دخان بلا نار تصاعد في رمضان

 

   

 

                                              

                                                فادي كمال

 

 

لرمضان طعم خاص في بلادنا العربية حيث يكسر روتين الحياة اليومية، ويتحول الشهر الى فترة للتغيير، يغور فيه الأنسان لذاته ويبحث في داخلها عن ما أضاعه خلال عام من الزمن، وفي رمضان نغرق بكم هائل من الاعمال التلفزيونية الدرامية، يجتهد أغلب النجوم في الظهور متميزين في محاولة لأثبات حضورهم الفني.

ويبدو اننا خلال السنتين الأخيرتين، غدونا نعاني من تخمة في كم هذة الأعمال، الاتية من كل حدب وصوب، فنجد فيها الغث السمين الممتليء بالافكار والذي يحاول معالجة قضايا لها قدر كبير من الأهمية تمس مجتمعنا وحياتنا، والقسم الاخر تجاري يبحث عن الربح السريع في محاولة لأصطياد الجمهور، والذي بدوره يبحث عن ما يلهية ليقتل به أوقات الصوم المتعبة.

لست بصدد مناقشة الأفكار الفنية للأعمال التي قدمت هذة السنة، ولكني رغبت أن اشير الى ظاهرة سلبية لفتت انتباهي في عدد غير قليل من الأعمال التي تابعتها، لا اعلم أن كان استخدامها بهذا الشكل التي ظهرت به مقصودا يخفي بين طياته أغراض تجارية، أم جاءت بشكل عفوي فني تطلبة سير الأحداث الدرامية.

أن ما أحببت لفت النظر الية هو ظاهرة انتشار التدخين وبشكل مفرط في اغلب الاعمال الدرامية التي تابعتها، فأنتشارها وبهذا الشكل وبمبرر أو حتى بدونه شكل علامة استفهام كبيرة بالنسبة لي كمشاهد، وتسائلت مرارا ما المغزى من تقديم أغلب الأبطال على انهم مدخنين نهمين، وتكرار الحالة في أغلب المشاهد، في بعض الاحيان نجد أن "السيكارة" تقحم أقحاما على بعض المشاهد، كمشهد أحد الابطال يزور مريض في مستشفى وهو يدخن داخل غرفة العناية المركزة، لا اعلم ماذا يفعل البطل و"سيكارته" هناك، فهل يمكن لنا تصديق هكذا مشهد، وأين المغزى الفني منه، فهو لن يفهم الا كدعاية مدفوعة الثمن، لكنها متنكرة بثياب الدراما البريئة.

من جهة أخرى وكما هو معلوم فأن مجتمعنا بأجياله المختلفة يشاهد هذة الأعمال، وتأثيرها يمتد الى ارض الواقع، خاصة بين المراهقين الذين ينظرون الى الأبطال كرموز تجسد واقعا نعيشه يوميا، فيقتدون به ويحاولون تقليدة في محاولة للبحث عن الذات، وهنا فقد نجح من سوق للفكرة في استهداف شريحة مستهلكة مهمة لسلعته، لا بل لا نبالغ اذ قلنا أنها تمثل سوق تجاري لا ينضب.

 هذا من جانب، ومن جانب أخر فأن لجوء البطل الى "السيكارة"، وكأنه يفرغ حالة عصبية أو للخروج من موقف تحاصره فيه ضغوط نفسية، سيوحي للمشاهد بأن هذة "السيكارة" أصبحت هي المتنفس والحل لتلك الأزمة، وهذة رسالة خطيرة تنشر بكل لئم في مجتمعنا، وهي نقطة أخرى تسجل للسيد المسوق الخفي.

 تكررت هذة الحالة في أكثر من مشهد، وضمن أكثر من عمل، في حالة غريبة تثير الريبة، وتجعل الشك يتغلل للنفوس ويطرح العديد من التساؤولات، ونحن في زمن تقدمنا كثيرا حكوميا ومجتمعيا في محاربة التدخين، فهل طردنا هذة الأفة من الباب، ووضعنا لها القيود لمنعها من أقتحام حياتنا، فكانت هي أكثر ذكاءا فقفزت من شباك الدراما الرمضانية، وهل عانق بعض صانعي التبغ والدراما بعضهم البعض ليوقعوا معا صفقة مشبوه، تملأ أجوائنا الرمضاية بدخان كثيف يقتلنا بصمت، دون ضجة النيران وصخبها، وفي النهاية يدفع مجتمعنا ثمنها صحيا وماديا ومعنويا.