من موروثنا الشعبي

دمَختا لكاَري

 

                                                   

 

 

                                                             

                                                             

                                                              

                                                            بدران امرايا

                                             

      حياة القرى حياة لها  طابعها وطعمها المميز في كل شيء فنهارها حافل بالنشاط  وليلها شيق مسلي وكل لحظة منها ممتعة للغاية .

 

 وهنا سوف أتطرق إلى ظاهرة ( دمَختا لكًاري)  وهي مصطلح سرياني مركب معناه النوم على السطح,بعد انتهاء الشتاء القارص وحلول الربيع وفي وسطه وبعد انتهاء شيرا دمار كًوركًيس في 24 نيسان كان الجو يبدأ بالحر تدريجيا في النهار والليل أيضا وكان يصعب النوم داخل البيوت من الحر . لذلك كان أهلنا يبدؤون بتنظيف سطح البيت ( كًَاري ) بازاله الحشيش ( كًَردتا دكًَلا ) ثم اصعاد الافريشة على السطح . وفي المساء بعد غروب الشمس كانت الافرشة تسطح لكي تبرد وتكون منعشة للنوم ,ويصعد حَب الماء وهو إناء جيري ( تَلما  وطاسي ) لحفظ مياه الشرب وتكون باردة منعشة فيه , اصعاد الطعام وجبة العشاء ( اخل رمشا ) مع الفواكه المحلية وخاصة الرقي والبطيخ والجرز من حب الشمس الجوز والكشمش , الزبيب, والفانوس للإنارة يضعونه جانبا خارج الكلا فكانت الحشرات تتجمع عليه بكثرة , فكانوا يصعدون كل ما يحتاجون إليه في ليلهم وبعد البيوت كان لهم جهاز الراديو فكان صوت الراديو يغطي غالبية السطوح, وكانت بيوت القرى قديما قريبة من بعضها وسطوحها متلاصقة بالبعض  (خَكَاري كما في منطقة الآباء والأجداد هكاري والمشتقة من خكاري أي سطح واحد ) وهذه العملية لمسائل أمنية لاصال الإنذارات عند أوقات الشدة والمحن .

 

وعند المساء كان الكلا الناموسية تنصب وهو قماش خفيف مشبك يسمح بنفاذ الهواء فقط لإبعاد قرصات ولدغات الحشرات المتوفرة بكثرة في جو القرى بسبب تواجد الغطاء الأخضر وعدم وجود المبيدات آنذاك .

 

وبعد يوم مضني وحافل بالعمل الشاق كان أهلنا يَحون ماشيتهم ودوابهم ودواجنهم يغلقون الأبواب ( دَورا دتَرعا ) أي قفل والمفتاح الخشبي للباب ثم يصعدون إلى سطح المنزل مع جميع احتياجاتهم وخاصة المهد ( دَركًَوشتا ) للأمهات المرضعات  وكذلك أسلحتهم من ( بَرنو, دارجو , جفتا , قورما اي المسدس , شَش خانه  ) للحماية والدفاع عند الضرورة والى حيث الافرشة مسطحة والكلا منصوبة فيضعون المفتاح تحت الوسادة ( برشتا= بيث ريشا ) فيأكلون عشائهم بهناء وعافية بعد ( رشمتا دصليوا ) أي رسم علامة الصليب على وجوههم الطيبة والكريمة , تحت الكلا ويحتسون الشاي المخمر على الجمر حيث يمتاز بنكهته ورائحته الطيبة والزكية  والممتدة لمسافة عبر الأثير, وكانوا يتكلمون مع الجيران من على السطح ويسالون عن الأخبار وشؤون حياتهم وشجونها وأحيانا كان بإمكان الشخص أن يعد الرجال عند الجيران بواسطة نيران شكائرهم الملفوفة ( بَبروزي دتوتن )وخاصة عند سحب الدخان فان نار رأس السكًارة كان يشتد ويلمع وتتبين ملامح صاحبها المدخن .

 

وكان في العادة أن يجتمع عدد من الرجال عند احد الجيران ويبدؤون بتلاوة القصص الشيقة وكان الأطفال يستمعون ويتلذذون بتلك القصص المثيرة والممتعة , وكان هذا بمثابة التلفزيون أو الراديو أو المسليات المتوفرة الحالية , وبعد سهرة ممتعة ومسلية كان سلطان النوم يتسلط على أجفانهم فيثقلها فيقوم الضيوف وينصرفون بعد قولهم ( رَمشا دمارَن بريخا عَلوخون) أي مساء المسيح مبارك عليكم ,فينصرف كل واحد إلى سطح بيته لينام , وأحيانا لم يكن الأطفال ينامون مباشرة فكان احد الولدين يقول لهم ( مني لكوخوي ودموخ) أي عد النجوم ثم نم فكان يشتغل بعد النجوم التي لا تحصى وتعد, وخلالها يتغلب النوم عليه فينام وهو قبالة نجوم السماء, وخلال الليل كان أحيانا الرضيع في المهد يبكي  وأمه لا تشعر به وهي غارقة في نوم عميق , فكان الجيران يصيحون عليها لتسكت الطفل بإرضاعه أو هز مهده ( شعشتا ددَركَوشتا) فيقولون لها ( فلانه فلانه هَي قورخ مارَواتخ او دشمنخ قو هولي برونخ او براتخ ببخايا  )  فلانة فلأنه قبرت أصحابك أو أعدائكِ فان ابنكِ أو بنتكِ تبكي قومي عليه أو عليها وهذا طبعا من دافع الغيرة والنية الطيبة .

 

وأحيانا كانت السماء تمطر فيضطرون إلى النزول والنوم داخل البيوت تخلصا من شدة زخات المطر وخاصة عند حلول الخريف . وكان النوم على السطوح يمتد إلى ( عيذا دصليوا ) عيد الصليب المقدس الواقع في 13- 14 أيلول من عام أو (عيذا دكَليانا ) أي (عيد التجلي والصيف راح ولي ) أو ملاحظة ظهور نجم اسمه بالعامية ( كيمَن ) وكانت الليل تدريجيا يبدأ بالبرود وتبدأ السماء بالإمطار .

 

وخلال الليل كانت هناك أصوات مزعجة ومقرفة من أصوات نباح الكلاب ونهيق الحمير وخوار البقر طنين البعوض, وغيرها تعيق النوم وتعكر صفائه وخلوته ولكن أهلنا في القرى كانوا متعودين على سماع هذه الأصوات .

 

 وفي الصباح كانت الديوك توقظ الناس بصيحاتها المتكررة ,فيقوم الوالدين ويصلون ويبدؤون يومهم الجديد بهمة ونشاط عاليين.فيطلقون الدواجن ويطعمونها ( بذرتا دلقطا ) أي بذر الحبوب لها, وإطعام الماشية ( قنيانا )وكذلك (البقرا ) أي الأبقار الحمير والخيول والبغال ثم إطلاقها بذمة الراعي ليقودها إلى المراعي  ثم هم يمضون إلى أشغالهم بعد تناول الفطور ( طعَمتا ) .هذا كان جانبا  بسيطا من حياة أهلنا في القرى قديما بدون مزايدة أو رتوش وتودي .