هل كانت لهجاتنا سبب فرقتنا ؟

 

   

                                         

 

 

 

 

 

 

     

                            

                                             اوراها دنخا سياوش

                في جميع لغات الشعوب هنالك لهجات، لهجات تتراوح في قربها من المصدر الرئيسي الذي يعتبر لغة الام وبعدها عنه. فلهجات اللغة العربية في دول المغرب العربي متأثرة بالأمازيغية والفرنسية الى درجة كبيرة بحيث ان التفاهم بها مع المتكلمين بلهجة اهل الخليج، العربية ايضا، تكون صعبة. ولولا اختراع ادوات الاعلام الحديثة كالمذياع والتلفزيون والقنوات الفضائية التي قللت من صعوبة هذا التفاهم لكان من الصعب جداً التفاهم ما بين شمال افريقيا العربي وابناء الخليج وبقية البلدان العربية. وكما في العربية، نجد اختلاف اللهجات ايضاً في الانكليزية والفرنسية والاسبانية والصينية وفي كافة لغات العالم، مكتوبة كانت ام غير مكتوبة، والتي يقدرها علماء اللغة ما بين ثلاثة الى عشرة آلاف لغة. فبالرغم من انه ليس هنالك فرق كبير ما بين اللهجة وبين اللغة المتفرعة عنها  الا ان بعض اللهجات صارت تطلق عليها اسم لغة نتيجة عوامل سياسية او تاريخية كالدول الاسكندنافية مثلاً، حيث اندمجت الهوية اللغوية بالهوية السياسية. كذلك العوامل الدينية والعرقية لها تأثير في انقسام الهوية بالرغم من عدم وجود فروق لغوية كبيرة كما في البوسنة والهرسك وصربيا وكرواتيا. وفي بعض الحالات نجد العكس، اي تعذر التفاهم بين المتكلمين بنفس اللهجة، ولكن لأسباب قد تكون سياسية او تاريخية او ثقافية يمكن اعتبارها لغة واحدة، واحسن مثال نعيشه على ارض الواقع هو الاكراد السورانيين والبهدينانيين، فبالرغم من صعوبة التفاهم ما بينهما الا انهم يعتبرون لهجتيهما لغة كردية.

  ولغتنا السريانية كبقية اللغات تمتلك كماً كبيراً من اللهجات، بالرغم من قلة عددنا. لهجات كانت متأثرة بالتركية والفارسية والكردية والعربية، واليوم ازداد نطاق تأثّرها الى جميع لغات العالم بحكم انتشارنا في جميع بقاع العالم، واضحت الكلمات التي لا علاقة بلغتنا تغزوها، واصبحت لهجاتنا متأثرة وبشكل ملفت للنظر بهذه اللغات، فاللكنة الانكليزية والأميركية والفرنسية والالمانية والسويدية ووو الخ، صارت تدخل من اوسع ابوابها الى حرم لغتنا ولهجاتها من غير لا احّم ولا دستور! كل هذا والبعض من ابناءها صار يوغل في الاساءة الى اليها من الداخل وينعتها ويطلق عليها اسماء طائفية، واضفاء صبغة دينية عليها بغية شطرها وتقسيمها وبالتالي تسيسها لجعل احدى لهجاتها لغة الانقساميين والانفصاليين. فبدلا من ان تكون اللهجة غنّاءةً للغتنا صار هذا البعض يستغلها لنشر ثقافة الانقسام والانفصال ليبني دولة وامة مزورة جديدة على اجنحة الريح ! متناسياً اننا الكلدوآشوريين السريان جميعاً اصبحنا نسكن بساط الريح !  

  اللهجات هي احدى اسباب غنى اللغة، ولغتنا غنية بمفرداتها، ومن خلال لهجاتها، ولولا السريانية، ما عبرت على ظهرها اليونانية لتنقل حضارتها الى العربية. لكن يبقى مدى احترام احدنا الى لهجة الآخر وكلنا من ابناء امة ولغة واحدة ؟ وجهة نظري تقول اننا في السابق وبسبب قلة الوعي القومي كنا نتسابق في التهكم على بعضنا بسبب اختلاف اللهجة الى درجة تصل حد عدم احترام الاخر! مما تسبب وعلى المدى البعيد بردود فعل جعلت الاخر يشعر بعدم انتمائه القومي، او على الاقل سارع في التكلم بلغة اخرى لتبعد عنه شبح السخرية. فان كان يعيش في الشمال تكلم الكردية وان كان في نينوى وجنوبها تكلم العربية، وهكذا صار يفقد، هو وابنائه، انتمائه وهويته القومية!

  اما الان ومع امتداد الوعي القومي علينا النظر الى اللهجة باحترام ومحبة لما في هذه اللهجات من أرث غني بالثقافة وجمال في اللغة. فتشجيع الاخر على التكلم بلهجته يجعله يشعر بالارتباط ببني جلدته ويمنحه احترام كبير، هذا بالإضافة الى تزايد الشعور القومي الوحدوي لديه، مما يزيدنا كشعب وامة واحدة قوة، لان وكما قال (گريندايزر!) ايام زمان: في الاتحاد قوة.

  في الختام لا يسعنا الان نقول بارك الله بكل (الموحدين !) الذين يتكلمون بلهجات (متفرقة !) ... والسلام (فقط !) على من اتبع طريق الــــــــــوحـــــــدة !              

    اوراها دنخا سياوش