وأد الحصة التموينية سيحجب رغيف الخبز

 

                     

 

                              

                                               

                                      

                                                                                                    

                                                 

                                            كاظم فنجان الحمامي

                       

               

    

 

     شعب من أعرق شعوب كوكب الأرض, يمتلك أغنى ثروات القارات السبع, وقعت على أرضه سرقات كونية تقدر بمليارات الدولارات, لكن نصفه يعيش تحت خط الفقر, ونصف النصف لا يملكون من حطام الدنيا إلا بعض المصادر المعيشية البسيطة, ونصف النصف يعيشون على ما تركه لهم آبائهم وأجدادهم من مواريث محدودة, ونصف النصف استنفذوا مدخراتهم كلها فاضطروا لبيع مساكنهم وعقاراتهم, ونصف النصف من رجال الدولة والسادة النواب وزعماء الأحزاب ورؤساء العشائر والسفراء والوزراء والمدراء والحلقات الحميمة القريبة منهم, اما الذين أزهقت أرواحهم بالعبوات الناسفة والمتفجرات اللاصقة والمسدسات الكاتمة, والذين هاجروا وغادروا ونزحوا وهربوا إلى محطات الغربة والاغتراب فلا توجد إحصاءات رسمية بأعدادهم الهائلة, ولا يعلم بمصيرهم إلا الله ومكاتب الهجرة في الأقطار التي وفرت لهم الملاذ الآمن وراحة البال. .

شعب مهدد بلقمة العيش, ومهدد بفقدان سلته الغذائية المثقوبة, ومهدد بقطع آخر خيوط أمنه الغذائي, ومهدد بخسارة حقوقه الشرعية في الضمان الاجتماعي.

شعب تخلت عنه دولته رسمياً عندما اعتذرت عن تأمين رغيف الخبز للبطون الخاوية, فعقدت العزم على إلغاء حصته التموينية الهزيلة, وقررت شطبها من أولوياتها, على أمل تعويضه بدراهم معدودات تقدر بحوالي (12) دولار شهريا للمواطن الواحد, ما يعني ان الأسرة الفقيرة المؤلفة من خمسة أشخاص ستتقاضى في الشهر نحو (60) دولارا تقريباً. .

شعب صار عبئا على دولته, وصار من مصادر الإزعاج للساسة الذين اختارهم بنفسه, وصار لعبة من ألعاب السيرك السياسي, وأضحوكة عند المنافقين الذين صوتوا لقرار إلغاء البطاقة التموينية, ثم خرجوا ليعلنوا أمام الكاميرات عن شجبهم واستنكارهم لقرار الإلغاء. .

شعب وصلت نثريات قرطاسية النواب في بلاده إلى سبعمائة وخمسين ألف دينارا في الشهر (625 دولار تقريباً) خصصت لشراء الأقلام والأوراق والدفاتر والكراريس وأدوات الرسم والحسم والرزم والشطب, بما يزيد على المرتبات التقاعدية لأصحاب الكفاءات والمهارات, الذين افنوا أعمارهم في خدمة العراق حتى بلغوا سن التقاعد, في الوقت الذي تمنح فيه الدولة العراقية (750) ألف دينار كل شهر للسادة النواب لتغطية نفقات القرطاسية, إضافة إلى مرتباتهم ومخصصاتهم وحوافزهم الشهرية المغرية. .

 

لو تجولنا في أقطار السماوات والأرض لما وجدنا دولة بلغت فيها مبالغ القرطاسية الشهرية المخصصة لعلماء الفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب والذرة من أمثال (ألبرت آينشتاين), أو (ماكس بلانك), أو (مدام كوري), ولما بلغت فيه القرطاسية الشهرية لرواد الفضاء هذا المبلغ, حتى العبقري الايطالي (ليوناردو دافنشي) لم يكن يصرف مثل هذه المبالغ الكبيرة على أوراقه وألوانه ولوحاته ومرسمه الذي ترك لنا روائع الفن والهندسة. .

 

ولو ضربنا مبلغ (625) دولار في (325) نائب لوجدنا ان المبلغ النهائي يصل إلى (211900) دولار, ويقترب كثيرا من ربع مليون دولار كل شهر, ويصل سنويا إلى أكثر بقليل من مليونين ونصف المليون دولار (2542800), ويزيد كثيرا على تكلفة تأمين رغيف الخبز لملايين الأفواه الجائعة. .

 

من المفارقات الألفية المضحكة إن الطائرات الأمريكية نثرت في سماء العراق قبيل الموعد المقرر لاحتلاله رسائل تبشيرية مكتوبة باللغة العربية, حملت عنوان (بشرى سارة للشعب العراقي الصابر المكافح), تضمنت التحسن الكبير الذي سيطرأ بعد الاحتلال على مفردات البطاقة التموينية وموادها, وتساءل الناس في حينها عن كيفية تخزين هذه الكميات الهائلة من اللحوم والدواجن والأسماك المجمدة, وتساءل الفلاحون في القرى والأرياف عن بعض المفردات المكتوبة بلغة لم يفهموها, مثل (الكورن فليكس), و(الصوصج), و(الكريم شانتيه) و(الكود ليفر أويل), والجبنة الكندية المغلفة بالشمع, و(الموزريلا), وعصير (الصويا), ثم دارت الأهلة دورتها ليجدوا أنفسهم بحصة تموينية متعفنة, ثم بحصة ناقصة, ثم من غير حصة. .

 

لقد جاء قرار مجلس الوزراء ليوجه صدمة عنيفة للعوائل الفقيرة والأسر المتعففة, تهدد بحرمانهم من الحصة التموينية التي تعد آخر ما تبقى من (رأس مالهم) في العراق, على الرغم من تضائلها وتقلصها وتردي موادها, بسبب سوء المنشأ, وبسبب المزايدات الرخيصة. .

 

اما العجب العجاب في بلد الألغاز والأحاجي والعجائب فنلخصه بالسؤال التالي: كيف استطاع مجلس الوزراء أن يصادق على قرار الإلغاء في الوقت الذي رفضته الكيانات السياسية كلها, وزعمت انها لم تصادق عليه, وانها اعترضت عليه جملة وتفصيلا, وفي الوقت الذي زعم فيه الوزراء كلهم رفضهم القرار واحتجاجهم على صيغته ؟؟. .

 

ألا تدل هذه المواقف المتأرجحة على استخفاف بعض الكيانات بالإنسان العراقي, وإلا بماذا تفسرون هذه التصريحات المتناقضة مع ما نسمعه ونراه ونحس به. .

 

والله يستر من الجايات