المسيحيون في اقليم  كوردستان بين دعوة القادة وخطبة الجمعة

 

                                          

                                                                                                  

                                                                             شمعون شليمون

         لم نشك يوما في صدق نية فخامة الرئيس جلال الطالباني في دعوته للمسيحيين اللجوء الى اقليم كوردستان كملاذ آمن بعد ان تعددت الإعتداءات عليهم في محافظات بصرة وبغداد ونينوى والرمادي. كما لم نشك ابدا بدعوة سيادة الرئيس مسعود البرزاني في دعوته للمسيحيين للجوء الى اقليم كوردستان حيث سيتمتعون بكل ما يتمنونه من الحرية والأحترام في المناطق التي تقع تحت نفوذ حكومة اقليم كوردستان. وكلا الدعوتين قبلت بالايجابية والترحاب. وفعلا عاد بعض من أبناء كوردستان من المسيحيين الى قراهم والآخرون الى مركز المحافظات دهوك واربيل والسليمانية. ليبدأوا حياة جديدة وبأمل جديد، ورغم بعض الصعوبات الإدارية والروتينية غير أنهم قرروا البدأ من جديد.

والكثير منهم ظن أنه وصل الى ارض الميعاد التي يحلم بها والتي كان قد غادرها في بداية الستينات والسبعينات من القرن الماضي رغما عنه. كما اعتقد الكثيرون أن حكومة اقليم كوردستان ارست دعائم الحرية والديمقراطية، والتجربة يمكن أن تكون مثالا يحتذى بها في العراق، الى الجانب الوضع الأمني والإقتصادي.

ولكن ما ظهر يوم  الجمعة المصادف 2/11/2011 . يخيب كل الآمال بل يجعلنا نخاف على مستقبل المسيحيين في كوردستان اكثر من خوفنا على مستقبلهم في بغداد ونينوى والبصرة والرمادي وكركوك. ففي هذه المحافظات رغم تعرض المسيحيين الى ابشع صور القتل والخطف والترهيب، من قبل مجموعات إرهابية بشكل عام. غير أننا لم نجد يوما عملا إرهابيا أستهدفهم بشكل جماعي وفي يوم واحد أن يخرج المئآت من الشباب بعد خطبة الجمعة ويتوجهوا الى المحلات والكنائس والمصالح التي يمتلكها المسيحيين وغير المسلمين. ويتم حرقها في ثورة غضب، وأما عيون رجال الامن والشرطة والجيش والمقرات الحزبية التي وقفت خائفة أو كانت في عطلة نهاية أسبوع، دون أن يتدخل آي طرف من هذه القوى في منع هذه الهجمات. فهذا شيء لا بد من الوقوف عليه بإمعان والنظر اليه من وجهاته المختلفة.

أولا: يبدو أن صوت  خطباء الجمعة من الإسلاميين المتشددين  في اقليم كوردستان اعلى من صوت القادة السياسيين بل تطاول على صوت  الأخ مسعود البرزاني رئيس اقليم كوردستان. بعد ان تكررت الإعتداءات في منطقة ديرة لوك بعد زيارة سيادة الرئيس لمحافظة دهوك وقضاء زاخو وتصريحه أنه سيحمل السلاح لحماية المسيحيين واليزيدية والحرية في كوردستان.

ثانيا: أن هناك جهات سياسية تتبنى الفكر التكفيري في أقليم  كوردستان تعشعشت في مرافق الحكومة والأجهزة الأمنية بل وحتى الحزبية، تتلقى أوامرها من خطبائها ورؤسائها التكفيريين غير مبالية بكل القيم والمبادي التي تؤمن بها حكومة أقليم كوردستان واحزابها السياسية.

ثالثا: إن جهات إسلامية  متشددة في أقليم كوردستان استطاعت  أن تجند المئات من الأخوة الكورد في تنظيماتها  كما حولت المساجد في أقليم كوردستان الى مقرات تنطلق منها دون خوف  بل بكامل قواها لا يردعها شيئ.

رابعا: أن هذه التنظيمات  استطاعت أن تزرع العشرات من عناصرها  في الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش في أقليم كوردستان، الى درجة أن هذه الأجهزة وقفت مشلولة أمام موجة التخريب والحرق والإعتداء التي طالت مصالح المسيحيين وغير المسيحيين.

خامسا: أن حكومة اقليم  كودستان التي كانت تفتخر بتجربتها في نشر مفاهيم الحرية والديمقراطية والتسامح الديني. تم سحب البساط من تحت قدميها في غفلة منها. وتعشعش الإرهابيون في ربوعها بل اصبحوا مصدر خطر وفشل لمستقبل هذه التجربة.

سادسا: إن الأجهزة  الإعلامية والتربوية في أقليم  كوردستان بعد ما يقارب عشرون عاما من الإستقلال فشلت فشلا ذريعا. فهي  لم تتمكن من تربية اجيالا تؤمن بالديمقراطية والحرية والتعايش السلمي. بل على  العكس أن معظم من شارك في عمليات التخريب  كانوا شبابا دون سن الخامسة  والعشرين. وهذا يقضي اعادة النظر  في المناهج التربوية ومدى سيطرة الإسلام  المتشدد على هذه المناهج والمدارس. 

سابعا: من المعلوم  أن المؤسسة الدينية في كل بلد يجب  عليها أن تؤمن بدستور ذلك البلد أو الإقليم. ولا يحق لها مخالفته. ولكن يبدو أن المؤسسة الدينية في اقليم كوردستان ضربت بالدستور عرض الحائط لابل استهزأت بكل القيم والمبادئ التي يدعو اليها القادة السياسيين في اقليم كوردستان.

ثامنا: هناك قانون  في العراق وفي اقليم كوردستان يحاسب  كل من يدعو الى العنف والتمييز الديني والطائفي ويحرض على العنف. فهل  رجال الدين في اقليم كوردستان معفيين من هذا القانون ويحق لهم الدعوة الى العنف والتخريب والإرهاب. وأمام  اعين الأجهزة الأمنية التي احتارت أو وقفت عاجزة أمام موجة العنف.

تاسعا: على حكومة أقليم كوردستان تطهير مؤسساتها ومناهجها التربوية، كما عليها تطهير اجهزتها الأمنية من التكفيريين المتعشعشين فيها. بل وإعادة النظر في تأهيل عناصر الأجهزة الأمنية والحزبية والإدارية. فالخطر القادم يهدد حكومة اقليم كوردستان واحزابها السياسية التي تؤمن بالديمقراطية.

إننا نحلل بعد أن حذرنا العشرات من كوادر كلا الحزبين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني بمخاوفنا من نبض الشارع في أقليم كوردستان بعد أن بدأ الإسلام المتشدد يسيطر عليه. ونتسائل وكلنا أمل أن تكون الأجوبة مقنعة، ومرضية، بل وحاسمة من قبل حكومة اقليم كوردستان. فعليها تقع مسؤولية حفاظ على أمن المنطقة، بل ومسؤولية حماية مستقبل المنطقة