أسامينا !

 

   

                                         

 

 

 

 

 

     

                            

                                                             اوراها دنخا سياوش 

 

 

  اسامينا ... شو تعبو أهالينا تلاقوها .. و شو افتكرو فينا     
بهذه الكلمات تبدا فيروز اغنيتها (اسامينا)، لما للاسم من اهمية في حياة الانسان. الاسم ليس كلام فقط وانما معنى وتاريخ وتراث وعادات وتقاليد ... الاسم في رايي المتواضع يمثل مجتمع بكافة تفاصيله. فعلى سبيل المثال اسم آشور او سركون او ميخائيل او دنخا او نرسي او افرام يعبر عن المجتمع الكلدوآشوري السرياني (المسيحي)، واحمد ومحمد ومحمود وعلي وعباس وطه يعبر عن المجتمع العربي (المسلم)، وشاميير وكوهين وموفاز يعبر عن المجتمع الاسرائيلي (اليهودي)، وسوزوكي، وناكاياما، وتاناكا، وساكاتا تعبر عن المجتمع الياباني (البوذي) .. وهكذا بالنسبة لبقية الشعوب والمجتمعات.   

الاسم وبحسب ويكيبيديا هو كلمة بصيغة الاسم (لغة) أو أكثر تستخدم للتعريف بشخص أو حيوان أو غيرها وذلك لتمييزه عن الآخر. وعملية اختيار الاسم تتأثر بالزمان والمكان، يتم اطلاقه من قبل الابوين على المولود الجديد متأثرين بالبيئة والمجتمع الذي يعيشون فيه. ففي الجاهلية كان للطبيعة الجامدة والحية دورها في التسمية عند العرب، فمنها جاءت الكثير من الاسماء كصخر، وحجر، سيف، ونمر، واسد، وعقاب، وشاهين، وحنظلة وهو من نباتات الصحراء شديدة المرارة، وقتادة وهو شجر صلب كثير الشوك، ومها، وريما، وبيداء و..و... والقائمة تطول.

كذلك ابناء شعبنا الكلدوآشوري السرياني فقد كان للظروف التاريخية تأثير كبير وكبير جداً على اسمائنا. ويمكن تقسيم اسمائنا الى اسماء ما قبل الميلاد وبعده. فقبل الميلاد كانت اسمائنا وكما اخبرنا التاريخ نابعة من الاساطير والمعتقدات في تلك الفترة، كآن ، وآنو، وانليل، وعشتار،  وكالكامش، وانكيدو، وآشور ،ومردوخ، وسركون، وحمورابي، ونبوخذنصر، وسنحاريب، واسرحدون... الخ. اما بعد الميلاد وبعد اتخاذ المسيحية ديانة، فقد برز تأثير الاسماء التوراتية، ابتداءً بآدم وحواء، وابراهيم، وسارة، ويوسف،  واسحق، وميخائيل، وجبرائيل ...الخ من الاسماء التوراتية، مع بقاء البعض من الاسماء التراثية القديمة كأشور، وسركون، لتكون حلقة وصل ما بين الحقبتين، باعتبارها اسماء تاريخية حصراً  بالمسيحيين فقط.

ومع ما عاناه شعبنا نتيجة ديانته بالمسيحية وانتشاره بين بقية الامم واولها العرب ومن ثم الاتراك والفرس، صارت اسمائهم تتأثر بالوضع الجديد. فالأسماء التوراتية لم يكن وقعها بالجيد في المحيط الاسلامي، فصار لزاماً على الاباء، ان يتم تغيير اسماء ابنائهم، ومن دون ان يلزمهم احد عنوة (ما عدا سوريا حيث جرى تعميم ضرورة التسمية بالأسماء العربية بغض النظر عن القومية الاصلية) وانما الشعور بالحفاظ على شعور ابنائهم من معاكسات وازعاجات المحيط الجديد الذي لا يتقبل الاسماء التوراتية المقرونة بالمسيحية واليهودية. فبدأت الاسماء العربية تخترق وتشق طريقها بسهولة في مجتمعنا الكلدوآشوري السرياني، وصار عامر وعامرة وثامر وثامرة وسلوان وسلوى واسامة وسامية ورامي ورؤى وفادي وفادية وعلاء وعُلا وأمير وأميرة ومنير ومنيرة وغيرها الكثير الكثير.

ومع التقدم العلمي والتقني والاعلامي والفني والرياضي ومدى تأثيرها على عقل الانسان بصورة عامة، ظهر هذا التأثير جلياً وواضحاً في اسماء ابنائنا، فالمعجب بممثل او ممثلة اسمى ابنه او بنته باسمه او اسمها، والمولع بالثقافة اسمى وليده باسم احد الادباء الذين تأثر بهم والمهتم بالسياسة لم يدع الفرصة تذهب من تسمية مولوده باسم السياسي الذي اعجب بشخصيته، كهتلر وموسوليني وصدام، وهكذا الرياضي ايضاً، حيث صار يختار مارادونا ومسي ورونالدو اسماء لأبنائه. وتحضرني قصة حقيقية حصلت مع احد ابناء شعبنا الكلدوآشوري السرياني الشغوفين بكرة القدم ايام اللاعب الارجنتيني مارادونا. فقد منّه الله بمولود ذكر، وكان عليه ان يعطي اسم لابنه، فذهب الى ادارة المستشفى ليسجل اسم ابنه في شهادة الميلاد، ودخل على الموظف المسؤول الذي كان بعيداً جداً عن رياضة كرة القدم.

ـ مرحباً

الموظف: اهلا وسهلاً .. تفضل.. امر خدمة !

ـ خادم ربك استاذ.. اجاني ولد واريد اسجل اسمه بشهادة الميلاد !

الموظف: اي مبروك مبروك الله يخلليلك اياه .. انشاء الله يتربى فعزك !

ـ اشكرك استاذ .. الله يخليك ويخلي ولادك !

الموظف: وشراح تختار اسم المحروس على الخير !

ـ راح اسمية مارادونا !

الموظف: شنو ؟!

ـ مارادووونا !

الموظف: متگوللي منين جايبه هالاسم ؟!

ـ استاذ .. اكو واحد بالدنيا ميعرف مارادونا .. اللاعب الدولي الشهير بالطوبة ؟؟!!

الموظف: لا والله !! .. وهذا اللاعوب منين يابه ؟؟!!

ـ ارجنتيني ... بس هسة يلعب بنابولي وهو خلاهم ياخذون الدوري الايطالي !!

الموظف: يعني حضرتك ما لگيت لاعب تاخذ اسمه وتنطيه لابنك غير هذا الارجنتيني اللي ما ادري شسميته ؟؟!!

ـ مارادونا .. مارادونا !!

الموظف: اي .. مارادونا.. يعني ماكو لاعب عراقي تخلي اسم ابنك على اسمه ؟؟!!

ـ استاذ .. قابل تريد اخلّي اسم ابني عناد عبد.. وين مارادونا وين عناد عبد ؟؟؟؟؟؟!!!!!!

الموظف هازاً برأسه: بكيفك عمي بكيفك ... مارادونا .. مارادونا.. قابل هو ابني ؟؟!!

اما الان وبعد ان تشتت ابناء شعبنا في جميع دول العالم، وبالرغم من مساحة الحرية والاحترام التي يتمتعون بها لكننا نرى الغلو في ابتعادهم عن الاسماء التراثية والوطنية التي تربطهم بأبناء جلدتهم وتؤصل انتمائهم وتمنع الذوبان في المجتمعات الجديدة وبالتالي الاندثار. فتخيل عزيزي القارئ كيف ستؤول اسمائنا بعد قرن من الزمان في كافة ارجاء المعمورة ان استمر عدم الاهتمام هذا بأسماء أجيالنا. انها بالتأكيد ستتراوح ما بين جيفرسون في اميركا وبيورن في المانيا والله اعلم ماذا ستكون في الصين وفيتنام !!!

في الختام لا يسعنا الا ان نقول بارك الله بكل من يستمر في تسمية ابناءه بأسامينا ويبتعد عن الاسماء الغريبة حفاظاً على كياننا من امواج بحر الاسماء التي صارت تعصف بنا من كل حدب وصوب !!