متى إنطلقت الصحافة الحرّة في بلدة بخديدا / قره قوش؟

 

   

                                         

 

 

 

 

     

                            

                                             صلاح سركيس

 

 

    إخترت هذا العنوان الاستفهامي لهذه المقالة ليأتي الجواب سريعاً وتحديداً لتاريخ بدء الصحافة الحقيقية والفعلية والمعروفة والمعمولة حالياً ، حيث جاءت بعد التغيير الإعلامي الكبير والواسع ،عام التقلبات والفوضويات  2003  ولأول مرة في تاريخ بخديدا  من خلال إطلاق الحريات الصحفية والإعلام الحر ، فقد صدرت فيها أول مطبوع ، وعلى وجه السرعة إجتمع المثقفون والشعراء لإصدار جريدة تمخضت بعد إنحصار إعلامي مكبوت طال أمده كثيراً ، فسميت بعد توحيد الآراء بإسمها ( صوت بخديدا ) وبالسريانية ( قالا دبخديدا ) ، ورئيس تحريرها الشاعر الدكتور بهنام عطالله منذ صدورها في الأول من حزيران عام 2003 ولحد الآن ، هذا الصوت كان مخفياً ومطبقاً عليه بفضل سياسة تكميم الأفواه والألسنة والماكنة الإعلامية الضخمة التي كانت جاثمةً على صدور الصحفيين والمثقفين والأدباء والشعراء ، هذه السياسة كانت تمارسها أفواج من العاملين في الرقابة الصارمة والحازمة من النظام العراقي البعثي السابق ، فخرج هذا الصوت المدوي والمفاجيء بعد ان كان محظوراً ومحدوداً جداً  لا يتجاوز معنى الصحافة المهنية والحرّة ، وكان هذا الصوت المبحوح بالشعر المداح وهو الغالب والمساير لأفكار الثورة الممجدة  والقائد الواحد والأوحد  وبالقصة التي لايمكن لها أن تتجاوز الخط البعثي ، وكل الكتاب الذين كانوا يكتبون والذين إرتضوا لأنفسهم أن يكتبوا ، قالوا لهم ، أكتبوا أولاً للقائد والثورة والمسيرة الظافرة ! ولا تخرجوا عن هذا الإطار الواحد والفكر الواحد والقلم الواحد والفوهة الواحدة ، ومنهج واحد لا يمكن لأي قلم أن يتجاوزه  مهما كان جريئاً ، هذا المنهج الإعلامي كان منهج المدح والتبجيل والتدليس والتأليه ، فكان منهجاً سائداً وشمولياً يعرفه أكثر الكتاب الصحفيين الآن العاملين في الصحافة الحرة حالياً والمكبوتة سابقاً ، وجيش من المداحين والمتزلفين والمتملقين كانوا وراء الحصول على مكارم مقابل المدح والمجد الباطل !

هل هذه هي صحافة ، ام كتابة تقارير وتعابير تصبُّ في موضوع واحد وتتكرر هذه التعابير والمواضيع سنوياً ولمدة ما يقارب (30 ) سنة ونحن على هذا المنوال الممل ، لأن الصحافة حرية في التعبير  ورسالة إنسانية ينبغي أن تعبّر ما تراه وتكشفه أمام الراي العام ، وتعلمنا ودرسنا في مناهج الصحافة الأكاديمية إن الخبر أو الحدث لا يمكن كتابته وصياغته  من مصدر واحد ولا يمكن ان يصاغ على أهواء شخصية وحزبية ، بل أن يصدر أكثر من مصدرين ، وهنا لا نريد أن نُعَرّج إلى الصحافة والدراسة التي يجب أن يتعلمها الصحفي المتمرس على يد أستاذ جامعي ، ولكن نختصرها بجملة ( بأن الصحافة لم تعد هواية فقط ) بل دراسة على يد استاذ وممارسة وتجربة وهواية ورغبة  وخبرة يومية وملاحقة الأحداث والعناوين ، أنها مهنة حرّة وليس إجبارية من احدٍ ، فلم يكن في بلدة بخديدا أي صحفي  من هذا النموذج قبل هذا التاريخ اعلاه  ومنتمياً إلى نقابة الصحفيين العراقيين وأولهم كاتب المقال بهذه الأعداد الكبيرة إلاّ بعد عام 2003 ، حيث فتحت المجالات الإعلامية والثقافية والفنية والشعرية والأدبية وإصدار المجاميع الشعرية والقصصية بهذا الكم الهائل وانتشارها في اوسع ابوابها .

   واليوم بخديدا زاخرة وزاهية بعدد كبير من الصحف والمجلات والنشرات والدوريات يترأسها  رؤساء تحريرخديديون ومديرو تحرير ومحررون ومراسلون ومصممون ومصورون وفنيون وبرامجيون وإذاعيون ومذيعون ومقدمون برامج ومعدون ومنتجون ، هؤلاء إكتسبوا خبرات صحفية وتعلّموا وعلّموا  ، هذا الكم الهائل من العاملين في الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة والمعلوماتية ومهما كان نوعها ،جاءت بفضل التحرر الإعلامي من قيود الصحافة الواحدة آنذاك ، فإذاعة صوت السلام من بخديدا جاءت بعد عام 2003 وإذاعة آشور أسست في بخديدا في نفس العام،  ومكتب قناة عشتار ومجلة الإبداع السرياني  عام 2006 ومجلة النواطير ومجلة الأعيان وجريدة الحياة الجديدة عام 2004  ومجلة مَوتوا عمّايا (المجلس الشعبي ) وجريدة سَورا ( الأمل) وصدى السريان وجريدة نيشا ونينوى الحرة عام 2003  ومجلة المثقف السرياني المتوقفة حالياً  واخيراً صدرت مجلة تُعنى بشؤون المرأة ( إنانا) ، فضلاً عن العديد من المجلات الكنسية والروحية والطقسية  مثل مجلة شراع السريان والشبيبة والمجلة الليتورجية ، إضافة إلى توزيع صحف من ابناء شعبنا خاصة والعراق عامة داخل بلدة بخديدا ومنها جريدة بهرا (الضياء) والمثقف الكلداني وطريق الشعب وسيمثا ( الكنز) وعنكاوا وغيرها من الصحف التي كانت ممنوعة من النشر والتوزيع وتحت رقابة شديدة وصارمة ومُحكمة ، وقد أجزم هنا إن بخديدا هي عاصمة الثقافة السريانية والعربية في سهل نينوى بعد عام 2003  وهذا التاريخ  يجيب على ان الصحافة في بخديدا بدأت فيه ، وفي الختام نطلب من كافة الصحف  إعتماد المهنية والجرأة الصحفية في تطبيق منهج الجريدة الذي يقول ( المقالات التي تنشر تعبّر عن رأي كتّابها ) وكذلك مراعاة صياغة الخبر الصحفي بموضوعية وإتباع الأساليب الصحفية المتبعة في مهنة الصحافة  وتعيين مصحيين لغويين لتجنب أخطاء لغوية ونحوية ومطبعية وإملائية خدمة لصحافة ناجحة ومتطورة لرفع شأن صحافة بخديدا ( ولو كان الإعلام رجلاً لقتلته قبل ان يقتلني ).