مدينة كرمليس التاريخية وبيوتها الاثرية

 

                                                   

 

                                                             

                     

                                                              

                                      

                                               قصي يوسف مصلوب

 

     على الرغم من مرور قرون على بيوت بلدة كرمليس, لكن أصحابها يعتبرونها أماكنهم المقدسة التي لا يمكنهم هجرها أو تغيير معالمها الشرقية الجميلة, بيوت تحاكي الزمن وتصارعه لسان حالها يقول شاهدنا احتلال المغول لهذه البلدة والحكم العثماني والاحتلال الانكليزي والحكومات العراقية المتعاقبة. بيوت بلدة كرمليس اليوم هي كرجل مسن ينتظر موته القادم من خلف السنين الطويلة التي عاشتها بلدة كرمليس إحدى أقدم بلدات محافظة نينوى .

 

كرمليس او كار مليسو او كرمش او اير ايلو بانو اسماء اشورية كثيرة لبلدة عريقة  كان لها شان عظيم في العصور الأشورية الثلاثة فهي المدينة المقدسة لديهم وأهل كرمليس بعد مضي ثلاثة وأربعين قرن من تسميتها لايزالون يلفظون اسمها كالسابق كار ملش أي مدينة مليسو أو مليشو وتعود هذه التسمية لعام 2376 ق م.

 

الاثاريون الأجانب والذين قصدوا البلدة في القرن التاسع عشر الواحد تلو الأخر اتفقوا بأنها مدينة الإلهة الأشورية بعد إن وجدوا فيها النصوص المسمارية التي تذكر اسمها (اير – ايل – بانو) أي مدينة الإله بانو.

 

لو قصدت البلدة القديمة وتجولت بأزقتها لعرفت أنها جميعها مبنية من الحجر والجص وأهالي البلدة منذ قرون خلت افلحوا بصناعة المتفجرات التي صنعوها من مواد متوفرة بأرضهم ليستخدموها بتفجير حجارة الجص وصنعوا الجص ليبنوا كنائسهم وبيوتهم ويقومون ببيعه بالمناطق المجاورة.

جاء في كتاب وثائق بغديدا "  مركز قضاء الحمدانية " للاب بهنام سوني " باع الكرمليسيين الجص لمناطق كثيرة ومنها عام 1711 لبلدة قره قوش التي هي مركز قضاء الحمدانية اليوم ليعمروا إحدى كنائسهم " كنيسة مار يوحنا الديلمي " .

 

 فالجص صناعة قديمة في كرمليس رغم تركها اليوم. الرحالة ياقوت الحموي ذكر هذه البيوت فقال عنها " بلدة كرمليس أشبه بالمدينة فيها سوق وحمامات مشهورة وبيوتها مثل بيوت الموصل ".

 

كرمليس تتميزعن باقي القرى والبلدات المجاورة بانها بنيت بالحجر والجص منذ أقدم العصور لامتلاك البلدة مقالع الجص فالكنيسة الأولى المبنية بالجص والحجر واسمها مار كوركيس بناها الأهالي عام 590 ميلادية.

 

تقول السيدة مسكو حنا بابكا وهي امرأة مسنة في الثمانين من العمر "عندما قدمت قوات نادر شاه الى الموصل هرب جدنا الأعلى هرمز إلى بلدة كويسنجق وعاد بعد انتهاء الحرب", نادر شاه الذي حاصر الموصل عام 1743 ودحرته قوات الموصل بعهد الوالي محمد بك الجليلي. والبيت – والكلام لايزال للسيدة مسكو – حسب ما تناقله أجدادنا كان مبنيا قبل هجوم نادر شاه بزمننا طويل وكلما تصدع جزء من البيت كان أجدادنا ونفعل نحن بتعمير المنزل فهو ارث أجدادنا فهو من حفظ غلتهم من العثمانيين واستخدموا سراديبه لماشيتهم وخيولهم.

 

قصدت البلدة عدد من القنوات الفضائية العراقية والعربية لتصوير هذه البيوت الأثرية الآيلة للسقوط والتي لم تهتم بها أي منظمة أو جمعية. تستمر مسيرة البيوت ولكن إلى المجهول بالرغم من اعتزال الأهالي هنا بهذه البيوت لكن صعوبة ترميمها يكون من حيث عدم وجود خبراء بفن العمارة القديم فبعضها أصبح خرائب والبعض الأخر يسكنه الأهالي ويحاولون بشتى الطرق إبقائه فهو ارث الأجداد حسب قولهم.