كَــناوّا

 

   

 

 

 

                                              

                                                   بدران امرايا

من موروثنا الشعبي   

تتصف المجتمعات بالكثير من الصفات الانسانية الحسنة ,وهذه مما تساعد على العيش بنمط السلام والتآخي والوئام فيما بينها , الى جانب وجود بعض من الصفات السيئة التي تعكر اجواء هذا النمط من الحياة ,وتتفاوت النسبة من مكان لاخر ,وانها بلا شك متأتية من عوامل عدة منها الخلفية الثقافية ,والتربوية والتعليمية والتنشئة الاجتماعية ,والظروف الاقتصادية لذلك البلد او المجتمع,كل هذه العوامل وغيرها تلقي بظلالها على مجمل سلوك افراد المجتمع وتحدد نمط ذلك السلوك سلبا او ايجابا في المستقبل  .

وان افتقار المجتمع لهذه العوامل الاساسية البنيوية للحياة  فان احدى نتائج ذلك هو تفشي ظاهرة السرقة ,وذلك تحت ذريعة اشباع حاجة اساسية كالطعام والشرب والكساء ,لانها مرتبطة باستمرار نسمة الحياة ,او لتحقيق رغبة كمالية او عقدة نفسية , وذلك بالتطاول على شيء خفاءا ودون علم ورغبة صاحبهِ وهو لايقتصر على المسائل المادية كما كان سابقا , بل وامتد الى الافكار والكتابات والمعروفة بالسرقات والسطو الادبي ,وسرقة المعلومات والبيانات من الحاسبات.والى مواد خطيرة كالاعضاء البشرية والمتاجرة بها الان في بعض المناطق .

وهنا سأتناول هذا الموضوع من حيث الموروث الشعبي عند شعبنا  الكلدواشوري السرياني وان لهُ ذاكرة زاخرة عن تداعيات هذه المسالة المقيته في حياة اهالي القرى ,فكانت بعض قرنا هدفا للسلب والنهب وحتى سرقة البنات مَرقتّا دبناتّا التعدي على شرفهن , اما السطو على قطعان الماشية والابقار فكانت تسمى تَالَن,سلَبتّا الغزو فكان هناك اتفاق بين الرعاة واهالي القرى ففي حال ظهور اللصوص فكان الراعي يطلق اطلاقة في الهواء او اثنين وهي علامة ليعلم الاهالي بان القطيع تعرض للسطو ,فبسماع اهالي القرية هذه الاشارة فيتركون كل ما في ايدهم ويدهم على زناد السلاح او العصي ويقصدون مكان القطيع لاسترداد قطيعهم ومصدر معيشتهم,فاما ان يستردوه بقتل اللصوص او هروبهم او مقتل اشخاصا من الاهالي , وكم من اهلنا اصبحوا ضحية الدفاع عن اموالهم ,ولهذا السبب كان تصميم البيوت قديما يعمل بشكل محصن وعالي ومنافذه صغيرة ليسهل اوصادها بأحكام تلافيا لهذه الظاهرة الكريهة,  والتي وتيرتها تنشط في ظل ظروف من الفقر والحرمان, وسابقا كانت تنحصر في مواد معينة كما اسلفنا , اما الان فاخذت منحا خطيرا وان افكارها وموادها ووسائلها تتطور مع تطور موضة العصر, مستغلة ومسخرة التكنولوجيا والتقنية الحالية في هذا الاتجاه السلبي .

 ܓܲܢܵܒܼܵܐ  كَنابا  اسم سرياني مشتق من ܓܢܲܒܼ بمعنى الجانب او الذي يقف بالقرب او بجانب وهو السارق والذي بامكانهِ ان يسرق المسائل المادية طبعا عند بجانبك او قربك .

ايدا يرختّا, اليد الطويلة يقال للسارق الذي يطول يده ليأخذ ماليس لهُ .

كَناوا لِي اخل سواتّهِ, السارق لا يشبع .

لَيلّي دكَناوّا,ليلة السرقة , وذلك عندما يكون الليل ظلاما دامسا . كان يقال انها ليلة السرقة فكان السراق يستغلون ذلك الظلام ليضربوا ضربتهم الغادرة. .

بكَانولاّ اليتّا من وانّا, اي يسرق الالية من الغنَم , يقال للانسان المحترف في السرقة.

بكَانو كِخلا من أينّا, يسرق الكحل من العين ،يقال للص الخبير في الصنعة ايضا.

ان كَناوّا ومارّا دبَيتّا بَيشي خا, تَورَا من كاوّي مبلطيلّي, اذا اللص وصاحب البيت اتفق فأنهم سيخرجون الثور من الشباك .

اد كَانّو بد كَنويلّي ,الذي يسرق سيتعرض للسرقة ايضا.

 

  ففي احد الايام اقدمت مجموعة من اللصوص لسرقة عجل البقرة وكان الوقت ليلا دامسا فدخلوا خلسة الى احدى القرى , من ثم احدى الحظائر وامسكوا بالعجل عن طريق الملامسة وحملوهُ وفروا مذعورين ,وخلال الطريق قطعوا رأسهُ ورموه ليكون خفيفا للحمل , وعندما وصلوا الى منطقة آمنة سلخوا جلده وبدأوا يشونّ اللحم ويأكلونهُ بطعم وشهيه ,ثم خلدوا الى النوم ,وعندما ابهرت الدنيا بطلوع الشمس صباحا, ارادوا تقسيم اللحم المتبقي فيما بينهم فتفاجئوا من منظر العجل المزعوم ليظهر انه جحش الحمارة وان السرقة اعمت بصرهم وبصيرتهم .   

ذات مرة اشترط رجل كان صاحب الحصان بان لا يمكن لاحد ان يسرق حصانهِ ,فقال لهُ احد السراق لا تشترط  ولا تكن واثقا من نفسك هكذا!! ,وان سرقتهُ ماذا ستعطيني؟ فقال صاحب الحصان فليكن الحصان حلالا وزلالا لك عندئذ. فقال اللص حسنا , فقد وضع  صاحب الحصان منامهِ عند باب الحضيرة , واستلقى عليهِ وعندما غلب عليهُ سلطان النوم, جاء ذلك اللص المتمرس وعبر من فوق الرجل خلستا , ودخل الحضيرة وركبّ اربعة اغطية صوفية تَحتّا على حوافر الحصان كي لا تصدر اي صوتا عند اخراجهِ, واوصل الحصان لبيتهِ ,وعند الصباح استفاق الرجل وهو متأكد بان الحصان في مكانهِ ,لكن ظنهِ خاب عند رؤية المربط فارغا وبذلك خسر حصانهِ .

ثلاثة لصوص دخلوا الى احد البيوت ,وكان المكان ظلاما دامسا فتحسس احدهم باللمس وجود آنية فيها شيء فوضع يده فيها, واراد معرفة طعمهِ فاذا هو بالملح ,فقال لاصحابهِ هيا لنخرج لاني اكلت ملح هذا البيت ويحرم عليّ سرقتهِ.

وذات يوم استغل لصا محترفا احدى المستجديات ܓܹܒܼܲܝܬܵܐ الفقيرات الساعية وراء لقمة عيشها, قائلا لها انك جئتي والله جابكِ لانني انسان غني وعليّ ضريبة الزكاة ،وسوف تكون من نصيبك لهذه السنة , ففرحت المرأة وكادت ان تطير من شدة الفرحة,فخيرها بين شراء الذهب او المال نقدا, فاختارت الذهب ربما لحرمانها التزين بالذهب كباقي النساء, فدخلا سوق الصاغة فقال للصائغ هات ماعندك من الصيغة الجيدة والجميلة , ففرح الصائغ بهذا القول, فقال الرجل للمراة اختاري ما تريدينّ من الصيغة الذهبية, فاختارت المراة كمية مناسبة من الذهب فقال لها هل اكتفيت؟ فجلب الصائغ الشاي  للضيفين , فقال الرجل فقط دقيقة اريد ان اتأكد من عيار الذهب عند محل الصائغ المقابل المرأة جالسة , فآمن الصائغ بوجود المراة فارجل خرج واسرع كالبرق واختفى عن الانظار بلمحة بصر. وبعد فترة قال الصائغ للمراة تأخر ابو اطفالكِ, فقال المراة انه ليس زوجي, وهو رجل غني اراد شراء الذهب لي كزكاة, فتعصب الرجل وجن جنونه بسماع ذلك الخبر ،وبذلك اصبحت المرأة ضحية سهلة لهُ.

 هذه كانت كَنوتّا السرقة تلك الافة الاجتماعية السيئة , فيجب ان نكون حذرين  من طرقها واساليبها العصرية المظللة.

رخقا من كَنَوتّا وكَناوّي