الخالة جقو مثال للنشاط والمثابرة

 


 

 

                                              

                            

                                                   بدران امرايا

 

     سيدة طاعنة في السنين ,وأم حنونة رقيقة  تمتاز بخفة الدم ..تفيض بدفق بالمشاعر  .. وسرعة البديهة .. وصاحبة النكتة .. ومرحة ملء أنفاسها .. لها ذاكرة شبيهة بالة الحاسوب في سرد القصص والمواقف التي عاشرتها أو مرت على مسامعها للوهلة الأولى ... تألف  أبيات الشعر  بالسرعة الممكنة . شيقة الكلام عذبة الألحان.. إنسانة ملتزمة دينيا ولا تفوتها مناسبة إلا أن تمارس طقوسها بحذافيرها ,كالصلاة والصوم والتعبد والتزهد ومساعدة الناس قدر الإمكان ولم يقصدها إنسان ورد خائبا من ديوانها المرح والبسيط  .. كل أنمل من أناملها يداها النحيفتان يجيد فنا من فنون الحياكة, والتطريز وإنتاج  أناملها طاف عدة دول ويمتاز بالدقة والجمالية العالية  والذوق الرفيع ..  تقدس الوطنية والشعور القومي الكلدواشوري ,تكن احتراما كبيرها لمن يجيد القراءة والكتابة باللغة الأم السريانية..                                 

       إنها السيدة ربقة ياقو داؤد من مواليد 1948 عمادية دهوك . اقترنت بشريك العمر الشماس المرحوم كينا عام 1969 لتستقر العائلة في بغداد , وكانت ثمرة هذا الاقتران المقدس ذكران  (ميخائيل وبطرس), والبنت الوحيدة فريال التي تسكن سهل نينوى . عملت ردحا من الزمن في مقر بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة  ببغداد  . تعلمت نظم الشعر الشعبي شفويا منذ الخامسة عشر من العمر ,وعلى يد المرحوم عمانوئيل يوسف .

     لقبت بـ   ( جقو ) لأنها  خفيفة الظل حذقه سريعة الحفظ والبديهة ومنضبطة ( ايلا اخ جقمق ) أي إنها  كالقداحة سريعة الاشتعال مثلا يضرب عند شعبنا للشخص السريع والمنضبط ... فهي تُعد سفرا مجيدا وثرا من الأغاني الفلكلورية السريانية  من ( لليانا  وراوي ) وعندما تضع يدها على خدها وتطلق العنان لصوتها الرخيم  ترجع بنا الذاكرة إلى الوراء لتسبح بنا في آفاق ومروج ووهاد اشيتا ومنطقة تياري برمتها, حيث النسيم العليل والعبير الفواح ومعاني البطولة والإقدام  ..

     وكيف كانت تتم مراسيم الخطوبة و الزفاف حينذاك على إيقاع أغاني (لليانا ) ,فلها ذوقها الرفيع في سرد تشعبات ذلك بأسلوب غنائي شيق وعذب ,بالإضافة إلى تناولها للأمثال والعبر والمواقف الطريفة والقصص المسلية التي لا تشبع منها الآذان  .... تعلمت فن الحياكة والتطريز والنقش بدقة ومهارة عالية وإنتاج أناملها طاف الدول كما ذكرنا حيث تنسج الجوارب الخاصة بالكهنة في المذابح الكنسية وتوزعها على الكنائس لوجه الله  إلى جانب نقش ( الشال  ) الخاص بالملابس الفلكلورية الكلدو اشورية  التقليدية (خوّ مالا ) . ونسج الجوارب الصوفية الثخينة لدفع برد الشتاء وبلائه ..وأناملها لا تعرف طعم الراحة إلا خلال أياد الآحاد . بالإضافة إلى نسج ليف الاستحمام ذات النوعية الجيدة .وتوزيعها على الناس المحتاجين ... كانت هذه العائلة تسكن العاصمة بغداد منذ الستينات القرن الماضي , ولم يخطر لهم  يوما بأنهم سوف يضطرون لمغادرة بلدهم  الغالي والذي تغنوا بتاريخه و أمجاده  , لكن ذلك الوطن ذاق ذرعا بهم .

     وكان العيش فيه أشبه بالأمر المستحيل للظروف الأمنية المنفلتة والخوف والفزع المحدقين من أن تطالهم يد الإرهاب بين الفنية والأخرى ولم يروا على حد قولها سبيلا للخلاص من الهاجس المخيف  سوى طرق باب الهجرة, عساه أن يدوي جراحاتهم النفسية المثخنة ... رغم إن هذا كان آخر الخيارات الواردة في نهج حياتنا لكنه قفز على قمة هرمها ,وفرض نفسه علينا ...

   وها نحن نذرف دموع الحسرة والألم بعيدين عن وطننا وأحبائنا.. والخالة ربقة تعيش الآن في استراليا - كانبيرا مع ابنيها  ميخائيل  وبطرس بعد أن ودعها الشماس كينا إلى دار الآخرة في تركيا نتيجة المرض وطول الانتظار المر كالعلقم  في تركيا, وأبى إلا وان يدفن بأرض الوطن " ثرى العراق الطيب "حيث تبكي العظام  وتحنُ إلى أوطانها ( كي باخي كَرمي لاتريهي ) , وتحقق له ذلك حيث دفن الشماس المرحوم  في مقبرة آبائه وأجداده في دهوك سرسنك.وها هي الآن  تعيش بجسدها الواهن مع ابنيها باستراليا, لكن فكرها وخيالها أسيران  يسبحان في آفاق نهري دجلة والفرات بأرض الوطن  العراق  الغالي . وحاليا لها هدفان في حياتها الاول زيارة اورشليم , والثاني رؤية ابنتها الوحيدة فريال  .وبعد ذلك لياخذ الله امانته كما قالت ..

     وبخصوص الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة,  فأدلت بدلوها و قالت بأسلوبها الشعري السلس وباللغة السريانية ( انا متخبن يوناذم كنا  ... تت عيراق بائش جنة ... وقد دارَن ومتيني جنا ) أي ما معناه ( أنا سوف انتخب يوناذم كنا ..  ليصبح العراق كالجنة ...وأعود واخطب لي جنا ( زوجة لابني ) واسترسلت قائلة متى ما انتخبنا اوناس نزيهين يكونون أهلا بثقة أصواتنا عندئذ يعملون من اجل انتعاش الحياة في العراق ويرجع كالجنة من حيث الأمن والأمان والخدمات .. عندها نلتفت لنحقق طموحاتنا الشخصية وسأجعل ابناي ( خثني )عرسان لتكتحل عيناي بالأحفاد من حولي .. والمعروف عن الخالة جقو إنها من مؤازري (زوعا ) حركتنا الديمقراطية الآشورية و قائمة الرافدين الوحدوية لشعبنا  الكلدو اشوري السرياني والمرقمة ( 389 ) للانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2010 ..

 ويمكن مشاهدة الخالة جقو وأغانيها العذبة على اليوتوب Assyrian funny 2010.مع أمنياتنا لهذه السيدة وألام المثالية بالصحة والعمر المديد ...  عم شلامي وايقاري لخلتي جَقو .