ثلاثية  الكـعكـة ُ والكيــسُ والكرســي..... و ركـَعات المثقف  الإنتهازي

 

                     

 

                              

                                               

                                          

                            

                                                  شوكت توسا

               

    

 

   

   في قاموس اللغه , كلمة الانتهازيه  (نهز, ينتهز.. الفرصه) تعطي معنى ً غيرمعناها السلبي المشاع استخدامه في خضم  تعقيدات الصراعات و تعددت آلياتها,  حيث أصبحت كلمة إنتهازي صفة سلبيه يُنعت بها السياسي والمثقف الذي لا تهمه المبادئ والقيم بقدر ما يهمه تحقيق مآربه بأقصر الطرق واقلها كلفه.

      عندما يتفاجأ مجتمع ٌ بأزمة تلم به اوإنعطافة  تباغته ,تحتم الضرورة انبثاق نخبة  تتقدم الجميع في التصدي للازمه و معالجة تبعاتها ,الذي يزكي هذه النخبه ويخولها هو نضجها العقلي المتميز ومواهبها المجرّبه مقرونة بغيرتها الجياشه على شعبها ,قلما إجتمعت هذه العناصر في نخبة واحده ,ولو حصل واجتمعت  يكون ذلك المجتمع محظوظا لا خوف عليه ولاهم يحزنون .

    اذ نحن بصدد آفة الانتهازي القاتله والآلهه المنفعيه التي يعبدها,يقفزالى أذهاننا مشهد شعبنا الكلدواشوري السرياني كمثال ٍ امضى عقودا بل قرونا يتنقل بين أنفاق الأزمات دون مخرج او حل لواحدة من أزماته , اليوم ووضع بقايا هذه الأمة المؤلم , لا يبعث الطمأنينة في نفوس أبنائها ومحبيها ,وما يزيد القلق هو التشدق بذريعة لا ديمقراطية النظم و طائفية أحزابها , في حين يغض بعضنا الطرف عن خطورة العامل الداخلي الذي فتك وما زال يفتك  بمقومات التصدي وعناصر النهوض تهربا من مواجهة الحقيقة ومسؤولية معالجتها .

     بقراءة  فاحصه لقصاصات الشعارات الورقيه التي يرفعها أبناء هذه الأمه موزعين  بين جالس فوق التل يطلق بما يحلو له , وواقف ٍ متربص كي يضع عصاه  في دولاب عربة أخيه , و كاتب مثقف فضل ّ التغريد خارج السرب , وناشط متباك على التسميه ,و قائد مذهبي  يخشى ضياع سلطته . لو جمعناها كلها في يافطه واحده , يكون بامكاننا معرفة سبب عجزنا حتى في وضع حد للمتمادي الذي كان قد غط ّ في نومة اهل الكهف العميقه و فجأة يوقظه صليل الدراهم وشمشمة رائحة الكعكة ثم ينزل  وسط  الساحه  مرعوبا وبيده  يافطته المليئة بعبارات مطالبة الحق والحقوق و نبذ الهامش و التهميش  وهي منه براء براءة الذئب من دم يوسف .

      إن ما يجري لشعبنا المسكين على أيدي إخوة ٍمن دمنا ولحمنا , يشبه حال حزمة الخشب التي قـَطعت حبال شدها يد ُمدسوسه  فتفرقت العصي وبدأ تكسيرها واحدة تلو الاخرى , و لو تأملنا قليلا في تدافعات وخطابات البعض الناريه ,سنصاب بالهلع عندما نجد ان فيهم من نصب نفسه وكيلا ينوب عن خصوم ابناء جلدته وملكيا اكثر من الملك  ,عندها يتساءل المتأمل مندهشا يا ترى  الى متى نظل مخدوعين بصراخات لا يهدأ سعيرها الا بقطعة كعكة او كرسي دوار , أم مكتوب علينا ان ينزوي كل منا باكيا على ليلاه  وليلانا الأم طريحة الفراش تنتظر دفانا يرحم جسدها .

      في كل المجتمعات, يـُصنَفْ المثقفون طبقا لمناحي الحياة ومتطلباتها المتنوعه ,والمثقفون السياسيون في مجتمعاتنا  بإعتبارهم الطليعه التي يعوّل عليها العامة , يبرز من بينهم الجاد والمخلص و يرتفع كذلك صراخ المعتاش على مأساة ومعاناة شعبه , صنفان متناقضان  يعرفان بـ المثقف الثوري و المثقف الإنتهازي  لكنهما يشتركان في خطورة وجهة بوصلة  حركتهما .

    بالنسبة لبوصلة المثقف الثوري(الحقيقي) في مجتمعاتنا (الناميه) ,يحدد إتجاهها  التزامه بمبادئه  وغيرته على شعبه , وإلا لما أفنى حياته كالشمعة المحترقه .بينما إتجاه بوصلة المثقف الانتهازي دوراني محير , تدور وبشكل مكوكي داخل محيط دائرة الـ (أنا)  الضيقه ,ما أن تتحسس مجسات بوصلته صليل الدراهم  ودسامة زفر الكعكه تهيج شهيتها باعثة اصواتا غريبة عجيبه .

    إذن شتان  بين الثرى والثريا , شتان بين الذي يُركِع مبادئه من اجل مكسب فان ٍ , وبين الذي نذرنفسه لشئ اسمه الانسان وقضيته , شتان بين المتلون كالحرباء كلما تراءى امامه الكيس  والكعكه والكرسي , وبين مثقف ثوري كلما  قست الأيام زادت من عناده وسمت أخلاقه لتقف حائلا بينه وبين النيل من اهله في ضائقتهم .

    المثير للسخريه في أمر المثقف الانتهازي , زيف إستخدامه الفج  لمصطلحات العصر المحببه  في دغدغة عواطف البسطاء  ثم  سرعان ما يتنكرلها عندما تحين ساعة مطالبته بتطبيقها كاشفا لنا فجاجته وقبح فعلته  .

   الانتهازيه كثقافه, لها روادها وهي سلوك لا يجيده الا الذي تربى على التملق والرياء,وخطرها لا يداهم المجتمع على حين غــّره , بل كالفايروس له حاضنات تغذيه ومقدمات  يرتبها و يبرمجها الانتهازي لنفسه لو أستطاع, وفي حال عجزه , ليس من رادع اخلاقي يمنعه من  التسول بحثا عن زعيم او سياسي يحتضنه ويلقنه , فتصبح مهمته بث الافكارالمسمومه وترديدها كالببغاء في مسامع السذج الذين لا تسعفهم خبرتهم  في  كشف الأكاذيب وردها الى مطلقيها فيقعون في شباكه , انه بهلوان ومبدع  في إغراء البسطاء  للسير وراء ضجيجه المفتعل , لا يهمه ان كانت الجوقة تمشي خلفه حبا به او مخافة منه او إعجابا  بسحر مزماره, المهم عنده خلط الاوراق لإذكاء روح العداء والفرقه  بين الإخوه والأحبه عسا ان يتمخض عنها ولادة معزى حلوب .

     لقد علمتنا الحياة بان الإنتهازي الذي علمته ثقافته عيش حياته  ذليلا من اجل كعكة اوكيس دراهم  اوكرسي لا تربطه بناسه ومحيطه  سوى مصلحته , فيلقى صدى تشنيعه بأهله التشجيع والترحيب لكن وراء اسوار البيت , لهذا السبب تراه مكثارا في محاببة الزعيم والسياسي  ظنا منه انه سيحميه من ردات فعل المساكين على جريمته المشينه ,  ولكي يظهر نفسه بهيئة الجهبذ  الكاسر لشوكة ابناء شعبه , يحوم حول سذج العقول كما اسلفنا موهما اياهم  بقدراته وعلاقاته  فيصبحوا كقطيع نعاج  يقتادهم  من صحراء قاحله الى اخرى أقحل بحجة البحث عن العشب  والكلأ , بالنتيجه يبات الجياع لياليهم زغب الحواصل لا ماء ولا شجر , او ياكلوا  لحوم أجساد بعضهم  ثم يتركون كالغنم القاصيات  ويعود الراعي الى سيده منتصرا .

   

الوطن والشعب من وراء القصد