ارحموا شنشل يرحمكم الله

 

 

 

 

 

 

                                              

                                                   صابر بن حيران

               

     من منا لا يعرف الفريق الأول الركن عبد الجبار شنشل, هذا الجندي الذي خدم الجيش العراقي منذ يوم تخرجه في الكلية العسكرية العراقية ببغداد عام 1940 وحتى عام 2003 ؟؟, ومن منا لا يعرف إنه خدم في صفوف الجيش في الحقبة الملكية, وتدرج في المراتب الحربية في تشكيلات الأنظمة الجمهورية, التي جاءت بعد الحكم الملكي ولم يكن متحزبا ولا متحيزا ولا متطرفا ولا متعصبا, كان عبارة عن جندي وطني حريص على أداء الواجبات المنوطة به على الوجه الأكمل ؟؟, ومن منا لا يعرف نزاهته واستقامته وتواضعه وصراحته وانضباطه العسكري ؟, ومن منا لا يعرف ان اسمه صار من العلامات الفارقة لصنف المشاة الآلي في الجيش العراقي على وجه العموم ؟, ومن منا لا يعرف انه قاتل الصهاينة عام 1948, وقاتلهم في حرب (1973) ؟, ومن منا لا يعرف انه أسهم إسهاما مباشراً في بناء الجيش العراقي,  ولعب دورا كبيرا في تحديثه وتطويره والانتقال به من ست فرق إلى ستين فرقة ؟, ومن منا لا يعرف انه لم توجه إليه أي تهمة ؟, ولم تسجل ضده أي شكوى ؟, ولم يصدر بحقه أي قرار من قرارات المحاكم العراقية ؟, ومن منا لا يعرف انه تميز عن أقرانه من كبار الضباط ببساطته وطيبته وعفويته, وتميز أيضاً بلكنته الموصلية الجميلة على الرغم من انه غادر الموصل إلى بغداد وهو في سن الخامسة, لكنه ظل متمسكا بمفرداتها حتى يومنا هذا ؟؟, ومن منا لا يعرف إنه غادر العراق ليستقر في الأردن من دون أن يعترضه أحد ؟, ومن منا لا يعرف إن الرجل يرقد الآن على فراش الموت في بيت ابنته بعد إصابته بالجلطة الدماغية ؟, ويمر اليوم بأصعب الظروف المعيشية, ويتعذر على أفراد عائلته أحيانا تأمين ابسط مستلزمات علاجه ورعايته ؟, ومن منا لا يعرف انه أقترب كثيراً من العقد التاسع من العمر  (88 عاماً) ؟, وانه فقد ذاكرته العسكرية والمهنية والإدارية, فهل فقدنا نحن ذاكرتنا حتى نتجاهل ابسط الأعراف والقواعد الإدارية, ونشطب حقوقه كلها من دون الرجوع إلى القوانين وأحكامها الشرعية ؟, وهل من العدل أن تتجاهل المؤسسة العسكرية العراقية استحقاقاته التقاعدية وتغض النظر عنها؟, وهل يجوز السماح للمتنفذين بالاستيلاء على ممتلكاته الخاصة المسجلة باسمه في دائرة التسجيل العقاري, والتي يقول عنها ابنه الدكتور يوسف: ان دار والده تمت مصادرتها من قبل أحد قادة (الصحوة), وان داره الأخرى استولى عليها شخص آخر من مدينته في الموصل, فهل من العدل والإنصاف الاستيلاء على بيوت الناس من دون وجهة حق ؟, أليس العدل أساس الملك ؟, وهل يصعب على الدولة العراقية شمول هذا الشيخ العجوز برعايتها وعنايتها ورحمتها وحمايتها؟. .

     ترى متى نسعى لتطبيق أبسط مفردات التسامح فيما بيننا في الميادين السياسية والاجتماعية ؟, ومتى يدرك الساسة إن التسامح هو القنطرة المتينة التي تقودنا نحو بر الأمان, وأن غيابها يفرض علينا الانكماش في نقطة الصفر فيما يسمى في السياسة بالتقوقع في دائرة الصراع المغلق. .

     ألا يعلم الساسة أن التسامح الديني يقتضي عدم التجاوز على حقوق الناس, وعدم التفريط بهم, فما بالك برجل عجوز مشرف على الموت يطلب النجدة من السيد رئيس الجمهورية لإسعاف وضعه الصحي, ويطلب من قادة العراق التدخل لصيانة حقوقه المدنية, التي أقرتها الشريعة الإسلامية, وأقرتها الأعراف السماوية كلها, وأكدت عليها اللوائح الإنسانية ؟؟. . ارحموا هذا الرجل حتى لو كانت بينه وبينكم عداوة, وكونوا كالذين قال فيهم رب العزة: ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)), ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)), ما أروع هذه القوانين الربانية التي يفترض أن نتمسك بها حتى لا نفقد التحكم بانفعالاتنا, ولا نكون طرفا في ظلم الناس ومصادرة حقوقهم. .

     لم يعد شنشل قائداً عسكريا كما كان, ولا وزيرا للدفاع, ولا رئيسا لأركان الجيش, فالرجل  يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة في الغربة, ويتطلع للعودة إلى العراق ليودع الحياة كمواطن نشأ وترعرع على تربته الطيبة, وذاد بالدفاع عن حياضه, لكنه خرج منه صفر اليدين, ولا يملك من حطام الدنيا سوى دراهم معدودات لا تكفي لعلاجه, في الوقت الذي حرمت فيه عائلته من مسكنها في العراق, وحرمت من راتبه التقاعدي كوزير, أو كقائد, أو كملازم أول, أو كجندي في الجيش العراقي, وذلك أضعف خيوط الرجاء. .