المسارات الآمنة للعراق.. ما سلفَ منها وما هو آت

 

                                          

                                                               

                                                             عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

               أن أحد أهم الأمور التي أكدّها "يوم الوفاء"31 كانون الأول 2011 هو أن خيار المفاوضات الذي شكّلت الحكومة العراقية أحد أطرافه كان الخيارالأكثر أمنا. فقد دخل به العراق مرحلة التحرر الوطني لتبتدأ خطوات بناء الدولة وليأخذ دوره الإيجابي الفاعل وتنشيط علاقاته الديبلوماسية وبشكل متوازن مع محيطه الاقليمي والدولي في عصر لايمكن لأي بلد العيش بشكل منفرد وبمنأى عن بقية دول العالم. فقد تكلّلت الجهود التفاوضية للحكومة العراقية بمنجز تاريخي لم يكن ليحدث لولا الموازنة الدقيقة للسيد المالكي ما بين ابداء المسؤولية الكاملة تجاه ما أفرزه المسار التفاوضي من التزامات مع الجانب الأمريكي وبين إلتحامه مع سقف التطلعّات الوطنية للشعب العراقي الطامحة لنيل سيادة العراق الكاملة على أرضه وثرواته. وإلى جانب هذا وذاك فقد تجاوزت الحكومة برئاسة السيد المالكي فترة عصيبة تقاذفتها مطرقة الإرهاب من جهة وسندان الشركاء السياسيين الساعين لوضع العصيّ في عجلة الأداء الحكومي من جهة أخرى.

لم تكن المهام التي تصدّت لها الحكومة العراقية باليسيرة مع ذلك فقد استطاعت التغلّب على تحديات المرحلة الماضية بدرجات نجاح متفاوتة مابين صعيد وآخر وبحصيلة تكاد تكون التجسيد الأصدق لأقصى مايمكن تحقيقه مقارنة مع الجوانب الأمنية والسياسية المشار لها سلفا والتي أحاطت مسار أداءها الحكومي. و لاجدال في أن مرحلة مابعد الانسحاب سوف تلقي بمسؤوليات أكبر وأشق على كاهل الحكومة تتطلّب من القوى السياسية مجتمعة الحفاظ على المشروع الوطني الذي تصدّت له الحكومة في المرحلة الماضية، مع ذلك فليس من المتوقّع أن نرى أداءً مختلفاً عما دأب عليه الشركاء السياسيون في المرحلة السابقة، مما يشير الى أن أمام الحكومة العراقية ممرا أخطر لايمكن تجاوزه دون تبنّي قرارات أكثر جرأة ترتقي الى مستوى المرحلة وماتنطوي عليها من تصور لخطط تنموية وطنية شاملة  ومايترتّب على هذا التصور من ضرورة تبنّي معالجات جادة لأي شرخ محتمل في العلاقة التلازمية والجدلية بين الأمن والتنمية.

لاشك بأن التصور التنموي الشامل لن يكون بمنأى عن خطط تنمية الثروة البشرية التي تعد الحجر الأساس لأي عملية تنموية شاملة وكذلك جذب العقول العلمية واستثمار الطاقات العراقية المهاجرة بما فيه إعداد الخطط الكفيلة بتحقيق الهجرة المعاكسة لرأس المال العراقي في الخارج ليكون حافزا لدخول رأس المال الأجنبي. ولست بصدد تناول التوجه التنموي بشكل تفصيلي فهناك من هو متخصص في هذا المجال ولكن مانود التأكيد عليه هو استحالة وجود تنمية شاملة دون وجود بيئة آمنة والعكس بالعكس وليس التجارب العالمية وحدها من تشير الى ذلك، بل ذلك ما أكدّه القرآن الكريم في قوله تعالى "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" (سورة ايلاف). وذلك مايشير الى العلاقة التلازمية فيما بينهما وبما لايدع مجالا للقول بأن المرحلة القادمة خالية من التحديّات الأمنية بل تبرز الحاجة وبشكل أكبر لترسيخ دعائم الأمن وبما يجعل من البيئة الأمنية أكثر استيعابا للتوجه التنموي ومرحلة بناء الدولة.

وفقا لذلك يصبح الحديث عن التوجه التنموي وتطوير مساحة العمل المشترك مع الدول المتقدمة على الصعد المختلفة والسعي لتحرير الاقتصاد العراقي من قيود البند السابع، حديثا غير مكتمل ولايرقى الى أن يتصف بالجدية أو مايمكن وصفه بالممر غير الآمن مع وجود الوزارات الأمنية دون تسمية الى اليوم حيث تقف بعض القوى السياسية في وجه الحكومة لتعطيل حسم هذا الملف الحيوي. وبالتالي تبرز الحاجة الى قرار شجاع من السيد المالكي مكملا لإنجازاته السابقة ومتوائما مع مرحلة التحرر الوطني يتلخّص في ترشيح شخصيّات وطنية كفوءة ومستقلّة، ومع أني أرى بأن السيد نجيب الصالحي هو أحد أبرز الشخصيات الوطنية التي لم تأخذ فرصتها وممن لايتسنى للمتصيدين بالماء العكر الطعن في تاريخها أو التشكيك في حرصها على التجربة الديمقراطية أو الإنتقاص من قدراتها الادارية في حال ترشيحها لوزارة كالدفاع أو الداخلية، مع ذلك ففي العراق من الشخصيات المستقلّة والكفوءة الى جانب السيد الصالحي ما نحن بأمس الحاجة لتوظيف قدراتهم وفسح المجال لهم للإسهام في رفع كفاءة الأجهزة التنفيذية لكي يتماشى المنجز الأمني والآخر التنموي بشكلٍ متواز على حد سواء ضمن مسار وطني آمن.