جراح سمّيل يبست ولم تندمل

 

                                               

 

                                                 

                                                  حميد الموسوي         

 

جراح بعمر العراق ..  بامتداد امة .. بعمق وجودها

تأريخ خطته دماء بريئة ..نقية بنقاء دمع العيون .. واي دم بطهارة دماؤكم شهداءنا الابرار؟.

ندري انكم في عليين.. ونؤمن انكم تبعثون من حواصل الطيور، كونكم سلكتم درب النبيين والرسل والصديقين، واقتفيتم ثرى خطاهم فتساميتم ولهين لمعانقة عرش الرب العظيم. نعرف كل ذلك، ونحتفظ بالكثير من مآثركم الثرة، ونفاخر بنفوسكم الشماء التي رفضت الباطل وتصدت للظلم فأنفت ان تسكن اللحم والعظام. نعرف.. ونعرف ومع ذلك نستقبل ذكراكم بغصّة وحرقة ودموع.. ومتى كانت الحياة عظيمة من دون الم عظيم؟!.

أي سر أودع الرب تبارك وتعالى فيكم حتى لكأن ذكراكم حزن سرمدي متجدد ينصب صلبانا نابضة طرية متلفعة بأردية بهية أرجوانية تفوح مسكا وكافورا وعنبرا ويحفر أخدودا يرتفع لهب نيرانه سلاسل ملكوتية توصل الرواد بعرش الله سبحانه، ويثير غبارا كربلائيا ينجلي ليكشف عن قداس عاشورائي تتناغم فيه ترانيم الأناجيل بتراتيل المصاحف. وكيف لا تكون كذلك وأنتم تطرزون- منذ الأزل- جبال العراق وروابيه وسهوله وأهواره وزقوراته وأيقوناته ومسلاته بأجسادكم الممزقة، كيف لا تكون كذلك وأنتم تتعمدون بفراته ودجلته صباح مساء لتسقوا بعد الصلاة- بدمائكم المهروقة- خارطة العراق على مر العصور وتعاقب الممالك والدول والدهور!.

على أكتافكم نصب العراق قواعد شموخه.. وبعرقكم شاد حضارته، وبدمائكم رسخ كيانه وأثبت وجوده وبدأ مسيرته الظافرة قبل آلاف سبعة من السنين كأرقى اشعاع حضاري توزعت على أرجاء الكون فيوضاته.

لم تكن مذبحة "سميل" البداية، كما لم تكن مجزرة "صوريا" النهاية!، فبين هذه وتلك قوافل وقوافل: قبل سميل شموع ومواكب.. وبعد صوريا شموس وأقمار وكواكب.

تصدى الأجداد لكل الهجمات التي حاولت النيل من تربة العراق التي زرعتها أكفهم وروتها دماؤهم قبل تشرفهم بإطلالة الفادي يسوع.. وبعد تجشمهم أعباء رسالته الانسانية وتضحياتهم الجسام في سبيل نشر أنوارها القدسية، ولم يقفوا عند حد حتى انبرى بعضهم لنصرة الحسين في ثورته العظيمة المدوية فضم ضريحه الطاهر أجسادهم الشريفة بشغف!.

وتسمّر الأولاد تشبثا بأرض الأجداد دفاعا عن قيم ومقدسات وانتزاعا لحقوق مهضومة فأمطرتهم مدافع الحقد الأسود ببارودها الأزرق، وداستهم دبابات الطواغيت بسرف ظلمها وتعسفها واستهتارها بأبسط القيم الانسانية واعلاها واستبسل الأحفاد تحديا وصمودا ليحفظوا هوية أمة ويصونوا تأريخ شعب، متقدمين الصفوف في بناء العراق الجديد، لتتربص بهم قوى الارهاب الضالة فتطالهم في كنائسهم، وتشردهم من مساكنهم، وتطاردهم في أماكن عملهم وتغتالهم وهم يؤدون الواجب في خدمة وطنهم وشعبهم مع ما امتازوا به من مسالمة ورأفة ودماثة وخلق واخلاص. فما استكانوا وما وهنوا!.

والفضل والسابقة لكم أيها الشهداء الأبرار.. فطوبى لكم ومرحى ولتقر عيونكم ولتهنأ أرواحكم في حبور فدماؤكم الزاكية صارت نواقيس ومآذن منها نستمد العبرة والقوة والثبات في سبيل نصرة الحق، ومنها نتعلم التصدي الحازم لقوى الشر والظلام.