موسوعة العَم الياس

 

   

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

صفحة من مذبحة سميل 1933

استرسل العم الياس عن بدايات مذبحة سميل يوم الشهيد الكلدو آشوري السرياني ,في 7 آب من عام 1933 وذكر بان شقيقهِ المرحوم داؤد والد الاستاذ جورج داؤد مرقس رأى بأم عينيه ِ15 شابا من ابناء شعبنا من خلفية منطقة تياري ,مربوطين بالبعض وقادوهم الطغاة الجبناء إلى منطقة قرب الجسر العباسي (كَشرّا ددَلالّي)وهناك قال احد الجزارين المشرفين على إعدامهم لشاب وسيم من بينهم "فان أصبحت مُسلما فاني سوف اعفي عنك وتنفذ بجلدكَ " فَرَدَ الشاب الوسيم بجواب كالأسد الضاري لا يمكن ذكره لشدة كلماتهِ, وقال كذلك وهل من اجل كمية حقيرة من الدم أبيع مسيحيتي فهيهات مني الذلّ !! , ثم تم رميهم جميعا بوابل من الرصاص .ولم تنحني وتهتز قامته السنديانية الرشيقة ويبيعوا قيمهم وايمانهم مقابل حياة الذّل والمهانة وأمام جبروت الموت وطغاته المذلولين, هذه كانت صفحة مشرقة من تاريخ هذا الشعب المقدام .

 

ثم ذهب بنا العم في جولة مفصلة برفقة المناضل القومي الكبير لامتنا المرحوم أغا بطرس إيليا ,منطلقا من منطقة هكاري,إلى أورميا في إيران ومن ثم إلى همدان وبعقوبة ,ووفق جولة دموية ومنظر تراجيدي مأساوي يدمي ويبكي القلوب الحجرية, وكيفية تكالب القوى الاستعمارية وبالتعاون مع نفر ضال من داخل بيتنا القومي , وإفشال مشروعه القومي في إنشاء كيان خاص بشعبنا , مضيفا كان له 12 أوسمة رفيعة , ولدى محاكمته وَقَفَ لهُ الحضور احتراما وهيبة لمستواه الدبلوماسي والعسكري الرفيع ,وقولهٌ المأثور لرؤساء العشائر "اتحدوا وإلا ستبيدُ هذه الأمة ", ونفى إلى فرنسا ليموت هذا البطل المغوار مسموما هناك وليسقط من على صهوة جواده الرهوان ,ويموت موتا لا يليق بمستواه النضالي البطولي ,فكان يتمنى الموت غاطسا بدمهِ في خندق حقوق امتهِ,فالمجد كل المجد له ُولذكراهُ العطرة.

  

 حيث شهدت هذه القرية الوديعة الرابضة بين جبال شمال عراقنا العزيز المظالم الويلات من جراء الفلتان الأمني عبر نفر ضال من السائبين وحثالات المنطقة .

فاجعة مأساوية :

في عام 1930 زَوّجّ احد أغوات الأكراد ابنه وبذلك أرسل هدايا (خَلياتا ) لرؤساء القرى مجتمعة في منطقة السندي , وأرسل (يَلك قُتكّي )أي القصيرة ( جوخ )إلى المرحوم كوما الذي كان رئيسا لقرية يردا آنذاك,فاعتبرها السيد كوما هدية لا تتناسب ومكانته الاجتماعية , فردها لصاحبها رغم نصيحة بعض الناس له بعدم فعل ذلك, ولدى إرجاعها لصاحب الدعوة اعتبرها هو كذلك أهانه لمكانته بين العشائر ,وبذلك كنّ له بالضغينة في قلبهِ, وبعد فترة أرسل ذلك الشخص 15 شخصا من البلطجية وقطاعي الطرق المرتزقة وهم شلة غايتهم السعي لملئ جيوبهم بالحرام وإشباع غرائزهم اللا انسانية. وجاءوا إلى السيد كوما اشعيا وطلبوا منه 7 بدلات ( الشال والشابك ), كأمر تعجيزي وعيونهم الشريرة تقدح بنار الغضب والبليّة ,وهذا كان مكلفا وغير ممكن , فرد عليهم كوما نحنُ لسنا هَربوليين أي في قرية هَربول كانوا أهلها نساجين مهرة لهذه الملابس التقليدية, فرد احد البلطجية بالكردية أن هؤلاء الناس ليس لديهم أي طريق , (ليتلَي جوّ اورخّا) ,فعلم السيد كوما اشعيا نيتهم الشرانية المُبيتّة ,وكان معهُ عدد رجال القرية مع صبي ذو العشر سنين وهو سليمان عوديشو ,فقال كوما بالسريانية للصبي ( سي ودرّيلي اني بزيي كَاو كَومّا ) أي اذهب وخبأ المثقوبات كناية عن السلاح في الحظيرة, ففهم احد المرتزقة الجلادين كلامه وتبعه عن بُعد وفي الحظيرة طعن هذا الطفل البريء بخنجر حيث شق بطنه وخرجت أمعائه فمات َالصبي في الحال ,ثم قادوا الآخرين وهم ( متي مرقس , عوديش كوما ,كوركيس شابو صبنو , كوما شعيا وإلى خارج القرية, وهناك دارة الدائرة عليهم فربطوهم ورموهم بالطلقات النارية فماتوا كلهم رحمهم الله .

اما الاخرين ففروا بقدرة القادر وكان من بينهم شاب اسمهُ بطرس شابو اوراها فتذرعَ طالبا الرب ان تخلص من هذا الموت المحقق وان كتبت لي الحياة فسوف انذر نفسي لخدمة مذبح الرب طوال حياتي . وهذه كانت مذبحة مروعة لأهالي القرية, ونقطة سوداء في تاريخها , ووصمة الذل والعار في جبين مرتكبيها الجبناء. إلى جانب الكثير من الظلم والجور من بعض القرى الكردية في المنطقة كغزو قطعان الماشية والسطو على الأملاك وهَلّم جرّا, الى جانب وجود قرى كردية اخرى مسالمة, كانوا اهلها  طيبين ويمدون يد العون والمساعدة بشتى الطرق لقرى شعبنا الكلدو اشوريين السريان اثناء المحن .

 سيامة القس المرحوم بطرس شابو يردايا

وبعد ان تخلص الشاب اليرداوي بطرس شابو اوراها من مواليد  1914 مع عدد اخر من رجالات القرية من تلك المذبحة , قصد مدينة الموصل لينفذ الوعد الذي  قطعهُ على نفسهِ ويتعلم في السينمار ليكون قسا في المستقبل, ولاسبب أو لآخر تعصب وانزعج كثير خلال الدراسة وعلى إثرها شق طريقهِ إلى لبنان واقسم بان لا يرجع إلى العراق بعد ذلك .

وعند ذهاب مثلث الرحمة المطران يوحنا نيسان المنحدر من قرية دهوكي من تركيا , إلى روما ورجوعه عبر بيروت ,وخلال قداس في بيروت خدم الشاب بطرس شابو في القداس كشماس , وبعد انتهاء القداس سأل المطران عن خلفية الشاب فقالوا له انه من قرية يردا فقابله المطران وقال له إن صوتك رخيم وشجي!! إني سوف أرسمُكَ قسا لقريتك يردا إن قبلتَ , فقال كلاّ يا سيدنا فليس بمقدوري الرجوع لأنني تحت القَسَم ( تخوت ايمَيتا ), فرد عليه المطران لا يا وَلدي فسوف احلّ قَسَمك (بشارن مَوماتوخ ). وفعلا فعل ذلك وأرجعه ورسمه قسا سنة 1940 ليخدم في قرية يردا, والقرى المجاورة بتفاني واخلاص وحزم ويشهد لهُ اهالي تلك القرى والمسيحية والمسلمة معا .

وكانت لهُ جولات مكوكية في تلك القرى ليخدم الرعية ولم تكن توقفهُ وتصده الامطار والثلوج وسد الطرقات ,والظروف الامنية الغير مستقرة للمنطقة ,ولم يكن يفرق بين الليل والنهار خلال شق طريقهِ وسط تلك الظروف الصعبة ليصل الى من هم بحاجة لهُ من مسح المرضى المشرفين على الموت مشَختّا, ومراسيم دفن الموتى او رشَمتّا و معمذتّا  رسم وتعميد الاطفال او بوراخّا عقد الزواج ,وفض النزاعات والخلافات في تلك القرى المسيحية والمسلمة ,فكان عادلا مستقيما لا يحيدُ عن قول الحقيقة , وان كلفتهُ رأسهُ ,ويجد ذاتهُ وسط مجالس اليتامى  والارامل والفقراء وذوي العوق والحزانى والضالين ليساعدهم و يؤاسيهم ياخذ بيدهم نحو بر الامان وغيرها ويشهد لهُ بالبنان, وبعد شيخوخة صالحة ومؤقرة ,وخدمات جليلة لاكثر من اربعة عقود من الزمن انتقل الفارس الجبلي الى الاخدار والامجاد السماوية في 18 تموز سنة 1983 , لكن ذكراه الطيبة والمقرونة بالعمل المجد ظلت وما تزال وستبقى في اذهان وعقول من عاصروه وسمعوا عنهُ , وبلا شك ان السيرة الحسنة والذكر الطيب يعتبران العمر الثاني للانسان بعد غيابهِ جسديا عن هذا العالم , رَحمَهُ الله واسكنهُ فسيح جناتهِ مع القديسين والابرار .