هَرورّا

 

   

 

 

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

 الحياة القروية حياة حافلة بالنشاط والانتاجي الحيواني والنباتي, وخاصة خيرات الطبيعة الجبلية ففي تلك الغابات هناك ما لايحصى ويعد من الاثمار الجبلية  بيرّي دطورّا من الخشب والفاكهة والحيوانات البرية والمراعي الغنية لقطعان الحيوانات المختلفة . الى جانب اهميتها من الناحية الجمالية والترويحية للنفس ,فتعد اختلاف تظاريسها ومناظرها الجميلة الخلابة مصايف تجذب السواح للراحة والاستجمام من كل صوب وحدب. وهنا سأتناول احد اهم خيرات الطبيعة الذي كان اهلنا يصنعونهُ قديما وهو:  

هَرورا – أرورا ܐܲܪܘܼܪܵܐ- ܥܲܪܘܼܪܵܐ  اسم سرياني  بمعنى  ارايا المتماسك او الساقط على الارض وهو  مَنّ السَمَا  وهي مادة بيضاء حلوة الطعم ,لزجة الملمس شبيه بالندى تسقط على اوراق اشجار الجبال من ( ميشا – بطم – السنديان – وغيرها) والاحجار خلال فصل الخريف انطلاقا من ليلة 13 ايلول ولدى تساقطها على الاشجار فان الحيوانات قلما تقترب منها ، وهذه المادة كانت تجمع او تحضر في المناطق الجبلية حيث يكثر سقوطها وخاصة اشجار الميشا وهو اسم سرياني بمعنى الغابة .

  ففي البداية تقطع هذه الجذوع التي يتكاثر على اوراقها وتسطح على الارض تحت اشعة الشمس لتجف وتصبح كالهشيم ،بعد الجفاف كانت الجذوع تنفض لتتساقط اوراقها على غطاء قماشي مَرشّا وتسمى عندئذ بالسريانية كَلكَلا وهذه الاوراق كانت تخضع لعملية الضرب بواسطة خَطورتّا  لتتهشم على شاكلة التبن ناعمة فتنخل بواسطة نخالة كبيرة المسامات سرادا  بالسريانية  وترمى الفضلات الطائفة على المنخل ، ثم تعاد عملية الضرب لتنعيمها اكثر وتنخل ثانية بنخالة انعم المسامات اربالا  لتبقى مادة كدقيق الطحين ناعمة ثم تنخل بنخالة ثالثة اكثر نعومة مُخلتا  لتكون النتيجة مادة او دقيق ناعم جدا ذو لون اخضر مائل للون اوراق الشجرة التي جنيّا منها ، فيرش ببعض الماء لترطيبه، ثم يجلب قالب منخلة خالية من الشبكة الاطار المدور , ويغطى بقماش ويربط عليها ثم يؤتى بذلك الدقيق المرطب فيفرش على القماش وبالسمك المراد فيضغط عليه بعض الشيء باليد حتى يتماسك وترسم عليهِ علامة الصليب  ويغطى بقماش خفيف مشبك كي لا تتراكم عليهِ الحشرات لكونهِ حلو المذاق ,ويترك في العراء لثلاثة ايام متتالية تحت اشعة الشمس ، وفي مناطق امينة عالية من مستوى سطح الارض ليكون نظيفا وامينا من تطاول الايادي العابثة ويتشبع من خلالها امتصاصا لاشعة الشمس ويتصلب الى قالب مدور شبيه بالكيك ويسمى بالسريانية رِشتا ، فيقطع الى اشكال  هندسية مختلفة  وعندئذ يسمى  أرورا  مَنّ السَمَا , ويؤكل بقرمشته بين الاسنان كالنساتل، فهو كالجكليت الصلب ذو طعم عسلي لذيذ جدا ، او كان يباع باثمان غالية ويزن بالمنية عند البيع ، واستنادا لقول الكبار فانه كان العلاج الشافي لعدة امراض كالقلب والم الجانبين  وغيرها ، وتساقطه كان يؤثر سلبا على انتاج العسل والبطم  الحب الخضراء وغيرها من المزروعات  لذلك العام وكان يسمى نبلّي أرورّا  اي تساقط  المَنّ.

 وورد ذكره في سفر الخروج الفصل السادس عشر الاية (35) من الكتاب المقدس ( اكل بنو اسرائيل المنّ اربعين سنة الى ان ذهبوا الى ارض عامرة اكلوا المنّ الى حيث وافوا حدود ارض كنعان)، وحاليا عزف اهلنا عن تصنيع هذه المادة كونها شاقة او ربما لاسباب صحية او لعدم الحاجة لها بعد تطور مناحي الحياة بجانبيها الاقتصادي والمعاشي  ... وتتواجد في الكثير من المحلات التجارية حلوة مَنّ السَمَا وهي بيضاء الشكل ومطعمة بمواد مختلفة وحتى بالوان متعددة .

هذه كانت صنعة من جملة صنائع اهلنا قديما ,الا تستحق ان ندونها في سفر موروثنا الشعبي بمداد من الذهب ؟ لتتطلع عليها الاجيال اللاحقة وتكون محل فخرهم واعتزازهم.