الكاريزمه  تتجلى  في حراك غبطة البطريرك لويس روفائيل ساكو

 

                             

                  

                                             

                                         

                                                  شوكت توسا 

     

    من اجل تقييم مسيرة مسؤول ما , يتبع المختصون في ذلك سلـّماً او خطا بيانيا ترصد من خلال تقاسيمه و منحنياته تحركات ذلك المسؤول في صعودها ونزولها او استقامتها وتعرجاتها ثم تحدد على اساسها قدرته من عدمها في تأدية واجباته المناطه اليه .

    في هذا الصدد يجوز لاحدنا ان يتساءل وليكن (انا) يا ترى  هل هناك ضروره لتوفر الصفه الكاريزميه في المسؤول كي يكون اكثر اقتدارا في تادية مهمته ؟ام يكفيه التقيد بالتعاليم المهنيه او بنظام حزبه الداخلي  او بطقوس الصلاة والاتكال على ما تقسمه له مشيئة الاخرين  وما تسمح له حركة الاوضاع.

    الكاريزمه في الحقيقه  هي ليست رتبه او تدرج وصفي تمنحه جهة ما  لمجرد ان احدا اجهد نفسه من اجل رغبة لامتلاكها ,كلمة كاريزمه هي مفرده اغريقيه تعني هبة من الله او من الطبيعه يحصل عليها انسان ٌدون آخر لاسباب وارادات قدريه او فيزياويه وبيولوجيه  تجعل صاحبها  ذي قدرات استثنائيه اقرب الى الخارقه لو قورنت بروتينية قدرات غيره ورتابتها , تكتمل فائدة سمة الكاريزمه وتجنى منها الثمار حينما يستثمرها مالكها في تادية  مهمه يعجز غيره عن تأديتها .

   كي تتحقق السمه الكاريزميه بمعناها المتكامل في شخص انسان  , لابد من  توافرشروط بديهيه اهمها عمق المعرفه و استقامة السلوك  مع توافر القناعه المطلقه بوجوب تأدية مهمه لصالح شعب  ما اوشريحة معينه , فيصبح نجاح الشخص الكاريزمي بما يمتلكه من امكانات ذاتيه  مرتبط  بشرط تحقيق المصالح العليا للذين يستمعون اليه و يقتنعون بما يطرحه من تحقيق للعداله والحرية والامن العام .

    حديثنا هذا يعيد الى الاذهان نماذج  بطوليه وقياديه ولدت  من رحم الازمات واوار الحروب والمحن و في مختلف الحقب والازمنه , كان لهذه الشخوص ادوارها المتميزه عن بقية الناس في حسم الامور وحلحلة الازمات وحفظ الكيانات وحمايتها من شرور الاوضاع واطماع العابثين ,مثل هذه النماذج يصح وصفها بالكاريزميه. وحديثنا ذاته  يضعنا اليوم امام حالة لا احبذ وصفها بالمثيره بقدر ما هي ملفته  للعنايه والاهتمام  والدعم ممثلة في شخص غبطة البطريرك لويس ساكو .

    فقد سبق  لنا في مقال حول نداءات  غبطة البطريرك ساكو أشرنا فيه باننا لسنا من دعاة زج رجال الدين في الامور السياسيه لما لمرتباتهم من قدسيه ولما للفارق الديني والمذهبي من تاثير سلبي في عمل الاطياف , كما اكدنا في مقالنا ايضا باننا لسنا ممن ينادي بالغاء دور السياسيين ونبذ جهودهم لسبب مزاجي , ففيهم من يجتهد مخلصا وفيهم من يتخلف عن الركب.

    الذي نود طرحه  بعيدا عن اية مؤثرات  سياسيه او مذهبيه ,هو ظاهرة الرجل الوقور ( غبطة البطريرك الجديد) , الذي ظهر لنا  ظهورا ملفتا بقدراته واصراره , نعم انه رمز روحي ديني مسيحي ولاهوتي ضليع  يمكن لاي منا ان يجتهد في وضع حدود لمساحة تحركاته كونه وجها دينيا , ولكن عند التدقيق في اقواله و سلوكه ومواقفه ستجدها نابعه بصدق عن ايمانه  بانسانيته   التي كسرت  العوارض وازاحت العوازل فاصبح ما لديه ليس حكرا لنصرة  جماعته  من دينه المسيحي وللمسيحيين  , بل إتسعت دائرة نشاطه باتجاه  جامع  ومتآلف لم تحضى اروقتنا الدينيه العراقيه ولا حتى السياسية  بمثل هذا الظهور .

     يبدو ان شخصنا الملفت هذا له جزيل الاحترام ,  سبق و قد هيأ نفسه لهذا الانفراد الجهادي الطوعي في تادية رساله نموذجيه صاغها وتبناها  من خلال دراساته وثقافته (اللاهوتيه والفلسفيه) ,  الكثيرون منا تابعوه وهو يمارس مهمته الروحيه في اكثر من مكان  لعقد من الزمان في اقل تقدير ,وها نحن اليوم بعد ان حضينا برسامته بطريركا  نتطلع اليه من خلال جولاته الهادفه وكلامه الرصين متأملين الخير فيه  خدمة للعراقيين و لمحبي العراق ومحبي وحدة ابناء شعبنا (الكلدواشورين السريان) المسيحيين بشكل عام , خاصة والعراق يمر في  بئس ما تمر به الشعوب المغضوب عليها  من ظروف تعسه  بعد هزة تغيير النظام في العراق , نعم  لنا ان نتفاءل به و نسترجي من صرح شخصيته المتميزه بكل صفاتها  دورا  ايجابيا مؤثرا في مجتمعنا العراقي كله لما يتمتع به من حنكه انسانيه شامخه رافضه للخنوع والذل ومتشبثه بروح وطنيه لا تشوبها اية نزعه انعزاليه متزمته  سواء كانت دينيه مذهبيه او قوميه .

     كلنا يراقب عن كثب الحراك الجديد الذي بدأه هذا البطريرك الشاب في تحريك المياه الآسنه وصرفها بعيدا  بدأ حراكه مخاطبا أهله في كنيسته اولا ثم شرع يطرق ابواب العديد من مؤسسات و اروقة العراق المنهك سياسيا واجتماعيا بعد ان غابت اصوات الساسه المتنفذين وعجزوا عن قول كلمة تعيد لحمة الوطن وتلم شمل البلاد  التي شرذمها القطب الاجنبي الوافد باجنداته الشريره , لابل اجندات  هذه الاحزاب الغالبيه ساهمت عن عمد او عن قصر نظر في اتمام ما رسمه الاجنبي لهذا الشعب المعذب وبلده العراق , نعم  لقد غابت عن عقول هذه التيارات السياسيه (بمتدينيها وقومييها وعلمانييها ) اهمية قدسية الانسان العراقي و اهمية وحدة الوطن وسلامة حدوده , فليكن لبطريركنا دوره الذي ينتظره المعذبون بلهف .

      اذن والحديث عن غبطة البطريرك الجديد , فهو من خلال زياراته  وتصريحاته  يطرح مشروعا للمواطنه لكن بحلـّته الروحيه الانسانيه  عاقدا العزم على تقديم  نموذج عصري جديد للقائد الروحي المسؤول عن سلامة الجميع  وليس سلامه كنائسه ورعاياها فقط ,اختار طريقا اقرب الى رسالة السماء السمحاء من ادعياء الصلاة ونصرة الدين والمذهب وهي اي طريقته هي فعلا اكثر ضمانا لسلامة ابناء شعبه ومؤمنيه, نعم العراق اليوم بحاجه الى صوت قيادي مسؤول  يتخذ من شعبه ووطنه مرجعيته الوحيده وينبذ التعويل على اية جهة خارج حدود البلاد .

      لذا  فإن رسالة هذا البطريرك الجليل  واضحه وضوح الشمس وهي موجهه دون استثناء حتى للذين يدعون العلمانية والوطنية في شعارات احزابهم  اذ عليهم ان يراقبوا حراكه ويتعلموا من مصداقية المنتمي الحقيقي لوطنه وشعبه ورسالته , أما دعاة  الاحزاب الدينيه والطائفيه من الذين غلـــّبوا مصالحهم الضيقه على مصالح عموم الشعب العراقي , فعليهم ان يتعلموا بان فكرة بناء دولة الدين الواحد او المذهب الواحد او القوميه الواحده هي فكرة متخلفه ومنبوذه اكل الدهر عليها وشرب  لابل كاذبه حين تتكلم عن الدستور الوطني وعن الديمقراطيه والحريه للجميع .

    نتمنى لبطريركنا الموقر المزيد من الاناقة والعنايه في بسط وفرض الخطاب الوطني الانساني المقبول وليتعض منه الغلاة والمتطرفين .

الوطن والشعب من وراء القصد