم أهلها الآشوريين في سنة 1946 وتعاقبت مثل هذه الفصول على شكل مسلسل إبادة عنصرية لما عصفت الأحداث في بلدة سميل التي نكبت في سنة 1933 بالآلاف من أبنائها رجالآ ونساءا.. صبيانآ وصبايا وحتى الأطفال جميعهم قضوا قتلآ وذبحآ على يد قطعات من الجيش العراقي بقيادة المجرمين الفريق بكر صدقي رئيس أركان الجيش والضابط اسماعيل عباوي مدير شرطة الموصل الذي إجتاح البلدة برفقة فرقة مدرعة لتقوم بمجزرة بتلك القرية الأبية التي كان قد نزح اليها آلاف الآشوريين هربآ من فتك قطعات الجيش في قراهم الواقعة ما بين دهوك- ديريبون- عمادية.

ومسلسل المذابح بحق المسيحيين العراقيين الذي نحن بصدده, يقودنا الى التذكير بما حصل على يد الضابط المجرم عبد الكريم جحيش الذي عمل الإبادة الجماعية في قرية صوريا في 16- 9- 1969 والتذكير دائمآ بدون أية مواربة بتهجير مسيحيي الموصل بالقتل والسلب والنهب والتشريد وبوضع النهار وأمام مرأى ومسمع المسؤولين,وما أشبه اليوم بالبوارح. حيث تم إسدال الستار على كل هذه الجرائم.

بدر خان وميركور وبكر صدقي وإسماعيل عباوي وكريم جحيش والمجرمون الرابضون وراء عباءة الحكومة العراقية بعد كل الذي فعلوه بالمسيحيين الموصليين,هذه الأسماء التي لا تليق بها إلا مزبلة التاريخ, لاشك أنها ستبقى رموزآ للتعصب القومي والديني وللجريمة المنظمة.

إن شعبنا المسيحي بتسمياته كافة (الكلدان السريان الآشوريين) قد تعودً على مواجهة حملات القمع والأضطهاد والتشريد والإبادة الجماعية خلال تاريخه العريق في وادي الرافدين, وتم التعامل مع جميع هذه الأحداث بالتعتيم الكامل في جميع العهود التي مرت في العراق وكذلك على نطاق الدول العربية أجمع, ولم نقرأ كتابآ واحدآ لأي مؤرخ عراقي, يوثق النازلات الكبرى التي ألمت بهذا الشعب الرافدي الأصيل منذ عهد شابور الثاني (ذو الأكتاف) في الثلث الأول من القرن الرابع الميلادي والى مذبحة صوريا في عام 1969 .

ونحن أبناء لهذا المكون العراقي الأصيل المهدد بأمنه وبمفردات حياته ومستقبله في الظروف العصيبة التي يمر فيها العراق منذ سقوط النظام السابق, لا ننسى الأعمال الوحشية التي أرتكبت عبر التاريخ والى هذا اليوم بحق شعبنا, ولاسيما إختطاف وقتل المطران فرج رحو رئيس أساقفة الموصل ومعه العديد من الكهنة الأفاضل, وكذلك مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد- الكرادة, التي راحَ ضحيتها العشرات من المصلين داخل الهيكل, وأرتكبت تلك الجريمة بأسم (دولة العراق الإسلامية) وهي تابعة لمنظمة القاعدة الإرهابية!!. 

ولهذا نتوسم في قيام محافظة سهل نينوى التي ستضم سكان هذا السهل ضرورة قصوى ومطلبآ ملحآ لدرء الأخطار عن مستقبل جميع المكونات القومية المستضعفة في هذا السهل التي يتربص بها رواد التعصب الأعمى.

وهنا أودً تذكير رئيس البرلمان العراقي السيد أسامة النجيفي ألا يتسرع ويتخذ موقفآ سلبيآ تجاه هذا المطلب, كما وردً في بعض تصريحاته وكأنه ضد تطلعات شعبنا في قيام مشروع المحافظة.

إن هذه المسألة تحتل المرتبة الأولى من بين القضايا التي نطالب بها الحكومة بمعالجتها,لأنها تتعلق بمستقبلنا ومصيرنا, ولا يمكن التراجع عنها, إنه التزام مطلق تجاه شعبنا,وإن تحديد مدى تعاوننا مع هذه الحكومة أو غيرها سيتقرر في ضوء موقفها من مشروع المحافظة,ولابدً من معالجة هذه المسألة بصورة مبدئية وسياسية وفي إطارها الصحيح,وإذا تحقق ذلك سيكون هذا أكبر إنتصار للحكومة والبرلمان,وفي مقدمتهم السيد النجيفي والسيد المالكي,وستكون إسماؤهما في لوحة الشرف مع القادة العراقيين الوطنيين المتميزين المخلصين لهذا الوطن والشعب,كما أن ألمكونات العراقية الصغيرة في هذا البلد ستتمتع بحقوقها القومية المشروعة الى حدِ ما ولأول مرة منذ قيام الدولة العراقية في عام 1920 .

إن ما يجري في العراق له علاقة مباشرة مع الأحداث الجارية في المنطقة,وعلى المسؤولين قراءتها بشكلها الصحيح والشامل.لقد حان الوقت للشعوب المقهورة أن تتمتع بحقوقها الوطنية والقومية كاملة وإن زمن تركيا (العصملية) قد إنتهى والى الأبدً,وعهد الأنظمة الدكتاتورية التي جاءت من بعدها, فشلت فشلآ ذريعآ في تأمين الحياة الحرة الكريمة لشعوبها,كما أن مسألة الحرية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات في هذا العصر أصبحت في متناول الشعوب, بدعم وتأييد المجتمع الدولي,لا أحداً يستطيع الوقوف أمامها. إنها كالتيار الجارف ,ربما هناك من يتسبب في تأخيرها لبعض الوقت,ولكن لايستطيع مصادرتها والتحكم بها. إنه من البديهي بأن كل مرحلة من مراحل النضال تنطوي على عناصر تعمل بالإتجاه المعاكس والمضاد لتوجهاتنا وتستغل الأخطاء والثغرات الموجودة في صفوفنا,ولكن ثقتنا عالية بقادتنا, وهناك من صمم ونذر نفسه من أجل حقوقنا للنضال بكل الوسائل المشروعة, متمسكين بكل وضوح بالخط الوطني الديمقراطي والوحدة الوطنية العراقية. بينما نلاحظ لدى أطراف معينة والتي أشار اليها السيد النجيفي قبل عدة أشهر في تصريحه بواشنطن بأن "هناك محاولات ترمي الى تفتيت الوحدة الوطنية من خلال تهميش الآخرين وإثارة أوضاع إستثنائية في المنطقة وإدامتها وتكريس لأوضاع طائفية معادية للتطور التقدمي والديمقراطي في البلاد, مما يؤدي الى تشكيل إقليم سني... ثم الأنفصال"!!.

إن تصريح السيد أسامة النجيفي بأن حدود محافظة نينوى هو خط أحمرلا يمكن لأحدِ التلاعب بها!!

إنه موقف مناقض لمضمون تصريحه في واشنطن,ويتعارض مع مبادئ الدستور العراقي, ثم يقول " أن نسبة المسيحيين في سهل نينوى لا تتجاوز 25% "!! ولكن حتى لو كانت هذه النسبة 5% فإنه من صميم مصلحتهم أن يكونوا ضمن محافظة جديدة مرتبطة بالمركز, تديرها المكونات الشقيقة الأخرى من إخواننا الشبك واليزيديين والعرب والأكراد, الذين عشنا معهم مئات السنين جنبآ الى جنب في السراء والضراء, وعانينا جميعآ من الظلم والتعسف والإهمال  الذي مارسته السلطات المحلية في الموصل ضدنا منذ بداية الحركة التحررية الكردية في عام 1961 والى يومنا هذا.

إن الكثيرين يتصورون بأن حقيقة زيارة السيد النجيفي المتكررة لتركيا تأتي من منطلق الأعجاب بالنموذج الإسلامي للحكومة التركية, ربما ينطلق من إعتقاد ديني, يريد من خلالها أن يتعامل مع المسيحيين من هذا المنطلق, وهذا يشكل خطرآ جسيمآ على مستقبل العلاقة بين المسيحيين العراقيين من جهة, والمسلمين من العرب السنة من جهة أخرى,كما إنه يشكل عاملآ في هدم هذه العلاقة التي تمتد جذورها عميقة  عبر التاريخ  ولمئات السنين.    

وإنطلاقآ من حرصنا الشديد على العلاقة التاريخية الجيدة التي كانت تربط بين قسم كبير من أبناء شعبنا مع أهالي الموصل الطيبين بشكل عام, وعائلة النجيفي بشكل خاص, نطالبكم سيدي رئيس البرلمان بإعادة النظر في موقفكم هذا وإتخاذ موقف ينسجم مع تطلعات الشعب العراقي في منطقة سهل نينوى, ولا نريد أن يحسب عليكم هذا الموقف نقطة سلبية في إدائكم السياسي, وإن موقفكم هذا قد يسئ الى سمعتكم وتاريخها ومستقبلها وأنتم بغنى عن هذا كله.

إنني متفائل بتحقيق مشروع إستحداث محافظة سهل نينوى ولأسباب عديدة , منها ظروف العراق والمنطقة والمرحلة التي نمر بها ومتطلباتها,كما أن شعبنا أكثر توحدآ من أي وقت مضى ,وهو الآن أكثر قدرة على تأدية المهمات  ومواجهة المخاطر من أي مرحلة سابقة في تاريخه, وأن زمن رواد الجرائم والمجازر من الذين وردت سجلاتهم في المذابح الدموية التي مررنا على ذكرها في السردً أعلاه قد ولى الى غير رجعة . 

وأن نظرتنا للمكونات الأخرى من الشعب العراقي قاطبة, هي الأخوة الوطنية الصادقة والدائمة في وطن واحد والى الأبد غيرقابلة للإنفصام والتجزئة.