" الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً "

 

                     

 

                              

                                               

                                      

                                                                                                    

                                                 المحامي

                                               زيا يلدا زيا

               

    

 

   

     لا يخفى علينا ان الشريعة الاسلامية تعتبر من مصادر القوانين الوضعية في العراق الى جانب التشريع والاعراف وغيرها من المصادر , مما جعل من قوانيننا الوضعية في بعض الاحيان معارضة لمباديء الاديان الاخرى في المجتمع العراقي , وأحد الامثلة هو ماجاءت به نص المادة (21) الفقرة (3) من قانون الاحوال المدنية العراقي رقم 65 لسنة 1972 المعدل والتي تنص     " يتبع الأولاد القاصرين في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الأبوين " .

    قد لا يفهم الكثيرون معنى هذا النص ولكي اوضح هذا النص ارجع الى فتح موضوع مهم وحساس في مجتمعنا المسيحي إلا وهو , إسلام احد الابوين المسيحيين والحكم الذي يحيط بهذه الحالة .

   ان الشريعة الاسلامية تجيز لغير المسلم تبديل دينهم الى الإسلام وهذا ما جاءت به نص المادة (20) الفقرة (2) من قانون الاحوال المدنية العراقي على إنه " يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقاً لأحكام هذا القانون " , ففي حالة كون الزوج هو الذي أشهر إسلامه فإن الزواج يبقى صحيحاً حيث تجيز الشريعة الإسلامية زواج المسلم من كتابيه , اما اذا كانت الزوجة هي من أشهرت إسلامها فان الرابطة الزوجية في هذه الحالة تبقى معلقة على مفاتحة الزوج وعرض الإسلام ديناً عليه فإذا رفض , تصبح الرابطة الزوجية بينهم باطلة ويتم التفريق بينهم .

    بعد هذا الايضاح اصل الى سؤال مهم وهو , مصير الاولاد القاصرين في حالة إسلام أحد الأبوين ؟ ومن خلال هذا السؤال اكون قد وصلت الى صلب الموضوع وهو ماجاءت به نص المادة (21) الفقرة (3) السابقة الذكر والتي تنص " يتبع الاولاد القاصرين في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين " , اي إنه الأولاد القاصرين في حالة إسلام أحد الأبوين يصبحون مسلمين تبعاً لذلك حتى وان كانت الام هي التي اسلمت وهجرتهم وتركتهم مع والدهم وهم صغار وبأمس الحاجة الى رعاية الام وحنانها , وحتى لو لم يكن لديهم دراية بهذا الموضوع فالجهل بالقانون لا يعتبر عذراً , على ان يكون لديهم الحق وخلال سنة من بلوغم سن الرشد (18سنة) الرجوع الى دينهم , وهذا هو الحكم الشرعي المتبع في العراق , أي إن على الأولاد عند وصولهم الى سن الرشد ان يبادروا خلال سنه الى الرجوع الى دينهم الاصلي وإلا فإن حقهم في ذلك يسقط.

    وهذه هي اكثر المشاكل التي تواجه الكثير من العائلات في مجتمعنا والتي اسلم احد الابوين فيها, فاغلب الناس لايعرفون النصوص القانونية وليس لديهم درايه بالقانون الذي يحيط بهم في هذه الحالة ويتفاجؤوا بعدها بسنوات انهم مسلمين من غير ان يعرفوا كيف ومتى اسلموا ولا يستطيعون في هذه الحالة الرجوع الى دينهم بسبب عبورهم للسن القانوني الذي يسمح لهم ذلك , ويصبحون معلقين بين دين  اختاره لهم القانون دون علمهم ورضائهم وبين دينهم الذي عاشوا تحت ظله وتربوا على قيمه ومبادئه , واذا تحججوا بعدم معرفتهم بهذا القانون وعدم درايتهم بانهم مسلمين وقد عبروا السن القانوني للرجوع الى دينهم فإنهم ينصدمون بجواب اخر وهو " إن الجهل بالقانون لا يتعبر عذراً" . وفي حالات كثيرة تتزوج الفتاة وبعد مراسيم الزواج وابرام العقد وعندما يقوم الزوج بأجراء معاملات تحويل قيد زوجته على قيده ينصدم بان زوجته مسلمة نتيجة  لإسلام احد ابويها وهنا تتحول المشكلة الى اشخاص اخرين وتكبر المشكلة بعدما يصبح لديهم اولاد دون ان يكون بالإمكان تسجيلهم في السجلات الرسمية ويبقون على هذه الحالة ويفقدون حقوقهم كمواطنين في هذا البلد لعدم امتلاكهم المستمسكات الرسمية ولا يكونوا إلا أمام حل واحد فقط وهو ترك البلد والهجرة الى الخارج .

      بعد استعراض هذه المشكلة من جميع جوانبها قد يسأل سائل , ما هو الحل للخروج من هذه الحالة ؟ وهنا نكون امام  طريقتان الاولى  لانستطيع الاستفادة منها في الوقت الحاضر ولايمكن ذلك إلا من خلال تشريع قانون جديد يحل محل نص المادة (21) الفقرة (3) من قانون الاحوال المدنية العراقي السابقة الذكر , حيث كثر الحديث في الاونه الاخيرة حول وجود مقترح تعديلي معروض امام برلمان الاقليم وقد كان نص هذا المقترح بالصيغة التاليه " يبقى الاولاد القاصرين على ديانتهم في حال تبديل احد الابوين او كلاهما لديانتهم مع الاحتفاظ بحقهم في الاختيار عند بلوغم سن الرشد " وهنا نامل من ممثلي شعبنا في برلمان الاقليم ان ياخذوا هذا الموضوع على عاتقهم وان يحاولوا بكل جهد لتبديل نص هذه المادة والخروج من هذه المشكلة بطريقة قانونية .        اما الطريقة الثانية للحد من هذه المشكلة هي طريقة وقائية وذلك من خلال التوعية القانونية لابناء شعبنا حول هذه المشكلة وخاصة للذين وقعوا فيها وان يبادروا عند بلوغم سن الرشد (18) وخلال سنة الى مراجعة دائة النفوس والرجوع الى دينهم قبل فوات الاوان .