الشهادة… حب من نوع اخر

 

 

                             

                  

                        نبيل ياقو خنانو

           التضحيات طريق من يبحث عن الاهداف العظمى، ولما كانت الاهداف سامية انسانية - دينية - عقادية ، تتزايد المشقات وصعوبة الوصول اليها, تسمو معها الشهادة وشرف نيلها كلما كانت الاهداف جامعة شاملة بعيدة عن الانانية والفردية ، وتحقيقها يجعل من شعب او امة ينال حقوقا بسبب تلك الشهادة اوالتضحية.

 

لا يختلف اثنين على ان الدين الانسان والوطن والمباديء قيم عليا ومقدسات يجب ان تصان، كونها اعلى درجات قدس اقداس الانسان.. تمجد وتقدم لها التضحيات ليس لانها تخص الفرد انما معه تكون للجماعة بفعلها خيرا كبيرا واستمرارية للمجموعة البشرية وديمومتها عبر الاجيال..... قيم تتخطى العائلة والشارع والمنطقة لتصل الى مفاهيم الوطنية والانسانية والكونية احيانا كثيرة.. فاستذكار الشهيد هو عينه استذكار الحب المتميز الذي يجمعه بالحب الانساني انسانيته، ويعززه بعده المبدئي والقومي والوطني والفكري .. وهو اعلى سمة من الحب البشري احيانا.. حب المباديء والحرية والعمل من اجل احلال السلام ونشر وبذار فكر جديد يغير الحياة ومسارات الشعوب والامم..

 

نكتب هذه الكلمات لشهداؤنا في يوم الشهيد الكلداني السرياني الاشوري، يوم مذابح سميل العام 1933 ، ونحيي معها شهداء كنيستنا المشرقية التي تكللت باستشهادات كبيرة وكثيرة عبر تاريخها كان اخرها وليس اخيرها مذبحة كنيسة سيدة النجاة اثر عملية بربرية همجية للارهاب لتضاف الى سجل امتنا ، نقطة بيضاء بطهارة شعبنا تثبت بصماتنا على ارض اجدادنا... وسوداء على جبين المتشددين والظلاميين واصحاب الصفحات السوداء..

 

الاحتفاء بذكرى سميل وصوريا وطورعبدين وهكاري وكل انسان مسيحي سقط في ما بين النهرين وشهداء امتنا - الكلدانية السريانية الاشورية - جزء من الوفاء لتلك الاجساد الحاملة عذابات الظلم والطغيان والفكر المتصلب ، نقيم الذكرى من اجل الارواح التي أمنت بالمباديء وظلت عليها متمكسة بها حتى الرمق الاخير,,, ليس من اجل الافراد اولا الاشخاص بذاتهم هو معزى الاحتفاء انما هو احتفاء لتذكير الاجيال بما قامو به وما قدموه من تضحية كبيرة من اجل قضية تجتاز الزمان والاماكن لتصل عبر التاريخ والعصور الى الاجيال المتلاحقة لتكون نبراسا مضيئا خلالها.... فالعظماء يكتبون تاريخهم بايديهم ، وكل بحسب طريقته واسلوبه ومدى عطاءه، والشهيد قدم اغلى شيء حياته ليس انتحارا انما شجاعة وما اجمل هذه الشجاعة والتضحية!!

 

بلوغ الأهداف الكبرى في الحياة يستلزم تضحيات كبرى, وان سمو الأهداف تقتضي سمو التضحيات وشرفها ورقي اهدافها وشرف المقاصد ونبل الغايات ليس بالامر السهل المنال ولا ياتي بالشعارات والاغاني والاناشيد، بل العمل والثبات على الاهداف والسير قدما فيها يصل بالحقوق الى بر الامان ترافقها الدموع والاحزان وعرق الجبين ، وكلها لا تقدر بثمن ، ولا تصل الى مستوى التضحية والشهادة ، فالحقوق والمسيرة تحتاج الى صبر وعزم ..

 

يوم الشيد الكلداني السرياني الاشوري فيه الكثير من القصص والحكايات لاشخاص اوفو بما اصرو على العهد واكملو ما امنو بيها حتى الشهادة، ونستذكرهم اليوم في ذكراهم الثامنة والسبعين ومعها نستذكر مقدساتهم والامهم وصبرهم على التعذيب والقتل والتشريد ، بهم تذكر امة عانت ومازالت كونها تؤمن بوجودها القومي وتسعى لتعيد امجادها على الرغم من كل شيء مرت به.

 

يوم الشهيد دعوة لنا جميعاً، لنمعن النظر في مقدساتهم، ووعودهم المكتملة وبمورد عشق لا يجف، ونبع عطاءٍ لا ينتهي. وصفحات مشرقة من سلوكيات انسانية رائعة مفتوحة على كل معاني الإيثار والعطاء اللامحدود.

 

يوم الشهيد، دعوة مفتوحة للتأمل في أعمق معاني الشهادة وأرفع معاني التضحية، وأسمى مآثر البذل والعطاء، انها محطة مفصلية روحية وقومية ومبدئية ، لا نستحضرها لنستذكر أحبةً غابوا عنا باجسادهم ، تعذبو عنا بروحهم لكنهم قدمو ذواتهم من اجل ما امنو به بكل حرية دون ارغام او اغصاب.. غادرونا الى الملكوت السماوي ناكرين ذواتهم من اجل امة يبحث ابناؤها عن الحرية والكرامة، الحقوق والوطن، عن الامجاد والرفعة، عن السكينة والطمأنينة.

 

ستظل ذكراهم باقية بقاء الجنس البشري وبقاء امتنا الحاملين روح امتهم بدواخلهم، الذين حركوا ضمائرنا للثبات على قضيتنا القومية والوطنية والايمانية، حيث منحونا فرصة عظيمة للتمسك بتراثنا ونسلنا وحضارتنا البابلية الاشورية، العراقية الدم والماء ، النقية بنقاء دجلة والفرات، هي  استدامة لجذور الحياة فينا وفي الاجيال القادمة....انهم صانعو التاريخ  ونقاط مضيئة في التاريخ ومحطات ترتاح اليها النفوس المناضلة المؤمنة بالقيم النبيلة..

 

الحق والحب  وان غطتهما سحب سوداء لابد في يوم  ان تنجلي .. وتشرق بنوريهما على ربوع الارض بمشارقها ومغاربها.. فالشهادة اسمى عناوين الانسانية..

 

طوبى لكم فانتم احياء في ملكوت السماء، واحياء في قلوب ابناء امتنا...فانتم نصبٌ في ضمائرنا وتاريخنا  وحاضرنا ومستبلنا .. وتستحقون ان تقام نصب ذكراكم في كل مكان من ارض بين النهرين  وحيث يتواجد ابناء شعبنا .. في كل العالم