"سنعود بعد قليل" ... دراما بطعم الواقع

 

   

 

                                              

                                                فادي كمال

 

 

"سنعود بعد قليل" عنوان لدراما سورية أطلت علينا في شهر رمضان المبارك، ضمن مجموعة هائلة من الأعمال الدرامية التي تزاحمت لتحتل مكانتها على الشاشة الصغيرة، تحاكي هذة الدراما الأزمة السورية الراهنة، ولكن من زاوية مغايرة لما هو مألوف، فأبتعدت عن المعالجات الدرامية التقليدية، وحاولت ملامسة نبض الشارع المتألم، ففاضت بكم من المشاعر الإنسانية، لتعرض ارهاصات الانسان وتقلباته في زمن الحرب.

 قصة المسلسل مستوحاة من الفلم الإيطالي الشهير "الجميع بخير"، إلا أن الكاتب رافي وهبي نجح وبأحترافية مميزة في إسقاط القصة على واقع بلده ومعاناة شعبه، وفي موازاة لذلك ابدع الأبطال السوريون واللبنانيون في رسم معالم شخوصهم بحيوية وعفوية متميزة، فيما تمكن مخرج العمل الليث حجو من تقديم بانوراما سياسية اجتماعية في طابع اسري، اعتمد فيها الحوار الهادئ، محافظا على عنصر التشويق.

ورغم أن الدراما تتحدث عن حالة الحرب السورية، إلا أن المخرج تعمد الابتعاد عن مشاهد العنف، وهو يحاول نقل الحدث عن طريق الحوار بين الأبطال، وعرض بانورامي لمشاكلهم وتعاطيهم اليومي مع ضغوطات الحياة في واقع جديد غريب عن ما اعتادوا علية سواء في بلدهم أم في ملجأهم الاختياري بعيدا عن ارض الوطن، فيما كانت أصوات دوي الانفجارات تصاحب المشاهد التي تشير الى أننا ندخل اجواءً دمشقية، ويؤخذ على مخرج العمل المبالغة في تلك الأصوات، والتي تستمر على طول المشهد بشكل غير مبرر.

من جهة أخرى نجح بطل المسلسل الفنان دريد لحام "نجيب" في تقديم دور الاب المحب لاولاده والمربي المثالي، ليمزجها بحرفنة شديدة بصورة الوطن الحاضن لأبنائه، والمفتخر بانهاء مهمته على اكمل وجهة، والتي نجح فيها في خلق مواطنين صالحين، فيما يرفض وبشدة فكرة خروجهم عن طريق الصواب الذي رسمه لهم، وهم يمثلون الحصيلة النهائية لسنوات طويلة.

يتفاجيء "نجيب" لا بل يصدم، بعد اكتشافه وعن طريق الصدفة وهو يختم جولته على اولاده والتي بدأها بعد علمه بأصابته بمرض خطير، بحقيقة حياة ابنته الصغيرة ميرا "غيدا نوري"، بما تحمله من خطايا واخطاء، فيما نجح جميع أولاده الأخرين في أخفاء ما وصلت اليه حياتهم في ارض المنفى، بعيدا عن ما رسمته لهم مثالية الوالد الحنون.

وفي مشهد من اروع ما قدمه لحام في المسلسل، يرفض بطلنا الاعلان بتصديق كل ذلك، ويرسم ابتسامته الابوية في وجهة ابنته "ميرا"، ويحتضنها فيستسلم لسقوط جسده في اعلان لنهاية مؤقته لرحلة حياة طويلة وشاقة، في طرح  يمثل فانتازيا من المثالية المفرطة البعيدة عن الواقع والتي أغرقت نجيب وابنته ميرا. ولكنها كما يبدو مثلت محاولة اخرى للاسقاط على علاقة العشق بين الوطن لابنائه، والتي قد تكون هي الاخرى بعيدة عن الواقع الملموس في منطقتنا العربية.

وما يلفت الانتباه في هذا العمل نجاح الكاتب والمخرج في المحافظة قدر الامكان على مسك عصا الازمة السورية من الوسط، وعدم الانحياز نحو المعارضة أو النظام، فقدم الواقع بانقسامه الحاد بين الطرفين، والذي قد يصل الى حدود الأسرة الواحدة فينتزع الابن من أبيه، ويفرق الأخ عن أخيه.

ولكن رغم تفوق العمل على اغلب الاعمال التي تابعتها رمضانيا، إلا أنه لم يخلو من بعض الهفوات، ومنها الكم الهائل من المثالية التي تبرز من خلال عدد من شخصياته كالإب "دريد لحام"، وابنه الرسام راجي "رافي وهبي"، كما برزت الحوارات المتضمنة الإرشادات والنصائح المملة في بعض الاحيان، ما جعل بعض المشاهد تبدو طويلة وذات رتم بطيء، من جهة أخرى كان الأجدر بالمخرج أن يكشف للآب "نجيب" حقيقة حياة جميع أولاده وأن لايقتصر هذا الاكتشاف على حقيقة ابنين فقط هم الاكبر السياسي سامي "عابد فهد" والصغرى ميرا "غيدا نوري".

ومع تلك الهفوات كانت دراما "سنعود بعد قليل"، علامة مميزة في شهر رمضان تمكنت من تقديم الأزمة السورية ضمن معطيات مغايرة لما هو مألوف، كما نجحت أسرة العمل في شد المشاهد، وجعله يتفاعل مع الأحداث، وأخذت تنقله بين مشاهدها بواقعية وبلا ملل، وبالفعل كانت دراما بطعم الواقع.