هل أعيش ذاتي وقناعاتي؟

 

                                                    

                                   

            

                          سهى بطرس هرمز

             قال الفلاسفة وعلماء الاجتماع إن الإنسان كائن إجتماعي بالفطرة فهو لا يستطيع أن يعيش مُنفردًا أو يحيا مُنعزلاً، وإنما يجدُّ نفسهُ مُضطراً للحياة مع غيره من الأفراد في مُجتمع تقليدي مُحافظ تلعب فيهِ العادات والتقاليد والأعراف دوراً بارزاً ومؤثراً في حياتهم عبرّ العصور والثقافات المختلفة والخاضعة للبيئة والأخلاقيات والمثاليات والمحسوبيات. وهذه الأعراف والتقاليد هي بحدُّ ذاتها قيم لها دلالتها وترابطها ومعانيها وتأثيرها في نفس الفرد والجماعة، وهي تستمر وتتعمق وتأخذ مكانها ودورها الإيجابي في وجدان الفرد، فقط عندما تكون قادرة على أن ترقىَّ بالأنا الذاتية والجماعية، بحيث لا تبعد الواحد عن الآخر أو تختزلهُ في فعل دون الآخر أو تفرضهُ على جماعة دون أخرى وإنما تكون مرجع القوة للجميع.  

هذه العادات والتقاليد هي حياة المُجتمعات وتاريخها وتراثها عبرّ مسيرتها الطويلة، تنشأ عليها وتُحدد معالمها وسلوك أفرادها وأحيانا تُعد قانونًا يصعب تجاوزهُ وخاصة في المُجتمعات المُنغلقة (الأنطوائية) وكل من يخترقها يتم وصمهُ بالعار وبالفضيحة! لهذا فبعض هذه العادات والتقاليد قد تكون سببًا في أصالة مُجتمعات وقد تكون سببًا في ركودها وتهميشها، كما قد تكون سببًا في تقييد الحريات المكفولة للرجال والنساء بالأخص، من خلال ما تفرضهُ على الفرد من قيود تجعلهُ أسير كلام أو همسات أو تصرفات آخرين. ولكن نحن لسنْا ضد كل ما ورثناه من أجدادنا، ولكن لأنها تُفهم من قبل البعض بشكل خاطئ وتُمارس على البعض الآخر بصورة أخطئ! لهذا نقاشنْا سيكون كالأتي: ذاتي هل أعيشها كما أريدها أنا أم كما يريدها غيري؟ هل أكون أنا أم أكون كما يريد غيري؟

كل إنسان لهُ شخصيتهِ المُميزة والمُتمايزة، المُختلفة والمُخالفة للآخر، شخصية يتشكلها بإرادتهِ ومن إستعداداتهِ  وأقتناعاتهِ وبكامل حريتهِ دون قيود. حريةٌ داخليةٌ تكمنْ في دواخلهِ وفي أعماقهِ من شعورهِ وإحساسهِ وغرائزهِ وتفكيرهِ وتصوراتهِ وإدراكهِ وخواطرهِ وتصرفاتهِ وتقييمهِ لذاتهِ وللآخرين، وبالتالي تعكس على خارجهِ.

 أي تجولُ في نفسك وتعرف طبيعتها وبذلك تتعرف عليها وتعرفها وتفهمها وعندها تعرف كيف تتأقلم مع مُحيطك ومع غيرك ومن خلالها أيضًا تعرف غيرك ومدّى مُلائمتهِ. وهذا ما يعنينا من الحرية أن نكون أحرار من الداخل دون قيود نصنعها بأنفسنْا لأنفسنْا من خلال تقييد فكرنا وأختزالهِ ومُحاسبتهِ من خلال أفعال غيرنا، نعم نتعلم من تجاربهم ولكن لا نسجن ذاتنا من خلالها. فعندما نتحرر داخليًا نكون أحرارًا خارجيًا وعندها نكون أحرار أمام أي تقليد أو مُغريات مُعاكسة تقف ضدّ الإنسانية وفرضتْ فرضًا وبدون إرادتنا أو وجدنْا أنفسنا تلقائيًا نُمارسها.  

ومُجتمعنا المُعاصر المُكون من العديد من الأشخاص المُختلفين في التكوين الفكري والثقافي والإجتماعي والسلوكي، يعجُّ بالسلبيات والكثير من المُتناقضات والمفاهيم المشوهة في ذات الوقت. ونلاحظ أن البشر عندما يلاحظون مدّى أنتشار سلوك من السلوكيات لا يلبثْ أن تمارسهُ الجماعة ومن ثم يصبح عادة جماعية وبمرور الوقت تصبح تلك العادة أسلوبًا يتمسّك به جميع أفراد المُجتمع ككُل ويمارسونهُ دون أن يفكروا به بعقولهم مثل: الإشاعات والوقوف على نواقص الآخرين وزلاتهم، وثقافة العيب والثرثرة الفارغة، النميمة، الشتائم، الإدانة، العنف، أستغلال الآخرين، التجني، الانتقاص، الإقصاء، التعميم، تشويه السمعة، الإساءة لمُجرد الإساءة......الخ.

فمثلاً بدل أن نتهم الآخرين وندينهم في أفعالهم لمْا لا ننظر إلى أنفسنْا وأفعالها، لمْا نُتعبُ أنفسنْا ونفتش عن نواقص الآخرين وننسّى أننا نحن أيضًا واحد من هؤلاء الذين ربما قد تطالنا عاداتهم ونعاني منها. وأي واحد إذا بحث في نفسهِ وضميرهِ لوجدَ فيها الكثير من النواقص الخفية فيها والتي يراها في الآخرين ويُحاسبهم عليها! فأعلم أنك أنتَ مسؤول عن أفعالك فقط وليس أفعال غيرك، ويا ليتكَ تنظر لنفسك أولاً لئلا يُقال لك:" أيها المعلم علم نفسك".  

فبسبب هذه وبسبب الحقد والغل المُعشش في قلوب البعض للبعض الآخر يحاولون بشتّى الطرق أن يشوهُ من صورة الإنسان وينشروا هذه المفاهيم المشوهة والمغلوطة بين فئات المجتمع. وهؤلاء الذين يجدون كل هذه المُمارسات عادات مذمومة وممنوعات مفروضة عليهم وتحدُّ من حركتهم يجدون أنفسهم مع الوقت يمارسونها! بسبب عدم أمتلاكهم القناعة التامة بإقتلاعها من ذواتهم. فكيف أنتقد هذا وذاك لأن لديه عادة لا تعجبني، وأنا في نفس الوقت أذمُ هذا وذاك؟! كيف أنتقد سلوك الآخرين وأتصور أن سلوكي جيد، لذلك:" لا عذرَ لكَ أيًّا كُنتَ، يا منْ يَدينْ الآخرينَ ويَعملُ أعمالَهُم، لأنَّكَ حينَ تدينهُم تَدينُ نفسكَ" (رسالة رومية 2: 1- 2).

إذن لا يوجد إنسان حرٌّ أمام ما يفرضهُ عليه المُجتمع من عادات وتقاليد، بسبب عدم أمتلاكهِ الحرية من داخلهِ، ومادام هناك رفض لها في داخلهِ ومُمارسة لها من قبلهِ في ذات الوقت بجميع السلبيات المُمارسة! إذن نسأل أنفسنا ونسأل الآخرين: إلى أي حدٍّ نحن حقيقيون ونعيش ذواتنا؟!     

وأخيراً وليس آخراً نقول أن:

الفرد أبن بيئتهِ الجماعية يعيش كما يعيشون ويتصرف كما يتصرفون. لذا كل إنسان لابدَّ وأن يكون لهُ مبدأ ونظرة تحكم قناعاتهِ من داخلهِ وترفض كل ما من شأنهُ أن يحطّ من قيمتهِ كإنسان. فكنْ إنسان مع نفسك قبل تكون إنسان مع غيرك، وأعرف ذاتك لكي تعرف الآخرين.

ويجب على كل واحد أن يكون هو ذاتهِ وليس غيرهُ، يقول أكون (أنا) بشخصي وإيماني وقناعاتي وإرادتي وليس بشخص الآخر. ويجب أن لا نجعل من هذه السلبيات الموجودة في بعض المجتمعات سببًا في أن أبقىّ مكاني، أسمع لقول هذا فأقول مثلهُ، أنظر لفعل ذاك وأفعل مثلهُ بدون تحكيم العقل، فهذا الخطأ بعينهِ! فالإنسان يجب أن يكون حُراً من كل شيءٍ، حُراً من كل ما يسلبُّ إرادتهِ ومن كل ما يمنعهُ أن يكون إنسانًا. لأننا نحن البشر خُلقنا أحرارًا بدون قيود وأغلال، فلمْا نقيد أنفسنْا وغيرنا بقيود لا يقوّى الزمان على كسرها؟! ولتعلموا أن بعض عادات وتقاليد المجتمع السلبية أحيانًا هي من تأتينا بالايجابيات ونتعلم منها، فقط عندما ننظر إليها بعين العقل والصواب ونرفضها بكامل إرادتنا ونقتنع بأنها ليست في مصلحتنْا ومسيرتنْا.

فلتكنْ ذواتنا راقية
تتسّامى عن كُل ما يخدشُ نقائها
نحترمها ونحترم الغير .. ونترفع عَن التفاهات وعن القيل والقال.