الجـــزء الاول

 

ماذا تعرف عن الاشعة؟

 

 

                 

                    د. ميخائيل ممو*

 

              سبق وأن اتحفنا القارئ الكريم بعدد من البحوث والدراسات الخاصة بمجال اختصاصنا من خلال المواقع الألكترونية واللقاءات الإذاعية والتلفزيونية والمحاضرات التي شملت آفة الداء السرطاني بشكل عام وكذلك عن تقنية المواد المتناهية في الصغر المعروفة بمصطلح النانوتكنولوجي. لذا وجدنا بأن الضرورة تحتم علينا أن لا نبخل على القارئ بما يجديه نفعاً من موضوع أهمية الأشعة في حياة الإنسان والبشرية جمعاء.

قبل التطرق الى انواع الأشعة ومصادرها وتطبيقاتها في الحقول الطبية لمعالجة الآمراض السرطانية يستلزم الأمرعرض بعض المفاهيم المتعلقة بعلوم الفيزياء والكيمياء من خلال النظرية الذرية Atomic Theory ، الكهربائية المغناطيسية ، وظاهرة التألق الفلوريسي  The Phenomenon of Fluorescence  أو التفلور لكون هــذه المفاهيم ادت الى اكتشاف الأشعة السينية  X-Ray التي سنتداولها فيما بعـد.

من  الجديربالذكر ان الفيلسوف اليوناني ديموقراطيس  Democritus كان قد استنبط عام 460 قبل الميلاد الفكرة القائلة : (ان جميع المواد تتكون من وحدات صغيرة تسمى بالذرات  Atoms، غير قابلة للأنقسام ، تتفاوت في الحجم والشكل والترتيب ، وكذلك في حركاتها داخل بنياتها وتراكيبها). وبما ان ديموقراطيس لم يقدم البراهين على صحة مقولته ، لم يحصل اي تطوّر فيما يخص النظرية الذرية حتى مجىء العالم دالتون Dalton في بداية القرن التاسع عشر اي عام  1802 حيث ادخل فكرة الذرة في الكيمياء وعلى شكل فرضية، يقصد فيها تفسير تكوّن المركبات من مواد ابسط منها تدعى بالعناصر Elements او بالأحرى ذرات العناصر المختلفة تتغير بنسب ثابتة لتكوّن المركبات ، وفي نفس الوقت كان هناك علماء منهمكين في اجراء التجارب وتقديم دراسات مفصلة عن الذرة والنشاط الإشعاعي ، وأخص بالذكرالعالم الألماني رونتكن Roentgen في اكتشافه الأشعة السينية عام 1895 ، والعالم الفرنسي بيكريل Becquerel في اكتشافه لظاهرة النشاط الإشعاعي عام 1896 ، والعالم الأنكليزي تومسون Thomson الذي اجرى تجربة لتعين الشحنة الألكترونية عام 1897 حيث حقق نجاحاً في معرفة الأشعة المنبعثة من المهبط اوالكاثود (الأشعة الكاثودية) Cathode Rays وبرهن على أنها الكترونات. 

وفي عام 1911 وضع العالم الأنكليزي رذرفورد Rutherford النظرية النووية في تركيب الذرة Atomic  Structure مشيراً الى ان معظم تكوين الذرة هـو فراغ مع وجود الكترونات سالبة تدورفي مدارات حول النواة الموجبة والتي تتركز فيها معظم كتلة الذرةAtomic Mass . ومن الملاحظ بأن نظرية العالم الدنماركي بوهـر Bohr عن ذرة الهيدروجين قد لعبت دوراً هاماً في تطوّرالفيزياء الذرية من حيث توضيحه لطَيْف الهيدروجين الذري وإدخال افكار وتطبيقات نظرية الكم في النمط النووي للذرة.

تقول النظرية الحديثة في تركيب الذرة  بأن الذرة تتكون من النواة Nucleus وهـذه بدورها تحتوي على بروتونات Protons موجبة الشحنة ، ونيترونات Neutrons متعادلة الشحنة (ليس لها شحنة بل لها كتلة) . اما خارج النواة فهناك مدارات Orbits تحتوي على الكترونات Electrons تدور حول النواة وتحمل شحنة سالبة. وفي حالة تكافؤعدد الألكترونات والبروتونات في الذرة عندها تدعى الأخيرة بالذرة المتعادلة ، حيث يقال بأن الذرة متأينة سالباً عندما يكون المجموع الكلي لشحنات الكتروناتها اكثر من الشحنات الموجبة في النواة والعكس صحيح ، اي متى ما قـلّ عـدد الألكترونات كان أيون  Ionالذرة  موجب الشحنة. وعادة تكون الذرات اما مستقرة Stable Atoms أو غير المستقرة Unstable Atoms وهـذ الأخيرة هي عبارة عن ذرات تبعث الأشعة خلال عملية التحلل الإشعاعي Radioactive Decay او الأضمحلال الإشعاعي وبمرور الوقت تتحول الى ذرات مستـقرة.

ان عملية التدرج في شرح وايضاح وتحليل كل ما يتعلق بجوهر موضوعنا يقودنا حتما لغور التفاصيل الرياضية والفيزيائية الخاصة بمكنونات الذرة ، لـذا سنكتفي بهـذه التقدمة المقتضبة بغية ان لا نبتعد من صلب موضوعنا المتعلق بالأشعـة السيـنية.

 

اكتشاف الأشعة السينية Discovery of X-Ray

 

في اواخرالعقد الأخير من القرن التاسع عشر وبالتحديد في الثامن من نوفمبر1985 تبشّرالعالم بأكتشاف الأشعة السينية بإهتمامات العالم الألماني ولهام كونراد رونتكن المولود في 27 اذار1845. ونظراً لأهمية هـذا الرافد العلمي في تاريخ البشرية من خلال الخدمات الجلية ذات الأهمية الكبيرة وعلى مدى اكثرمن قرن. لذا وجدت انه من الضرورة التطرق الى عملية اكتشاف الأشعة السينية.

وبينما كان رونتكن منهمكاً في مختبره الخاص في التاريخ المذكور اعلاه ، كان قد غطى كليا انبوبة اشعة المهبط الزجاجية والمفرغة من الهواء بدرع من ورق مقوى اسود اللون ، وذلك منعاً لتسرب او نفوذ الضوء الإعتيادي من خلاله ، جاعلاً من اجواء غرفة مختبره حالكة الظلام ، وفي هـذه الأثناء وجـد بأنه من خلال إمرار التيار الكهربائي في انبوبة اشعة المهبط قـد حصل لديه تألق (تلألؤ) Luminescence أو تفلور Fluorescence   في حاجز متكون من سيانيد البلاتين والباريوم كان موضوعاً بالقـرب من من الأنبوبة . وقد أعزى رونتكن ذلك التألق لجدران انبوبة المهبط . ثم استمر في تجاربه حتى وقت متأخر من ذلك اليوم مستعملاً مواد مختلفة السمك كقطعة من الورق ، كتاب ، قطعة من الخشب ، واضعاً أياها ما بين انبوبة المهبط (الكاثود) والحاجز. وهنا لاحظ بأن شـدة التألق تتضاءل اثناء اختراق تلك الأشعة للقطع السميكة المختلفة التي اعتمدها في تجاربه.

فتبشر بالخير وانتابته الدهشة من هـذه النتائج ، ومما زاد تألق دهشته حينما شاهد عظام يده ظاهرة خلال تجاربه. حيث استدل على أن تلك الأشعة التي أطلق عليها اسم الأشعة السينية او اشعة اكس x-ray ، ويعود السبب في هـذه التسمية لعدم معرفة طبيعة هـذه الأشعة في حينها ، اضافة الى ان الرمز(x) وكما هو معروف في لغة الرياضيات حيث يرمز للمجهول ويقابله الحرف (س) بالعربية ومنه اشتقت السينية. ونتيجة لأستدلالته وجد بأن تلك الأشعة تتصف بقدرة على اختراق Penetrate اغلب المواد الصلبة ، ولها القابلية في التألق وامكانية امتصاصها Absorption من قبل المواد ذات الكثافات المختلفة ، كما تتصف بظاهرة التشتت او الأستطارة  Scattering ، وتنتقل بخطوط مستقيمة منبعثة عن مصدرها. والأهم من ذلك بأنها تخضع لقانون التربيع العكسي Inverse Square Law أي أنه كلما ازدادت المسافة ما بين مصدر الأشعة والحاجز قلـت شـدة تلك الأشعة. كما وجد بأن تلك الأشعة السينية لها القابلية في التأثير على الألواح الفوتغرافية وتأين الغازات. واستطاع رونتكن اول مـرة ان يلتقط صورة فوتغرافية لعظام يـد زوجته. وقـد وصف هـذه الأشعة بأنها لا تتعرض للأنحراف او الحيود Diffraction عن اتجاهها أثناء مرورها في المجالات الكهربائية او المغناطيسية وبعدم انعكاسها Reflection او انكسارها Refraction عبر المشور Prism او استقطابها polarization اثناء مروها في البلورات الزجاجية Crystals.

مما تجدر الأشارة اليه وعلى ضـوء التقدم والتطور في هـذا المجال العلمي فقد اثبتت تجارب العلماء فيما بعد بأن هـذه الإشعة قابلة للأنعكاس ، الأنكسار، الحيود والأستقطاب.

رغم كل ذلك كان قد حقق رونتكن انجازا علمياً كبيراً بأكتشافه المذكور ، وعلى اثر ذلك ثمنت جهوده بنيله جائزة نوبل في الفيزياء وذلك عام 1901 ، واستمر فيما بعد بدأب متواصل في مجال التعليم الجامعي حتى اواخر السبعينات من عمره حيث وافته المنية في العاشر من شباط عام 1923 نتيجة اصابته بمرض السرطان لكثرة تعرضه للإشعاع من خلال تجاربه وابحاثه المختبرية.

مـنذ زمن طويل وحتى يومنا هـذا تستخدم الأشعة السينية للكشف عن الأمراض المتعلقة بداخل جسم الأنسان بغية تشخيصها ، كمتابعة عمل دقات القلب ، والكشف عن الكسور والرضوض في العظام. ولا يخفي على احـد من اهمية صور اشعة الصدر او صور اشعة الأسنان وما شاكلها من انواع الصور الشعاعية الخاصة بأعضاء الجسم في المعالجات الطبية. الا أنه فيما بعـد توسعت اهتمامات استخدام تلك الأشعة بطاقات عالية متمثلة بمعالجة الأمراض المتعلقة بالأورام الحميدة والخبيثة في اي جزء من أجزاء اعضاء جسم الأنسان.

بغية اعطاء صورة واضحة للتعرف على ماهيات هـذه الأشعة ذات الطاقات العالية ، سنسلط الأضواء على مفهومها ، انواعها ، وحداتها ، مصادرها ، تأثيراتها ، طرق استخداماتها ، وسائل الوقاية وغيره من المعلومات ذات الصلة المباشرة بفحوى الموضوع.

 

الأشعة  Radiation:- هي عبارة عن حزمة Bundle من الطاقة Energy تكون اما على شكل موجات               كهرمغناطيسية  Electromagnetic Wavesتسير بسرعة الضوء Speed of Light كما في حالة الأشعة السينية او اشعة كاما ، واما على شكل جسيماتParticles  كما في الألكترونات أو النيترونات المتواجدة في الذرة التي تعتبراصغر جزء في المادة. اي ان تلك الإشعة تأتي بأشكال متنوعـة تقع في فئتين مختلفتين وهما : الإشــعة المؤينـة  Ionizing Radiation وبمستويات Levels مختلفة من الطاقة ، مع احتمال القدرة او القابلية على اختراق الأجسام كما في جسيمات الفا، وبيتا واشعة كاما والسينية. اما الفئة الثانية تدعى الأشعة غير المؤينة Non-Ionizing Radiation ومثال على ذلك الأشعة فوق البنفسجية ، الأشعة تحت الحمراء ، الضوء المرئي ، موجات الراديو والمايكروويف. علماً بأنه سوف نتطرق في موضوعنا هـذا عن الفئة الأولى.

 

أنواع الأشعة Type of Radiation:- هناك نوعان من الأشعة وهي كالآتي :

 

1-الأشعة الموجية Waves أو الكهرمغناطيسية Electromagnetic  وتتضمن :

 

أ‌-       الأشعة السينية X-Ray  : تنبعث هـذه الأشعة من عمليات خارج نواة الذرة ، وذلك عن طريق انبوب الأشعة السينية المفرغ كلياً من الهواء والذي يحتوي على قطبين  Electrodes، أحدهما سالباً يدعى (الكاثود Cathode او المهبط) والأخر موجباً يدعى (الآنود  Anodeاو المصعد). القطب السالب هـو عبارة عن خويط من التنكستن  Tungstenواقعاً في احدى نهايتي الأنبوب الزجاجي ، وفي النهاية الأخرى حيث يتواجد القطب الموجب فهو عبارة عن قطعة من النحاس. وتحت تأثير امرار التيارالكهربائي  Electric Currentما بين الكاثود والآنود تنبعث الألكترونات من الكاثود بتعجيل عال جـداً. ، بسبب فرق الجهد العالي ، متجهة نحـو الآنود ، عندها تتوقف هـذه الألكترونات المعجلة عن حركتها لـدى اصطدامها او سقوطها على الآنود (المصعد) الذي يصبح عندئذ مصدراً لحزمة الأشعة السينية الخارجة من نافذة معينة باتجاه جسم المريض.

 

ب‌-  اشعة كاما Gamma Ray : هي عبارة عن اشعة كهرومغناطيسية تنبعث من نوىNuclei  الذرات المشعة على شكل حزمة او اكمام من الطاقة تدعى بالفوتونات Photons وغالباً ما تتميز بطاقة عالية جـدا ، وتسير بسرعة الضوء ولها القدرة أو القابلية العالية في اختراق الأجسام.

    

2-اشعة الجسيمات (دقائق) Particles وتتضمن:

 

أ‌-       جسيمات ألفا  Alpha Particles: وهي عبارة جسيمات تنبعث  Emitsعن انوية الذرات غير المستقرة ذات النشاط الإشعاعي والعدد الذري  Atomic Numberالعالي ، وغالباً ما تكون اكثر من 82 بروتون ، حيث تصدرعلى شكل جسيمات او دقائق ألفا متمثلة بذرات الهيليوم تحمل بروتونين ونيترونين. ومن سماتها بأنه يمكن ايقاف مسار اشعتها من خلال قطعة من الورق ، علماً بأن خطورتها تكمن عند عملية استنشاقها او بلعها.  

ب‌-  جسيمات بيتا  Beta Particles : وهي عبارة عن جسيمات اما سالبة أو موجبة الشحنة ،  ناتجة عن عملية التحلل الإشعاعي ، ولها القدرة على اختراق الجلد ، ويمكن ايقاف مسار اشعتها بواسطة قطعة من الخشب

ج‌-    جسيمات البروتونات Proton Particles : وهي عبارة عن جسيمات ذات شحنة موجبة موجودة داخل النواة.

د‌-      جسيمات النيترونات Neutrons particles : وهي عبارة عن جسيمات متعادلة الشحنة. وممكن انتاجها اما عن طريق التفاعلات الخاصة لبعض العناصر أوالإنشطار النووي.

هـ- جسيمات الميزونات والبوزترونات Meson and Positron Particles

 

وحـدات قياس الأشعة  Radiation Units :-  هناك عـدة وحدات لقياس مقدار الأشعة وهي :

 

1-    رونتكن Roentgen (R)  وهي وحـدة لقياس مقدار التعرض  Exposure للإشعاع .

2-    راد Rad  وهي وحـدة لقياس جرعة الأشعة الممتصة Radiation Absorbed Dose  .

3-    ريم Rem وهي وحـدة لقياس تكافؤ الجرعة للأنسان  Roentgen Equivalent Man .

4-    كوري (Ci) Curie وهي وحـدة لقياس المواد ذات النشاط الإشعاعي Radioactivity .

 

وهناك وحدات مصغرة للنظام أعلاه وفقا للتسلسل المذكور وهي : 

ملي رونتكن ، ملي راد ، ملي ريم ، وملي كوري.

اما النظام الجديد المتفق عليه عالميا فأن الوحدات البديلة هي كالآتي :

كولوم/كغم  Coul/Kgm ، كري (Gy) Gray  ، سيفرت (Sv) Sievert ، وبيكريل (Bq) Becquerel .

 

ولكي ندع القارئ يسرح في مضامين ما ذكرناه آنفاً ، استميحه العذر على أن نتمم ما أشرنا اليه في القسم الثاني من بحثنا ليكون على علم ومقربة مباشرة من مصادر الأشعة المستعملة لمعاجة داء السرطان.

* الكاتب حاصل على دكتوراه في الفيزياء الطبية / شيكاغو ـ  dmammoo@aol.com