بانوراما الذات في شعر علياء المالكي....مجموعة طوق الفراشة مثالا

 

 

                                  

                       مثنى كاظم صادق

 

              عندما نجيل النظر في ديوان ( طوق الفراشة ) للمبدعة علياء المالكي  ، نجد تلك الخصوصية الأنثوية التي تعيد إلى الأذهان خصوصية الشعر الذي تكتبه المرأة ، وربما يصح القول : إن كل نص تبدعه المرأة تعمد فيه ـ المرأة ـ أن تفصح عن جنسها الأنثوي والإنساني ؛ ليتعادل موضوعيا مع الرجل !!

 

 ولعل ديوان ( طوق الفراشة ) منحنا فرصة للوقوف أمام ( ذوات ) الشاعرة التي تمكنت من الإختباء و الإختفاء من خلال ذلك الإقتحام اللغوي الذي حفل بالشعرية التي أوجدت بها العلاقة بين المألوف و اللا مألوف ، بزج الإسقاطات الكثيرة والمتغيرات في عالم أثير يقترب من ( الفنتازيا ) مما شكل مولدا أيدلوجيا إبتداءا من ثريا النص ( العنوان ) الذي يحيل بتقنية التناص التي عززت بدورها عملية التخييل إلى كتاب تراثي مهم هو ( طوق الحمامة ) لكن ثمة بون شاسع بين العنوانين أو بمعنى أصح بين الطوقين !! ، فعلياء توحي من خلال العنوان ( طوق الفراشة ) إلى ( القيد ) فنراها تقول : ( كلما حررت نفسي ، طوقني .. حنين أنثاي التي .. تضفر السعف تحت النخيل ) ص 41 مشكلة بانوراما الذات بكل تجلياتها و ( أطواقها ) إذ إنها تجيد التقاط ذواتها المتشظية على نحو التلميح أحيانا والتصريح أخرى ، فقد أضافت إلى الجهات الأربع جهة خامسة الا وهي ( ذاتها ) !! إن القصائد الـ ( العشرون ) التي ضمتها مجموعة (  طوق الفراشة ) الصادرة عن  منشورات الإتحاد العام للإدباء والكتاب / بمناسبة اليوبيل الذهبي  تحيل إلى مجموعة من الأقدار ( العراقية ) للشاعرة  فإذا كانت الذات عند الرومانتيكين تجد نفسها في الطبيعة فالذات عند علياء المالكي تجد نفسها في زحزة المألوف بغواية الاستعارات على جغرافية النص الشعري فقد اتخذت قصيدة ( طوق الفراشة ) عنوانا لمجموعتها وهي القصيدة الثامنة فيها إذ يبدو أنها تحبها أكثر من غيرها وأشير ـ عرضا ـ إلى أنها ليست أهم ما في الديوان ، لكنها عنوان المجموعة الشعرية ومفتاح ذات الشاعرة التي صنفناها إلى :

أولا : الذات المأزومة : ( مثلي .. يبحث عن وطن ... لا يقتنص الأحلام ولا يفترس الأنفاس ) ص 12  ( أتيت هنا لأفتش عني ) ص 25  ( من قلب أمنية للجياع تصيح ... وطن .. وطن ) ص 28 ( أحمل في كفي عشرين دربا لاهثا نحو الغروب ) ص 30 هنا يتجلى الإحساس بالمغايرة ؛ لتعميق الوعي بذاتها هذه بزج المتلقي باللاوعي ببناء نسق أسلوبي متفرد للجملة الشعرية المفعمة بالقصدية وبفضائها الجرسي وما تدل عليه هذه الذات هو ثمة معاناة وأزمة فقدان لشيء ثمين .

ثانيا : الذات الحزينة : ( على ضفتي نحيب .. وآلام عشب .. لأنهار نوحي [ ... ] على ضفتي سنابل حزن ) ص 23 ( لقصائد شوق ترشف نايات الحزن ) ص 34 ( كنت أصبغ بالأحمر ستائر المنزل كي أشعر بالدفء .. كنت أمسح بالعطر سبورة أحزاني ) ص 84  إن ثيمة الحزن تتحرك في صفحات الديوان مشكلة جذوة الإنفعال الإنساني ، فنصوصها تبني إيحائية مفادها إختراق الذات الحزينة وصولا إلى الإنسان المدمر نفسيا ، المعذب والمقهور الحائر في عذاباته الذاتية والمجتمعية .  

ثالثا : الذات المغتربة : ( نامي .. نامي .. يا علياء .. نامي ... يا .. علياء .. فالدنيا خطر والقلب شتاء ) 35 ( يا عروسة نيسان .. نامي وانشري الدمع .. فوق رمال الجنوب ) ص 39  فمن خلال هذه ( التنويمة ) تفتش الشاعرة على الذات ( العراقية ) المغتربة ، علها تجد الإطمئنان في النوم مستعملة المونولوج الذاتي السردي القائم على أسلوب الإنشاد ، الذي يهتم بالإنسان المتوحد المنعزل حد الوحشة كما يشير الناقد أوكونور . إن الشاعرة تتمتع بذاكرة ثقافية متعددة الإتجاهات ؛ لذلك يجد المتلقي عند القراءة الأولى للمجموعة ، يجد أنه قد استوعب النص لأول وهلة ، إلا أنه يكتشف أنه مظلل !! . فقد استثمرت الشاعرة ثنائية الظاهر والضامر من ذاتها بإجادتها الفنون البلاغية وأبرزها فن الاستعارة والتشبيه ، وختاما نشير إلى أن علياء المالكي تقترح أسلوبا معاصرا لتأريخ الذات وانزياحاتها المفاجئة المتغيرة بتغير المحيط مما وفر عنصر الإدهاش بصياغات جديدة للمعنى بجدلية التساؤل والتمني تساؤل الوصول إلى الذات  وتمني الإمساك بها.