الهوة الكبيرة بين جبلين (مسؤولية من)

 


 

 

                                        

 

                                                   

                            

                                                    منذر كله

 

      قد يجد المرء صعوبة في وضع الفروق الطبيعية بين جيلين يعيشان في هذه الفترة الزمنية وعلى وجه التحديد الفترة الواقعة منذ الاربعينيات من القرن الماضي الى ايامنا هذه مطلع القرن الحادي والعشرين، حيث ان الجيل الجديد (الابناء ) يعتقد ان الماضي عبارة عن احداث عابرة و مجرد حكايات وقصص قديمة ، او انه تاريخ مقيت مليء بالتناقضات الاجتماعية والثقافية ، ولايشعر بالانتماء الحقيقي اليه ولا يجد روابط معنوية او اواصر عائلية تربطه بالآباء والامهات (جيل الاباء ) الذي انجبهم ورباهم ووصلهم في اصعب ظروف الحياة الانسانية المتسمة بتدني المستوى المعاشي وشيوع حالة الفقر وسيطرة اجواء الريف ومناخ القرية وتربية الحيوان  والعمليات الزراعية اليدوية المتمثلة بالزراعة بواسطة الحيوانات والحصاد بالمنجل والبذار بالحمالة واليد وجمع المحصول ونقله الى البيادر وتصفيته وتهيئته للتسويق بالمذاراة والعمليات الاخرى التي تجري في البيادر في اجواء حارة جدا  وعدم توفر الماء البارد للشرب ومتطلبات الراحة الاخرى والتخلف الاقتصادي والتنموي وبساطة المجتمع والمنزل والملبس والمأكل والتنقل بواسطة الحمير والجمال والبغال والطرق الترابية الحجرية والجبلية والزراعية والمتعرجة على ضفاف الانهار، والمنزوية البعيدة من الناس والأمان في بعض المناطق ، وصعوبة عبور الانهار والجداول في غياب الجسور والاعتماد على العبارات البسيطة والجسور الضيقة ،كل تلك الامكانيات المحدودة لم تقف عائقا امام التقدم الاجتماعي والتعليم والكتابة وحتى الصناعات المحلية والآلات الزراعية ومتطلبات المجتمع الريفي المتواضع او المدني المتخلف ،فهذا الماضي هو الانسانية بكل معناها وهو التاريخ الحقيقي والتراث  ،ويقول المثل الشعبي(  اللي ماألا اول ماألا تالي ) في هذه الاجواء ولد جيل جديد انطلقت خلاله الصناعة والتكنولوجيا والاتصال السريع و(النت والموبايل )والتنقل والتطور الصحي والمعيشي والعمراني بشكل سريع وملحوظ ولازالت عجلة التقدم ماشية في اسرع اوقاتها ويشهد العالم الآن اعلى مراحل تطور الجامعات والدراسات الاكاديمية ، هل ان التطور الصناعي هذا يعني خلق مجالا واسعا  وفجوة كبيرة تفرق الجيلين ؟ نلاحظ في سردنا هذا الفرق في الكثير من الامور والجوانب المتعددة وليس معنى هذا ان الانسان ينفصل عن واقعه وعن والديه وبيئته  وارضه ووطنه وعائلته ، فأن المدنيّة والتطور العلمي لم تهبط الينا من السماء بل جاءت نتيجة جهود ودراسات وتجارب العلماء والخبراء والناس عبر الزمن والاجيال المتلاحقة ، فالروابط الاجتماعية يفترض ان تكون اقوى من ان يهزمها التطور العلمي ، لأن لولا المجتمع المتماسك المتعاون الانساني المتعايش لافائدة لتلك العلوم ولا الأتصالات السريعة وما الى ذلك ،فاحترام الوالدين والناس حسب اعمارهم  وتطلعاتهم وافكارهم يجب ان تكون من اوليات ومباديء الجيل الجديد لانه هو منهم ولولاهم لما وجد وهكذا بالنسبة الى الاجيال الاخرى القادمة ، فأن الآصرة الاجتماعية مطلوبة على مر الازمان وتعدد المكان ، ولهذا نجد ان الانبياء والعلماء والاختصاصيين في مجال العلوم الاجتماعية يعطون اهمية كبيرة للانسان والأجيال وطرق تربيتهم وتعليمهم واعدادهم للمستقبل المشرق الزاهر ، المجتمع المثالي الانساني الذي يضع محبة الله والوطن والوالدين والانسان في المقدمة .